خبر فتدبروا يا أولي الألباب ..علي عقلة عرسان

الساعة 11:57 ص|22 فبراير 2013

لست أدري من أين أبدأ الكلام عن الدم والدمار والأبرياء، ولا عن بلد يدفع ما لا يُحتَمل من جراء صراع دموي تشارك فيه أطراف داخلية وخارجية لم تعد تعرف طريقها إلى الحق والعدل والخير فتموت وتميت وكأن الاقتتال والقتل غاية!!.. وكلما تفاءل الناس بتوجه نحو التعقل والتعامل مع الأزمة بمسؤولية أخلاقية ووطنية وإنسانية تهجم على التفاؤل والمتفائلين وحوش لا تعرف الله ولا ترعى للإنسان قيمة ولا حرمة ولا للوطن حقاً فتجعل من طريق الدم سبيلاً لها وتجر خصومها والمسؤولين عن الدولة والأمن إلى سلوك تلك الطريق.

منذ بداية الأزمة السورية وتحرك المكلفين بالوصول إلى حلول لها.. قلنا إن الأمر يتوقف على اتفاق دولتين عظميين على الحل هما " روسيا الاتحادية والولايات المتحدة الأميركية" اللتين لكل منها تأثير مباشر وغير مباشر على أطراف في الأزمة وعلى القرارات الدولية التي تساهم في حلها.. وبعد أن اختبرت كل من الدولتين الكبيرتين قدراتها على الفعل بحديه السلبي والإيجابي، وراجعت حساباتها ودققت في مصالحها واستراتيجياتها وربما في مسؤولياتها الدولية.. وبعد كل ما جرى في نهري الدم والمعاناة السوريين من دم ودمع وألم.. آلتا إلى ضرورة التقارب والاتفاق بجدية بعد مناورات دامت أكثر من سبعة أشهر على ما أعلن أنه اتفاق على خطة كوفي عنان وما تضمنه بيان جنيف الصادر في 30/6/2012، ولعل يوم 26 من شباط/فبراير الجاري يكون يوماً حاسماً بين لا فروف وكيري في ألمانيا، بعد تصريح كيري بترجيح الحل السلمي، واتفاق لا فروق وأطراف جامعة الدول العربية على ذلك، ولقاء المعلم ولافروف في موسكو في 25منه.. ولكن ما يزال هناك ما يخيف، فلدى طرف واحد هو الولايات المتحدة الأميركية رهانات وحسابات تصفيها بإتاحة وقت لمزيد من العنف وبمد جهات محددة بالسلاح لتنجز لصالحها ما ترغب في إنجازه، حتى بعدما مالت في عهد أوباما الثاني و مجيء جون كيري وزيراً للخارجية بدلاً من هيلاري كلينتون، إلى الاقتناع بأن الحسم العسكري النهائي في سورية لمصلحة طرف تراهن عليه أمر غير ممكن، وأن سورية أُنهكت بما فيه الكفاية، وأن ما يجري فيها سيتطور إلى صراعات دامية " طائفية على الخصوص" تهز المنطقة كلها وتتسبب في دوامات عنف غير معروفة النتائج.. إن تصريحات توني وليم هيغ وإعلاناته المسلحة ليست بعيدة عن رغابات واشنطن وتوجهاتها، ولا تتم على الرغم منها، والأجهزة المعنية في تلك الدول، " لا سيما أجهزة الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وتركيا ومن يمول تحركها"، تعمل بمعرفة السياسيين وبعيداً عن مضامين عن تصريحاتهم، فالتسليح مستمر، ونهج التشجيع على الاقتتال مستمر، والبرنامج الدموي لم تكتمل فصوله بعد!!.. ولكن بوادر السياسة لا بد أن تفضي في النهاية إلى اتفاق وقرارات تلزم الدول ومن ثم الأجهزة.

لا نتوقع من الدول العربية المعنية بالصراع مباشرة أو بصورة غير مباشرة أن تقوم بفعل خيِّر منقذ مسؤول تعبر عنه مبادرة شجاعة خلاقة، ولا نتوقع ذلك من جامعة الدول العربية التي وضعت نفسها طرفاً حين قطعت صلتها كلياً بأحد الأطراف المعنية بالأزمة وقبلت بأن تكون جسراً وأداة وتتخندق في موقع من مواقع الصراع، ومن ثم فقدت دور الوسيط أو رفضته.. إن الأسف الآن لا يفيد، واستعادة الجامعة لمكانتها ودورها القومي - إن هي أدركت الآن ضرورة استعادته وكيفية الوصول إلى ذلك - أمر يحتاج إلى تغيير في الرؤى والمواقف والأشخاص والقرارات والتوجهات، والقيام بإجراءات.. وهذا يتطلب أولاً خروجها من مواقع التخندق لكي ترى بعين الإنصاف وتكون للعرب كافة، كما يحتاج إلى وقت وجهد.. وإلى أن يتم ذلك بعد إيعاز به ممن يأمرون ولا يخالفون ستدفع الأمة العربية وليس سورية وحدها الكثير والكثير.

نحن الآن تحت رحمة من هم في المواقع والخنادق ويحملون الصواريخ والبنادق، ولا ننتظر أن يسلك السوريون المعنيون بالصراع منهم على الخصوص طريق الحل السياسي عبر الحوار بوعي ومسؤولية واختيار، فقد عجزوا عن سلوك تلك الطريق بإرادة شاملة متكاملة تعبر عن مسؤولية عالية وفهم سليم للدور والمكانة في أمر هو شأن وطني عام وليس شأن من هم في الخنادق فقط.. نحن لا نتوقع منهم، بعد الذي جرى وكان وما عرفنا وسمعنا أن يفعلوا فعلاً محكوماً بالعقل والحكمة والمسؤولية الوطنية العليا، إنما نحن بانتظار أن يُجبَروا سياسياً على اتباع ذلك المنهج وسلوك تلك الطريق، باتفاق بين الدولتين الكبيرتين اللتين ستقنع كل منهما حلفاءها والقريبين منها، بعد افتاقهما، ببذل كل جهد من أجل الوصول إلى تلك الغاية، ولكن بعد أن تتفقا على سلوك تلك الطريق كما أسلفنا وعلى تفاصيل كثيرة، وعلى السير فق أسس لذلك مرعية الاعتبار، ومن دون شروط مسبقة تعيق السير في هذا المسار. وأكاد أصرخ، من ألم وأسف وغيظ، وللكلام شويط في فمي ودمي، وهو كشواظ من نار يشويني على سفافيد من عظامي، أكاد أصرخ قائلاً: "إن السوريين الذين ملؤوا الفضاء العالمي صراخاً وضجيجاً وادعاء و " مرجلات"، ودمروا بلدهم، وأسالوا دماءهم بأيديهم في دروب الوطن، وساهموا في إضعاف قوتهم وتقوية عدوهم، وتسببوا في تشريد مواطنيهم وتدمير اقتصادهم وعلاقاتهم الاجتماعية الحميمة.. إلخ، لم ينجحوا في الوصول إلى تحكيم العقل والحكمة فيما شجر بينهم، ولم يتمكنوا من سحب البساط من تحت أقدام من استهدفهم، ولم ينجحوا في تغليب المسؤولية الوطنية العليا والإنسانية الرفيعة على الرؤى الضيقة والنزعات المريضة، ولم يصلوا إلى رفع الضمير والعقيدة، الروحي والخلقي.. فوق نوازعهم الشريرة وانفعالاتهم البدائية الضارة، ولا في تَمَثُّل القوة والشدة والتعبير عنهما بسلامة فهم وقوة إرادة، وبالمعنى الذي عبَّر عنه الرسول الأعظم محمد بن عبد الله عليه صلى الله عليه وسلم، حيث قال: " ليس الشديد بالصُّرَعَةِ إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب". إنهم انساقوا أو سيقوا إلى المحنة وحكموا العنف الدموي فيما شجر بينهم، إما بسبب منهم أو باستهداف الآخرين لهم عبر أدوات من أنفسهم، ولا سيما الآخرين من أعدائهم التاريخيين المحتلينلبلدهم.. ولم يرشَدوا بما فيه الكفاية، على الرغم من الادعاء العريض بامتلاكهم لذلك.. وبرهن كثير ممن انخرطوا في العنف بصورة مباشرة أو غير مباشرة على أنهم غير مؤهلين لتجنيب وطنهم وشعبهم الويلات والمصير المؤلم المر، ولا لإنقاذ ما تبقى من الوطن والشعب والعلاقات والبنى والمؤسسات بالحوار واللجوء إلى الخيار الديمقراطي السليم القويم الذي يعزز الاعتراف بالآخر الشريك والثقة به، لحسم الخلافات القتالة بالمسؤولية الفعالة.. كما أثبتوا أن من كان منهم أداة ومخلباً وناباً بقي كذلك، ومن رد منهم على الأداة والمخلب والناب بمخلب وناب آثر ذلك أو اضطر إليه ولكنه سار فيه على كل حال.. فكل منهم تخندق في الوسيلة ونسي الغاية أو تناساها، وحمَّل الشعب فوق ما يطيق، وأدخل الوطن في التهلكة.

نحن اليوم في خضم الألم والفَقد والفجيعة.. فقد الأبرياء والأقرباء والأعزة، فقد الأمن والاطمئنان والثقة، فقد الحكمة والرشد والوعي بالمسؤولية، فقد الخيارات السليمة التي تعبر عن الوعي والانتماء وحب الوطن واحترام الشعب وتقدير الحياة، فقد الجرأة الجماعية التي تضع كل من يتاجر بنا ويقتلنا بطريقته وبحد سيفه ويقبض ثمن القتل والقتيل.. تضعه عند حدوده بقول ساطع ناصع قوي فاعل: " نحن لسنا خرافاً في مزارعكم وعلى معالفكم وفي الأسواق التجارية التي تنشطون فيها، وأنتم لستم الوطن ولا ملاكه ولا سادته ولا الأوصياء عليه، وما يحرككم على طريق القتل والدمار ليس نزوعاً وطنياً وحقانياً وإنسانياً عالياً، ليس عادلاً ولا صحيحاً ولا حريصاً على البلد والشعب والقانون والإنسان.. وعليه فإن عليكم أن تكفوا عن ذبحنا باسمنا وباسم مستقبلنا وحريتنا وتحريرنا وتدبير أمورنا، وعليكم أن تعودوا إلى حقيقة أن الوطن والشعب ليسا ملك هذا الفريق أو ذاك من أبنائه، ولا مطية لهذه الفئة أو تلك ممن يسلكون بهما مسالك التهلكة ويقودانهما إلى الضعف والمموت والدمار، لسنا بضاعة سياسية، وليست حياتنا ومعيشتنا بضاعة لمن يبيع ويشتري ويربح من تجار الحروب والدماء والموت.. ويبقى آمناً وفي مأمن على نفسه وأهله وماله وما كسب من جراء عرض الشعب والبلد في الأسواق، والاتجار بلقمة العيش، والدفع بالدماء سواقي تحمي المناصب والمكاسب.. ألا كفى وكفوا عنا آذاكم.. وانزلوا جميعاً من صياصيِّكم وتعالوا ، بتسامح من الوطن الشعب والوطن، وعيشوا معنا ظروفنا، لنتحمل القاسي من الأيام القادمة معاً، ونبني ما خربتموه معاً.. ونتحمل المسؤولية معاً بدمقراطية سليمة تعلي كلمة الشعب السيد وتحمي الوطن.. وإلا.. فكفوا عن التجارة بنا والحديث باسمنا وعن قتلنا وتدمير مقومات حياتنا وعيشنا الواحد والمشترك العالي القدر والقيمة فيما بيننا الذي رعيناه كل هذه السنين.ألا كفوا وكفى..

نحن اليوم من حلب وريفها إلى دمشق وريفها، ومن إدلب وحمص إلى درعا والرقة ودير الزور.. إلخ نخوض في سواقي الدم ونصرخ من ألم الجراح، ورغم الدم وآلام الجراح يسير بنا من تبقى منا خارج دائرة الموت والجراح في مسارات الموت والدم والجراح.. فبأي حق ولأية غاية.!! أفلا نستحق، بوصفنا سوريين متساوين في الحقوق والواجبات، في هذا الطرف أو ذاك.. في هذا الخندق أو ذاك.. أفلا نستحق أكثر من اللوم والذم على ما فعله بعضنا ببعض؟ بلى وألف بلى، نستحق وأكثر. أولم يحن وقت يقظة ضمير وعودة وعي لكل خائض في العنف والثأر والدم ويؤسس للفتنة والقتل لكي يتوقف ويسأل نفسه: لماذا؟ ولمصلحة من؟ ومن سيدفع الثمن في النهاية.؟!

إن التفجير الإجرامي الذي هز دمشق يوم أمس الخميس 21 شباط/فبراير 2013 وسقط ضحيته مئات المدنيين بين قتيل وجريح، لم يكن التفجير الأول ولن يكون الأخير.. لا في دمشق ولا في حلب ولا في مدن وبلدات وقرى أخرى فنحن في خضم المأساة.. وما يتواكب مع ذلك وما يسبقه ويتبعه من قصف وقنص واقتتال بأنواع الأسلحة لن يحسم الأزمة بل سيقضي على ما تبقى منا ومن الوطن.. ألا هل فكرتم قليلاً بأطفالكم ومستقبلهم؟! بنسائكم وأعراضكم وآمالكم وبكل ما حلمتم به في حياة!؟ فهل يليق ما تفعلونه بأنفسكم وبغيركم وبوطنكم، هل يليق بما هو عزيز عليكم من أبناء وأعراض وحياة وأحلام وتطلعات.. منها الحرية والكرامة والديمقراطية والعدل؟!.. وليس من العدل القتل إلا بالعدل، والعدل شرع وقانون وحكمة ومحاكم ومحاكمات، بل العدل بمفهومه الأعلى والأسمى هو صون الحياة وصون الحق والكرامة والحرية للإنسان في الخياة.. ألا فلنتأمل بعمق الشق الثاني من الآية الكريمة التي نسوقها في نهاية ما نعتبره نداء للعقل والضمير، للإنسان فينا، وفي كل من يملكون العقل والضمير وليس في من يدَّعونهما عبر تصريحات ولقاءات وخطابات وندوات وكتابات في واسائل الإعلام وعلى مرأى ومسمع من الأنام.. فقد ﭧ ﭨ ﭽ  ﭙ  ﭚ   ﭛ  ﭜ   ﭝ  ﭞ  ﭟ  ﭠ  ﭡ  ﭢ  ﭣ   ﭤ  ﭥ  ﭦ  ﭧ  ﭨ  ﭩ  ﭪ   ﭫﭬ  ﭭ  ﭮ  ﭯ  ﭰ  ﭱ  ﭲ  ﭳ                 ﭴ  ﭵ  ﭶ  ﭷ  ﭸ  ﭹ  ﭺ  ﭼ المائدة: ٣٢   فتدبروا يا أولي الألباب.