خبر من غير اتصالات ومن غير نقاش عام:- هآرتس

الساعة 09:51 ص|13 فبراير 2013

من غير اتصالات ومن غير نقاش عام:- هآرتس

رؤيا رئيس الموساد للديمقراطية

بقلم: ألوف بن

        (المضمون: يحاول الموساد اعادة الاسرائيليين الى القرن الماضي الى عصر لم يكن فيه انترنت ووسائل اتصال اخرى باستعماله الرقابة والتكتم الشديدين - المصدر).

        تخيلت أمس أنني ألتقي مع رئيس الموساد، تمير بردو، وأقنعه بأن يهجر بضعة ايام اعمال الشو – شو والنقاشات التي يلفها دخان السجائر والويسكي، وان يتصل بالشبكة الاجتماعية والتويتر وانستغرام، لمجرد ان يعلم كيف يتم الاتصال في أيامنا بين الناس العاديين الذين يعيشون حياتهم دون تحقيقات أمنية وهواتف مُشفرة وتحقيقات جهاز كشف الكذب. ربما كان يتبين له انه يوجد من خارج جدران مكتبه المحروسة عالم كامل بلا حدود وعوائق يتبادل فيه الناس المعلومات والآراء بل الصور بحرية.

        لكنني تذكرت آنذاك ان فردو ما زال يحيا في القرن الماضي الذي كانت فيه المعلومات تُحفظ في خزائن السلطة اذا شاءت أشركت المقربين منه فيها واذا شاءت أخفتها. وتذكرت ايضا أن رئيس الموساد ليس وحده وانه يعمل حوله جهاز بيروقراطي ضخم يحاول أن يوقف الزمان وأن يسجن المعلومات مؤلف من العاملين في الرقابة وضباط الأمن والمستشارين القانونيين والمدعين العامين، وقضاة يَرهَبون رؤية أوراق مع الشعار المهدد "شديد السرية". وهي مجموعة يصعب عليها ان تواجه فكرة اتصال حر في دولة ديمقراطية وتحاول ان تُجند الصحفيين ليعملوا من اجلها، مؤلفة بين الاغراء بالاشراك في السر والتهديد بالاعتقال.

        إن الاعلام الاسرائيلي عند فردو ورفاقه في "الجهاز" هو ذراع للسلطة لكنه في مكانة أدنى من الموساد و"الشباك" والجيش الاسرائيلي، لكنه ما يزال جزءا غير مستقل من البلاط. وهذا هو سبب الاعتماد الداحض على "مصادر اجنبية" لتكون أساسا لتقديم التقارير عن عمليات عسكرية وأعطال استخبارية ومحاكمات سرية. وقد بيّنت أجيال من العاملين في الرقابة للصحفيين ان ما يُنشر في اسرائيل يُرى في العالم تصديقا رسميا وليست كذلك الأنباء الاجنبية المنشورة لأن الصحفيين الاسرائيليين يتمتعون بالوصول الى المستوى السياسي والجهاز الامني. وهم يرون ان العدو يعلم جيدا ان الجيش الاسرائيلي عمل في ارضه وفجر واغتال، لكن اذا نشر ذلك في القناة 2 أو في صحيفة "هآرتس" فسيشعر العدو بالاذلال ويسرع في الرد. أما اذا نشر في "نيويورك تايمز" أو في شبكة تلفاز اجنبية فستُحفظ كرامته وكأن شيئا لم يقع.

        ليست كرامة العدو الايراني أو السوري أو السوداني بالطبع هي التي تقلق جهاز الامن ومجموعة الاستخبارات بل كرامة قادتهما ايضا. لأنه في اللحظة التي لا يوجد فيها نشر بل توجد "مصادر اجنبية" فقط فلن يوجد هنا نقاش عام، وحينما لا يوجد نقاش عام فلا توجد مطالب تحقيق في اخفاقات وعزل قادة. ويُكتب في الأكثر تقرير داخلي يُدفن في درج سري ويُنسى. وحينما لا توجد اسئلة يمكن الطمس على اختلالات والظهور عند الجمهور بمظهر الأبطال القادرين على كل شيء الذين يستحقون مخصصات جمة ودعما سياسيا.

        يكون الاخفاق احيانا شديدا جدا وتكون الذرائع واهية جدا بحيث لا يكفي القناع الراتب لـ "المصادر الاجنبية"، ويُحتاج الى التحول الى وسائل أكثر شدة: أوامر حظر نشر شاملة، وانكار معلومات تظهر في كل مكان في الخارج. وتكون النتيجة سخيفة وبدل الغض من القصة تجذب اليها قدرا أكبر من الانتباه والاهتمام. لكن فردو والرفاق يؤمنون بأنهم اذا ضغطوا ضغطا أقوى شيئا ما فان الباب سيبقى مغلقا. وفي اثناء ذلك يتشارك الجميع في الشبكة الاجتماعية وفي انستغرام والتويتر في المعلومات ويتبادلونها ويعبرون عن آراء ويسخرون من "شبابنا الممتازين" ويتجاهلون تماما الجهود الانفعالية لاعادتنا الى عالم من غير انترنت ومن غير "ويكيليكس" ومن غير متصفحين لا يحسبون لأحد حسابا.

        لكن الامر غير فظيع لأنه يوجد مسار تصحيح: فبعد بضع سنين حينما يُنهي فردو عمله سيجلس في كرسي الاعتراف في "حُماة الحمى 2"، ويستطيع الندم على الخطيئة وان يقول انه في دولة ديمقراطية كاسرائيل من المهم الحفاظ على حرية التعبير وحرية النشر وحرية المعلومات بقدر لا يقل عن جلال أذرع الأمن وكرامتها