خبر واحيانا تحدث اختلالات- يديعوت

الساعة 09:35 ص|17 فبراير 2013

واحيانا تحدث اختلالات- يديعوت

بقلم: ايتان هابر

        بعد محيط الكلمات الذي أغرقنا في الاسبوع الماضي في شأن بن زغيير، لا مناص تقريبا من التوصل الى الاستنتاجات التالية:

أ-أن ناس الادارة في اسرائيل هم أغبياء وحمقى. وتتم قراراتهم وأفعالهم عن تقدير "مُعتل".

ب-أن الصحفيين والمحللين على اختلاف ضروبهم عباقرة يشيرون دائما بصورة ذكية وصحيحة الى نقاط الاخفاق والضعف التي لم يفكر فيها ناس الادارة ومنهم ناس في الموساد.

ما يزال يوجد سؤال لا جواب عنه وهو ما الذي يحدث لصحفي حكيم يتحول ليصبح رجل ادارة غبيا، ويعود ليصبح صحفيا ومحللا؟ هذه هي حالتي مع كامل التواضع. بعد التسونامي الاعلامي في الاسبوع الماضي، أريد أن أُنبه عن تجربة مني الى انه يتم التفكير في مرات كثيرة في كل شيء ووراء كل شيء ثم تقع بعد ذلك اختلالات غير متوقعة مثل انتحار عميل الموساد بين جدران السجن.

اليكم مثالين لاختلالات غير متوقعة كهذه: دُعيت إذ كنت مساعدا لوزير الدفاع ذات مرة في منتصف ثمانينيات القرن الماضي الى غرفة اسحق رابين. وكان موجودا هناك رئيس الموساد آنذاك، شبتاي شبيط، الذي تحدث عن عميل مبتديء اسمه فيكتور اوستروفسكي ترك البلاد الى كندا وكتب كتابا عن الموساد. ولم تكن في الكتاب أسرار كبيرة لكن اوستروفسكي كتب كتابا. وسألني رابين: "ما الذي تقترح فعله؟". فأسرعت أقترح عدم الرد والتجاهل وحينها لن يحظى الكتاب بشهرة كبيرة جدا. ورد شبيط على ذلك بقوله: "أنا اترأس منظمة أحد أهم مبادئها هو الصمت. ولا يجوز لنا ان نحطم هذه القاعدة الحديدية".

        والبقية معلومة: فقد حظي الكتاب بصدى واسع، ويرتجف اوستروفسكي كل يوم من يد الموساد الطويلة، ولم يحطم الموساد أول قيمه وناسه صامتون على نحو عام. وكان شبيط على حق في المنظار التاريخي.

        واليكم قصة ثانية: في تلك السنوات تقريبا عرض مردخاي فعنونو ان يبيع لصحيفة بريطانية أسرار المفاعل الذري في ديمونة. وعلمنا بنية نشر القصة في العدد الذي سيصدر مع خروج السبت. واقترحت على رئيس الوزراء بيرس وعلى وزير الدفاع رابين ان يجمعا في ذلك اليوم نفسه محرري الصحف ويُحدثاهم عن المتوقع. وجاء يحيئيل حوريف من وزارة الدفاع باقتراح مشابه. وكان الذي حدث ان طلب بيرس الى محرري الصحف ان يقتبسوا فقط التفصيلات التي ستظهر في الصحيفة البريطانية ووعد بـ "تحديثات".

        وفي ذلك اليوم، قبل النشر في لندن بيوم، لم يعلم أحد في اسرائيل حتى ولا في الموساد بأن البريطانيين شكوا في صدق فعنونو واستقرت آراؤهم على رفض النشر. لكن بعد انتهاء اللقاء مع محرري الصحف هاتف محرر صحيفة "هآرتس" غرشوم شوكين مراسله في لندن، وحدّثه عن اللقاء مع رئيس الوزراء وبيّن له كيف يتصرف في نقل المواد في الغد. وهاتف المراسل النشيط أسرة تحرير الصحيفة البريطانية ليسأل اسئلة ففتح البريطانيون أعينهم في دهشة قائلين اذا كان رئيس الوزراء قد فعل ما فعل فتلك علامة على أنه توجد أمور خفية وعلى أن قصة فعنونو صادقة فنشروا، ومن هنا تصبح الامور معلومة ايضا.

        ما الذي أريد ان أقوله من هاتين القصتين: إننا جميعا بشر وتوجد اختلالات لا يمكن توقعها مسبقا. وقد حدث هذا ويحدث وسيحدث.

        في الحكومة، وفي الموساد على التأكيد، يعمل آلاف الناس الذين يقررون قرارات مهمة كل يوم. ومن ناحية السياسة توجد مرات يكون من المهم فيها الحفاظ على المبدأ بحيث يتقهقر الواقع عنه. وقد أحسن صوغ هذا بلغة انتقادية، شبتاي شبيط أول أمس حينما اجتمع في واحدة من المقابر في الشارون أبناء عائلة ومحاربو موساد قدماء لتأبين م. وهو من أفضل ناس المنظمة، بعد شهرين من وفاته.

        وهذا ما قاله من كان قائده في "قيصارية": "إن هذا العمل يُنكر جميله وأنا أذكر هذا وبين أيدينا المهرجان الاعلامي للايام الاخيرة. حينما تكون الامور كلها على ما يرام لا يعرفون من أنت، ولا يعرفون ما الذي تفعله، ولا يجوز ل كان تتكلم ولا يجوز لآخرين ان يتكلموا عنك. وحينما يمنحونك وساما ايضا يستعيدونه بعد المراسم فورا. لكن حينما يقع خلل يغمر "الاطراء" الاسرائيلي كل القبح بيننا. ويصبح كل اولئك المستعدين للعدوان على كل محظور من اجل السبق الصحفي وزيادة نسب المشاهدة، يصبحون فرسان "حق الجمهور في المعرفة" ويصبحون الممثلين وحدهم للشعور الانساني العام.

        "إن قصة م. تنتسب الى روح النجاحات التي يحرزونها بالحفاظ على السرية، ولا يقل عن ذلك دور اجراءات تشخيص دقيقة، وفترة اعداد طويلة متعبة، وتربية تخصصية، وتخطيط دقيق لكل عملية، وموازنة صحيحة بين المخاطرة والانجاز المطلوب وتمسك بنظرية التحقيق بعد كل عملية من اجل التحسن على الدوام. إن م. حطم الارقام القياسية لفترات الخدمة وهو ما يشهد على صعوبة التخلي عن الحِرفية المطلوبة. يمكن الحديث عنه لكن لا يجوز كما قلنا من قبل... ستكون اعماله منقوشة في الجدار الشرقي لدولة اسرائيل".

        ونُهدي هذه السطور لـ م. ولأمثاله ولمن سبقوه ولمن سيأتون بعده ايضا.