خبر اختراق الجمود السياسي في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني عبر العودة إلى الحلول المرحلية ..حلمي موسى

الساعة 03:04 م|25 فبراير 2013

في شباط الجاري أصدر مركز دراسات الأمن القومي في جامعة تل أبيب «التقدير الاستراتيجي لإسرائيل لعامي 2012-2013». وكالعادة فإن التقرير الذي يعده خبراء ومختصون يتناول ليس فقط ما مر وانقضى وإنما يحاولون عبر قراءاتهم استشراف آفاق الحركة والتوجهات في كل ما يحيط بإسرائيل. ومن المؤكد أن أجواء ما بعد «الربيع العربي» والغموض الذي يحيط بمستقبل أوطان عربية عديدة وربما بمستقبل العرب جميعا تجعل من الأهمية بمكان أن تكون الدراسات الإسرائيلية أشد حذرا وأكثر جدية. فهي، في الغالب، ليست موجهة لجمهور واسع أو ترمي لتحقيق أغراض دعائية موضعية أو جزئية، كما أنها تنشر في ظل منافسة واضحة مع مراكز دراسات إسرائيلية ودولية عديدة. ومن الجائز أن هذا ما يعطي هذا النمط من الدراسات قيمتها خصوصا أنها ، غالبا، نتاج فكر أشخاص ليسوا أكاديميين، بالمعنى الحرفي، بقدر ما هم محترفون سابقون سواء في الجيش والمؤسسة الأمنية أو المؤسسة الديبلوماسية والسياسية.

ويتناول التقرير الجديد عدا المقدمة فصولا أولها عن «التطورات الإقليمية، المغازي الدولية» يتضمن القراءة المنشورة اليوم في هذه الصفحة بعنوان «الولايات المتحدة في الشرق الأوسط» للمدير العام السابق لوزارة الخارجية الإسرائيلية عوديد عيران. وسبق لعيران أن ترأس مركز دراسات الأمن القومي هذا قبل أن يتولاه بعده قائد سلاح الجو الإسرائيلي السابق الجنرال عاموس يادلين. ولكن الفصل الأول هذا يتضمن أيضا مقالات أخرى إحداها بعنوان «إيران والأسرة الدولية في العام 2012» وأخرى بعنوان «لعبة نووية جديدة أم تكرار لما كان؟» و«نحو شرق أوسط نووي؟» و«تقلبات داخلية وتغييرات في الميزان الاستراتيجي الإقليمي». وينتهي الفصل بمقالة لشلومو بروم بعنوان «الربيع العربي ـ دروس التدخل العسكري الخارجي في المنطقة».

ويأتي الفصل الثاني وهو بعنوان «إسرائيل والشرق الأوسط» ويضم مقالات أولاها بعنوان «إسرائيل والطريق السياسي المسدود ـ نحو تفكير متجدد»، تليها «ربيع أردني ـ خريف هاشمي: مغازي على علاقات إسرائيل والأردن». وتتبع ذلك مقالة بعنوان «مستقبل السلام بين إسرائيل ومصر» وأخرى حول «الأزمة في سوريا: مخاطر وفرص لإسرائيل» و«الربيع العربي وصعود الإسلام السياسي». وآخر مقالات هذا الفصل كانت «القاعدة والجهاد العالمي ـ في البحث عن اتجاه».

ويأتي الفصل الأخير الذي هو بعنوان «إسرائيل ـ الحلبة الداخلية» ويبدأ بمقالة حول «المداولات العلنية في إسرائيل في قضية مواجهة الذرة الإيرانية»، و«النفقات الأمنية والتحديات الاجتماعية في إسرائيل». وينتهي التقدير الاستراتيجي بخاتمة كتبها رئيس المركز الجنرال عاموس يادلين بعنوان «تحديات الأمن القومي لإسرائيل 2012-2013 من الانتظار إلى سياسة المبادرة».

ومن المؤكد أن كلا من المقالات الواردة في التقرير تمثل إضافة إلى المعلومات المتوفرة لكن اختيار نشر مقالة عوديد عيران عن أميركا والشرق الأوسط يفيد في رؤية نظرة أخرى لمواقف الإدارة الأميركية وتأثيراتها في ما يجري في المنطقة. وتتسم المقالة بأهمية كبيرة في هذا الوقت بالذات الذي يسبق وصول الرئيس الأميركي باراك أوباما إلى المنطقة والآمال التي يحاول البعض إشاعتها عن قرب حدوث اختراق أو وقوع انفجار عسكري. ويبدو لمن يقرأ جيدا مقالة عيران أن يخلص إلى أن اختراقات لن تحدث وتقريبا لن يطرأ جديد جوهري سوى محاولة التكيف مع الواقع والابتعاد عن مواجهة الأسئلة الجوهرية وفي أحسن الأحوال السعي لإيجاد حلول موقتة.

فالعلاقة الأميركية مع الشرق الأوسط عموما ومع إسرائيل خصوصا قد تكون في بداية طريق نحو التغيير القائم على نظرة جديدة أساسها أن دور أميركا في العالم يضعف مما يفرض عليها تركيز الاهتمام في المناطق الأشد حيوية لها. وفي هذا السياق يكثر الحديث عن الاهتمام الأميركي المتزايد بالمحيط الهادي وشرق آسيا وبداية تراجع الاهتمام بالخليج العربي والشرق الأوسط. لكن عيران، ورغم إشارته إلى هذا التوجه يرى أن هذه سيرورة تغيير قد تتطلب زمنا طويلا لظهور نتائجها. وإذا كان لذلك من معنى فهو أن تراجع الاهتمام الأميركي بالشرق الأوسط وربما أيضا بالخليج والنفط قد لا يجد ترجمات عملية له فورا. ولهذا يحذر عيران الحكومة الإسرائيلية من أن تراجع الاهتمام الأميركي ليس في مصلحة إسرائيل الاستراتيجية وأنه لهذا الغرض من الواجب تسهيل بقاء هذا الاهتمام وليس عرقلته. ولهذا السبب يعرض على الحكومة الإسرائيلية إبداء مرونة أو قدر معين من المرونة السياسية التي تسمح للإدارة الأميركية بعدم إدارة ظهرها للمنطقة وللتسوية السياسية.

ولكن عيران، وبعد أن يطالب إسرائيل بالمبادرة، يشير إلى إدراكه لمصاعب إقدام أي حكومة إسرائيلية، خصوصا اليمينية منها، على قرارات حاسمة بشأن قضايا النزاع الجوهرية وهي القدس والحدود واللاجئين. ولكن إدراكه هذا لا يمنعه من البحث عن سبل تحريك أخرى أهمها الإيحاء بضرورة التخلي عن مقاربة التعامل المباشر مع المشاكل الجوهرية والاندفاع نحو حلول جزئية. وإذا كان لذلك من معنى فهو إعادة تقسيم القضايا القائمة بين الإسرائيليين والفلسطينيين ومنح السلطة الفلسطينية الفرصة لزيادة صلاحياتها في مناطق «ج» وربما قبولها من جانب إسرائيل والولايات المتحدة كعضو في الأمم المتحدة من دون أن تنال كامل السيادة على مناطق 67 أو كامل الصلاحية القانونية والإجرائية.

وبكلمات أخرى، يندفع عيران للتشديد على خطورة منطق اليمين الإسرائيلي بقيادة بنيامين نتنياهو المرتكز على فكرة «الوضع الراهن» أو الاستيطان الزاحف ويطالب بنظرة وسطى ترضي أميركا وتسكت أوروبا وتلهي الفلسطينيين. وربما أن هذا المنطق يستدعي من القيادة الفلسطينية ومناصريها العرب التنبه إلى الأجواء والآفاق السياسية التي سنضطر لمواجهتها في القريب العاجل وربما مع زيارة أوباما.