خبر مرحلة جديدة في الأزمة السورية ..علي عقلة عرسان

الساعة 02:58 م|19 فبراير 2013

 

 

 

سورية مقبلة على مرحلة جديدة من مراحل أزمتها الدامية، مرحلة فيها الكثير من الكلام والمزيد من الدماء، واللعبون فيها هم هم مع تغير في الوسائل والأدوات وبعض الأهداف.. ويمكن أن نتقرى ملامح ذلك في اتجاهين، اتجاه الحل السياسي ومدخله الحوار، واتجاه النزوع إلى العنف الدموي والهدف التصفوي ذي الشُّعَب والظلال.

في الاتجاه الأول، أي التوجه نحو الحل السياسي عبر الحوار، يؤكد النظام ضماناته للمعارضة بأطيافها وتعهده بعدم ملاحقة أحد من أطرافها، أمنياً أوقضائياً، إن هو أقبل على الحوار تحت سقف الثوابت، ومن الواضح أنها ثوابت وطنية – مدنية – ديمقراطية في النهاية، يتم ترسيخها عبر مراحل مشروع الحل ذي المراحل الثلاث المقدَّم من الحكومة، وما يمكن أن يدخل عليه من تعديل نتيجة للحوار. ويرى بعض المعارضين أو جلهم في ذلك شرَكاً استناداً منهم إلى تجذر عدم الثقة بالنظام في نفوسهم من جهة وتأصل النزوع لديهم إلى تحقيق هدف رئيس من أهدافهم وهو "اجتثاث الهيكلية الفاعلة للنظام". وقد كان ذلك وما زال شرطاً مسبقاً لكثيرين منهم.. بينما تؤكد المعارضة، أو بالأحرى من يقبل من أطرافها بالحوار ويُقبل عليه، ضرورة  إلزام النظام بتنفيذ كل ما " يُتفق عليه" وإن لم يفعل فيتم تدخل دولي عسكري حسب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، وهو التدخل المنشود "معارضاتياً" منذ الأسابيع الأولى للأزمة السورية، حيث تم التمهيد لذلك عربياً فرحَّلت جامعة الدول العربية الملف السوري إلى مجلس الأمن وطلبت رسمياً التدخل على الفصل السابع من الميثاق.. ونحن نعرف أن ذلك أحبط بالفيتو الروسي – الصيني الأول. وفي اشتراط المعارضة تنفيذ " ما يُتفق عليه" بصورة مغفلة، شرَك يُراد منه الأخذ بمطالبها وإلا قالت إنها حيال  "اتفاق لم ينفذ" فيضج العالم وتنفخ وسائل إعلام معينة في النار، وتحرف ما شاءت لنفسها أن تحرف، فيشتعل المشهد من جديد.؟! وإلا فإن طبيعة الاتفاق أن ينفذ وإلا لما سمي اتفاقاً ولا كان.. وحين يتفق طرفان على أمر بإرادتهما فلا معنى للكلام عن عدم التنفيذ، فالاتفاق ليس شرطاً، وقد نُحِّت الشروط المسبقة جانباً!! وعلى هذا فإن ذلك الادعاء حين يعلن ويثير الزوبعة المنشودة يتم التوجه إلى التدخل الخارجي المباشر في الشأن السوري الذي يريده المعارضون شرطاً يأخذ به ويمليه التوافق الدولي على الدخول في الحل السياسي عبر الحوار.

وسوف تتضح الصورة المتعلقة بهذا الاتجاه أكثر فأكثر خلال الأيام القليلة القادمة التي ستجري فيها لقاءات مهمة للغاية، منها اللقاء الأميركي الروسي الذي سيكون تكملة لما بدأ في جنيف وفي اتصال كيري بلافروف هاتفياً، ولقاء لا فروف مع أمين عام جامعة الدول العربية في موسكو، ومع وزير الخارجية السوري، ومع رئيس الائتلاف السوري المعارض كل على حدة، فيها.. وستؤثر في الأمر بصورة ما زيارة الرئيس أوباما للمنطقة، " للكيان الصهيوني ولدولة فلسطين وللمملكة الأردنية".. وكل ذلك مؤثر وفاعل إلى حد كبير في توجه الأزمة السورية نحو الحل السياسي الذي أكد الاتحاد الأوربي يوم الاثنين 18/2/2013 من بروكسل الأخذ به  عبر الحوار.

 أما في الاتجاه الثاني، أي التوجه إلى مزيد من إراقة الدماء والاقتتال والتدمير المنظم للدولة السورية، فتؤكد أطراف من المعارضة في الداخل والخارج رفضها للحل السياسي ولأي شكل من أشكال الحوار مع النظام، وتعلن عن مضيها في العمل المسلح " حوار النار" حتى إسقاط النظام وتحقيق الأهداف المعلنة. والأهداف المعلنة للمعارضات متفاوتة وحتى متضادة في بعض الأمور، ومن يعمل على الأرض يختلف مع من يعمل بعيداً عنها، فيما يسميه المعارضون المعنيون " معارضة الخنادق ومعارضة الفنادق"؟!. على الأرض اقتتال مستمر بين الجيش العربي السوري والجهات الأمنية من جهة وبين المعارضة المسلحة وأطيافها وأطرافها من جبهة النصرة إلى تكوينات " الجيش الحر" من جهة أخرى، ولكل فئة وفريق أهداف خاصة ولجميع المعارضين هدف مشترك هو " إسقاط النظام".. وعند افتراض " سقوط النظام" تبدأ المعركة الدموية الحاسمة بين أطراف المعارضة المسلحة، وهي معركة على الأهداف هذه المرة وليست على مكاسب وغنائم ومنهوبات.. إلخ. ففي أطياف المسلحين الممتدة من الإرهاب إلى المنادة بحرية وعدالة اجتماعية عبر إسقاط النظام..إلخ، أطراف تقول بالعلمانية وبدولة مدنية – ديمقراطية، وأطراف أخرى تقول بدولة إسلامية تعيد الخلافة وتطبق الشريعة وأحكام القرآن الكريم، وأطراف تأخذ بشيء من هذا وذاك ولكنها تقاتل وتتقاتل فيما بينها أحياناً، وأطراف في شريحة رابعة يهمها أن تتحقق الأهداف العامة للمسلحين بأطيافهم في سورية لتقوم بالفعل الذي تراه أساساً لانخراطها في القتال والنصرة، حيث تؤسس قاعدة لحكومة إسلامية أعرض من سورية وأشمل.. وبين ما ذكرت ما لم أذكر من توجهات وأهداف لأطراف أخرى.. ولكن من المؤسف والمؤلم أن نضطر هنا إلى الإشارة إلى وجود داء يتفشى في الأرض السورية، ويجد بيئة في المناطق التي يستشري فيها الاقتتال على الخصوص بين الأطراف كلها، وهو الاقتتال بنزوع طائفي " سني – شيعي" في بعض المناطق، تخوضه أطراف مسلحة من الجانبين على هذه الأرضية المقيتة، وترتفع في ميادينه شعارات طائفية تنذر بعظائم الأمور إذا ما استمرت تغذيتها وانتشرت أكثر فأكثر.

هذه البيئة، أو هذان التوصيف والتصنيف، أو هذا المناخ العام إذا شئت، جعل الدول والجهات والأجهزة المنخرطة في الأزمة السورية منذ بدايتها، لا سيما الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا وفرنسا، وفي مقدمتهم وفيما بينهم ومن خلفهم الكيان الصهيوني العنصري البغيض – ولا نتكلم عن دول وأطراف عربية هي ممول ومأمور وأداة وذو غاية صغيرة إلى حد كبير – أي تلك الدول التي تغذي الأزمة السورية وتستثمر فيها لتحقيق أهداف سياسية واستراتيجية حيوية تتصل بمصالحها واستراتيجياتها في المنطقة، وبـ "إسرائيل وشرق أوسط: كبير وجديد و.. إلخ"، كانت قد أخفقت في تحقيقه على النحو الذي تريد عبر غزوها للعراق وحروبها في لبنان وغزة، وهي تعمل على تحقيقها الآن بأدوات وأموال وثارات ونزعات عربية - عربية، وإسلامية – عربية، وطائفية سنية – شيعية.. إلخ، وهي أهداف معلنة ومعروفة على رأسها المقاومة للاحتلال، ومصالح الكيان الصهيوني وهيمنته.. ولا يمكن أن تتحقق إلا بتدمير الدولة السورية أو إضعافها، وخلق نزاعات داخلية دائمة بين مكوناتها تستقطب دولاً عربية وإسلامية وتستنزفها.

لقد بدأت هذه الدول تنحو منحى سياسياً – استراتيجيا جديداً لتحقيق أهدافها الثابتة، وذلك بناء على تطورات الوضع على الأرض في سورية، بعد أن أخفقت في التدخل المباشر في الشأن السوري بغطاء من مجلس الأمن الدولي، ولم تعد شهيتها قائمة الآن إلى حروب مكلفة.. إنها لم تتوقف أبداً عن صب الزيت على النار، ولا عن التسليح والتحريض بطرق مباشرة وغير مباشرة، ولا عن إغراء السوريين على الخصوص بالاقتتال.. وقد أعطت الضوء الأخضر، كما يقال، لدخول عناصر مرتبطة بالقاعدة إلى سورية وسهلت مهمتها عبر دول مجاورة لسورية، في توجه منها لنصب فخ للطرفين" لتلك العناصر وللجيش العربي السوري"، حيث يصفي كل من الطرفين ما يستطيع تصفيته من عناصر الطرف الآخر ويدمر قوته.. فترتاح هي من " عناصر من القاعدة ومن يرتبط بها"، وتلحق الهزيمة أو الضعف بالجيش العربي السوري وبالنظام، وتدمر ما تدمر من بنى الدولة السورية بأيدي أبنائها و" مناصريهم" وتعيدها وتعيدهم عشرات السنين إلى الوراء، ثم تتركها وتتركهم يلعقون جراحهم إلى مدى يطول، بينما يعزز الكيان الصهيوني احتلاله وتهويده للقدس وفلسطين، ويفرض ما يريد من حلول لقضية العرب المركزية، قضية فلسطين..؟!! وقد أشرت إلى هذا الفخ المنصوب في أكثر من مقال نشرت كلها في المنبر العزيز "جريدة الوطن العمانية"، أذكِّر باثنين منها فقط، واحد بعنوان: "  ليس لنا إلا أن يقبل بعضنا بعضاً" نشر في 25 /6/2011 وآخر بعنوان " الفخ المنصوب" نشر بتاريخ 12/9/2012

الأطراف المعنية بما أسميه الفخ المنصوب، أدركت مدى القوة التي بلغتها " جبهة النصرة" ومن يواليها من التيارات المتطرفة، ومقدار نفوذها على الأطراف المسلحة بصورة عامة، ولم تشأ أن تزود المعارصة السورية المسلحة بالسلاح الغربي الثقيل المتطور حتى لا يقع بأيدي "النصرة وشركائها"، وأغرت تلك الأطراف جميعاً بتدمير مواقع حيوية للجيش العربي السوري، وفي القطاع المدني وشبه العسكري.. مثل المطارات ومعامل الدفاع والقطاع الكهربائي والنفط.. إلخ، وبقيت على خشية من أن لا يتمكن الجيش العربي السوري من القضاء كلياً على تلك العناصر، ومن أن تصل إلى أسلحة نوعية تعزز بها قدراتها لاحقاً لسقوط النظام في سورية.. ولذلك توجهت نحو ما أشرت إلى أنه توجه تكتيكي جديد يحقق أهدافها الثابتة، ويضمن استمرار نزيف الدم في سورية، حتى لو نجح الحل السياسي في جمع أطراف معارضة مع النظام إلى طاولة حوار.

فالولايات المتحدة الأميركية تدرس من جديد تسليح عناصر من "المعارضة المسلحة" بسلاح متطور، هكذا أشير إلى توجه يقره الرئيس أوباما بعد أن رفض خطة كلنتون بانيتا، وهي تفعل هذا في الوقت الذي تمضي فيه في اللعبة السياسية الملغَّمة، وبريطانيا وفرنسا نجحتا في جعل الاتحاد الأوربي " خلال اجتماع وزراء خارجيته الأخير في بروكسل يوم الاثنين 18/2/2013"، يستمر بدعم المعارضة المسلحة وتقديم تسهيلات ومعونات لها، وبأن يقدم لها ما سُمي " أسلحة وتجهيزات لحماية المدنيين"؟! عجباً وكأن المدنيين السوريين يحميهم السلاح الأوربي أو غيره؟!، وأخذت بريطانيا على عاتقها قيادة حملة ضغط على روسيا لوقف تسليح الجيش العربي السوري، بعد أن فشلت في رفع الحظر الأوربي الشامل على تقديم السلاح للجهات المتقاتلة في سورية وذلك لمدة الأشهر الثلاثة القادمة. والهدف المستجد غربياً ـ صهيونياً، والمدعوم عربياً وتركياً "على العُمْياني كما يقولون"، هو جعل أطراف من المعارضة المسلحة تخوض صراعاً دموياً فيما بينها على أسس عقائدية ومذهبية، إسلامية وعلمانية، طائفية ومذهبية وحتى عرقية..إلخ، لتستكمل مخطط التصفية أو لتضمن نتائجه في حال توقف الجيش العربي السوري عن القتال والتزام النظام بوقف إطلاق النار ضمن تفاهم في إطار الحوار، أو ضعف الجيش أمام قوة المعارضة اإسلامية والعناصر افرهابية.. مع تأكيد تلك الأطراف على أهمية وضرورة أن يستمر التقال بين الجيش وأطراف المعارضات المسلحة لتحقيق الهدف الأعلى " تدمير الدولة السورية"، وتغذية الداء الناشئ الجديد وتنميته بصورة خفية جداً، ألا وهو الاقتتال الطائفي " السني – الشيعي" في مناطق من سورية وبين أطراف عدة من السوريين، لتبقى جذوة الفتنة مشتعلة تورث أحقاداً وتؤسس لصراعات دموية دائمة.     

في التوجهين المشار إليهما في أعلاه يكمن خطر كبير على سورية وشعبها، إن لم يفئ السوريون إلى رشدهم، والخطر الغربي في التوجه الثاني لا يقل ضرراً وإضراراً بسورية عن ذاك الذي يستره الغربيون في سياستهم " الملغمة" حيال سورية.. ويبقى أن يدرك السوريون المعنيون بوطنهم والمنتمون إليه ممن لا وطن لهم سواه، ولا مكان يؤويهم غيره، ولا مأمن لهم ولا كرامة خارجه، ولا إصلاح فيه إلا بأيديهم جميعاً وباتفاقهم وتعاونهم على فعل الخير جميعاً.. وأن يفيء بعض العرب ممن يركبون موجة الثأر والكِبر والعنف إلى ما ينير الضمائر ودروب الخلاص، ويبقي على شيء من علاقات الأخوة والانتماء والاحتماء بأمة من كيد أمم أخرى، ويعمل بأحكام عقيدة آمن بها العرب واستظلوا بظلها فأعزتهم وابقتهم.. فليفعلوا ذلك لكي نحقن الدم، ونبطل كيد الغربيين والصهاينة الذي ينحرنا من الوريد إلى الوريد، ولكي نستأصل الطغيان والطغاة بالحكمة والمنطق وقوة الاجماع الشعبي على الحق وفق نهج سلمي صحيح، ونقضي على أسباب الفتنة والظلم والجور وعلى الغوغائية والهمجية والوحشية التي تؤدي إلى الضعف والهلاك.. لكي تبقى سورية قوية بأمتها وقوية من أجل أمتها.. لكن الأساس الذي يُبنى عليه كل أمل ويؤدي إلى نجاح كل فعل هو: أن يأخذ السوريون من كل الأطراف والأطياف المعنية بالأزمة / الكارثة بما يجنبهم التساقط كالفراش في النار التي تحرقهم بدل أن تضيء لهم الطريق إلى الأمن من جوع وخوف، والاستقرار في الديار، وبناء سورية على الوعي والعلم والمحبة كما كانت داراً للأمن والمحبة، والعيش بكرامة في أجمل البلدان وأحقها بالرعاية والعناية.

 

دمشق في 19/2/2013