خبر يزرعون الريح ويحصدون العاصفة- يديعوت

الساعة 09:32 ص|25 فبراير 2013

بقلم: ناحوم برنياع

تُعلمنا تجربة الماضي ان الانتفاضات لا تولد بقرار منظم بحسب الكتاب بل تولد من الحياة والريح والجو والفضاء. فالنار الصغيرة يمكن ان تصبح نارا كبيرة أو تبقى صغيرة. ويسكب متخذو القرارات من الطرفين بين الفينة والاخرى النفط على النار، والماء بين الآن والآخر وكل ذلك بحسب الحاجات السياسية المباشرة لديهم. وهم يوهمون أنفسهم أنهم يستطيعون اذا شاؤوا السيطرة على ارتفاع اللهب.

اذا بدأت انتفاضة ثالثة فلن يستطيع أحد ان يقول انه فوجيء. لأن التحذيرات مما يحدث في الضفة كانت تُسمع في كل منتدى منذ سنتين وأكثر. ويوجد كثير من الاسباب التي تفسر بأثر رجعي لماذا حدث ذلك منها الوضع الاقتصادي الصعب للسلطة الفلسطينية وتأثيراته في رواتب ناس اجهزتها وروحهم المعنوية؛ وعدم التفاوض وتدهور العلاقات بين حكومة اسرائيل والسلطة الفلسطينية؛ وانجاز حماس الكبير بصفقة شليط واخفاق أبو مازن في محاولته ان يستخرج انجازا مشابها من اسرائيل؛ والبناء المتعجل في المستوطنات والمواجهات العنيفة بين مستوطنين وفلسطينيين؛ وقضية الأسرى.

إن أضرار الخطابة التي تزداد حماسة يزيد فيها قصر النظر الذي يزداد قصرا. وإن حالة السجين عرفات شليش جرادات مثل آسر. إن جرادات ابن الثلاثين وهو من الجبهة الشعبية يسكن في سعير وهي قرية قرب الخليل. وتروي وثيقة أصدرها قسم الاتصالات في جهاز الامن العام أول أمس قصته: "اعتقل جرادات ليُحقق معه جهاز الامن العام في 18 شباط إثر شهادات لسكان من قريته بيّنت انه شارك في عملية رشق حجارة".

رشق سكان من القرية مستوطنا بالحجارة في اثناء عملية "عمود السحاب" في غزة. وكان جرادات واحدا منهم واعترف في التحقيق بفعله.

ويكتب جهاز الامن العام قائلا: "كان معلوما ان جرادات كان يعاني قبل اعتقاله وفي خلال التحقيق معه من آلام ظهر لأنه أُصيب في الماضي برصاصة مطاطية في رجله اليسرى وقنبلة غاز في بطنه. وفي خلال التحقيق مع تأكيد يوم الخميس الاخير فحص طبيب جرادات عدة مرات. ولم يلاحظ بهذه الفحوصات مشكلات طبية ما واستمر التحقيق معه. وفي خلال يوم السبت بعد الغداء حينما كان مستريحا في سجن مجدو شعر بسوء. ولم تنجح قوات انقاذ وعلاج استُدعيت وعالجته في انقاذ حياته".

يرمي اعلان "الشباك" الى تهدئة نفوس كل من يرتابون ان المعتقل مات بسبب التعذيب. وهذا جيد. أما ما لم يُبين فيه فهو تقدير من أمر باعتقال انسان وضعه الطبي اشكالي بشبهة رشق بالحجارة قبل الاعتقال بثلاثة اشهر في ايام قد يُشعل فيها موت معتقل فلسطيني واحد الارض كلها. أين العقل. وما معنى قولهم ان المعتقل فحصه طبيب عدة مرات ولم تلاحظ مشكلات طبية ما. لأنه اذا كان سليم الجسم كثيرا فلماذا فُحص عدة مرات، واذا كان مريضا بما يكفي لأن يُفحص عدة مرات فلماذا أُبقي معتقلا.

أو الواقعة التي وقعت في قرية قصرة قرب الشارع 5. بدأ المستوطنون من البؤرة الاستيطانية "ايش كوديش" يفلحون ارض مزارع هي في زعم سكان القرية لهم. وأطلق أحد المستوطنين النار من مسدسه على سكان قصرة واشتكى العرب. وزعم الجنود أنهم لم يروا مسدسا ولم يسمعوا طلقات. وتُثبت الصور التي تمت في ذلك المكان في ظاهر الامر انه وُجد مسدس بيقين.

أفترض ان هذا يُسمع مثل أمر مُسِّف لكن كل من سمع شهادات قادة جهاز الامن العام كما عُرضت في فيلم "حماة الحمى" يعلم ان الانتفاضات تنشأ من هذه المواد وهذه الأكاذيب.

إن سامر العيساوي هو الآن أكبر أبطال الشعب الفلسطيني. وقد مكث العيساوي إبن الجبهة الديمقراطية نحوا من عشر سنوات في السجن وأُفرج عنه في صفقة شليط. وهو من سكان العيسوية، قرية في شرقي القدس. وقد اعتقل في آب الماضي حينما حاول مخالفا شروط الافراج عنه، ان يسافر الى الضفة وحُكم عليه بالسجن ثمانية اشهر.

وهو مضرب عن الطعام منذ ذلك الحين، فهو مضرب منذ 200 يوم. وأثار اضرابه عن الطعام من جديد طلب الافراج الجماعي عن السجناء وهو موضوع مُجمع عليه من الشارع الفلسطيني. وشجع أحمد الطيبي في اسرائيل وأبو مازن في الضفة فضلا عن حماس في غزة الجماهير على الخروج الى الشوارع واستُجيبت الدعوة بفورة مظاهرات عنيفة. لقد زرعوا الريح ولم يبق الآن سوى ان نرى هل يحصدون العاصفة.

اهتمت اسرائيل في وقائع سبقت بالافراج عن مضربين عن الطعام، فقد كان يكفيهم الضرر الذي أضروا به أنفسهم. أنهى العيساوي في واقع الامر قضاء عقوبته ويمكن الافراج عنه. ويمكن ايضا ان يُترك ليموت وان يُرسل اذا بقي حيا للسجن عشر سنين اخرى – وهي السنين التي اقتطعت بصفقة شليط. والسؤال أيهما يضمن أمن دولة اسرائيل بصورة أفضل.