خبر قصة العرافة التى حذرت مبارك

الساعة 10:01 ص|11 فبراير 2013

وكالات

الجمعة 11 فبراير 2011 كان نائب الرئيس عمر سليمان يعلن تنحى مبارك عن منصبه وأنه فوض المجلس الأعلى للقوات المسلحة بإدارة شؤون البلاد. وجاء بيان عمر سليمان المقتضب بعد 13 يوماً من الانتظار، و18 يوماً من المظاهرات بدأت بيوم 25 يناير التى بدأت وتم فضها فى صباح 26 يناير.

كان مبارك قد قطع ثلاثين عاماً إلا قليلاً فى رئاسة مصر، منذ يوم الأربعاء 14 أكتوبر 1981، عندما تم الإعلان عن نتائج الاستفتاء الشعبى الذى خرج بنتيجة تأييد 98.46% لاختيار محمد حسنى مبارك رئيساً للجمهورية.. وقف مبارك وإلى يمينه الرئيس السودانى جعفر نميرى، وإلى يساره الدكتور صوفى أبوطالب رئيس مجلس الشعب.. وتلا اليمين الدستورية لتبدأ فترته الرئاسية الأولى، وبدأ عهد مبارك الذى لم يكن يتوقع أحد أن يستمر 30 عاماً وينتهى نهاية دراماتيكية نادرة.

وبين هذين اليومين امتدت فترة حكم حسنى مبارك لمصر، وشهدت تحولات كثيرة فى العالم والشرق الأوسط ومصر، وظل المشهد يبدو ساكناً على السطح بينما الأحداث تتفاعل. وبدا نظام مبارك كأنه نجا من الهزات والزلازل، لم ينتبه إلى أنه يعانى من تآكلات داخلية، وتشققات أسفرت فى النهاية عن سقوط سريع ومدو، ليس لنظام مبارك وحده، لكن لنظام حكم ظل طوال ما يقرب من الستين عاماً يبدو متماسكاً عصياً على التغيير.

اليوم يمر عامان على تنحى مبارك، وما تزال العديد من الألغاز مستمرة، سواء فى تولى مبارك للحكم، أو فى السقوط السريع والمدوى لنظامه. هناك لغز يتعلق برفض مبارك تعيين نائب له طوال 30 عاماً، حتى قبل سقوطه بعشرة أيام، وعلاقة ذلك بنصيحة قال مقربون منه إن عرافة قدمتها له بعد توليه الحكم.

ومن المفارقات أن عمر سليمان أول نائب لمبارك يختاره بعد 30 عاما، استمر نائباً لمدة 12 يوماً فقط بالرغم من أن اسمه كنائب أو خليفة ظل مطروحاً لما يتجاوز 15 عاماً.. كان سليمان قادما من عالم المعلومات عندما كانت تحت احتكار السلطة، ترأس جهاز المخابرات العامة، خلال أخطر سنوات حكم مبارك، وكان أحد عناصر استمرار نظام مبارك وصموده فى مواجهة التحولات الكبرى. وعرف بأنه «الصندوق الأسود لمبارك».. والمثير أن مبارك ظل يقاوم تعيين أى نائب له بحجة أنه لا يجد الرجل المناسب، وهو الذى تولى رئاسة مصر بمصادفة بعد اغتيال الرئيس السابق أنور السادات. قاوم مبارك اختيار نائب له طوال فترة حكمه، وهو أحد الألغاز التى ظلت بلا تفسير منطقى، وارتبطت أحيانا بتفسيرات ميتافيزيقية، تقارب عالم العرافة وألغاز قراءة الطالع.

نقلت مصادر غير رسمية عن مقربين لمبارك أنه كان يرفض تعيين نائب، تنفيذاً لنصيحة إحدى العرافات، والتى قيل إن مبارك كان يلجأ إليها، وإنها حذرته من تعيين نائب له وقالت إنه سوف يفقد سلطانه بعد عشرة أيام فقط من تعيين نائب، لم تتوفر الكثير من المعلومات عن تلك العرافة المجهولة، البعض قال إنها تنتمى لإحدى مدن الدلتا، والبعض الآخر قال إنها من الصعيد، لكن مبارك تنحى بالفعل بعد 12 يوما من اختيار عمر سليمان نائباً له.

وكانت تلك القصة عن العرافة متداولة فى الدوائر الضيقة حول مبارك، وهى قصة يمكن أن تقدم تفسيراً لرفض مبارك تعيين نائب بالرغم من أنه تعرض لخمس محاولات اغتيال على الأقل، كانت أخطرها تلك التى جرت فى أديس أبابا، ويومها ارتفعت مطالب بتعيين نائب تجاهلها مبارك.

وقد كان الرئيس السادات ذكر من ضمن أسبابه لاختيار حسنى مبارك نائبا له: «فى شهر فبراير 1975 شاهدت على شاشات التليفزيون اغتيال واحد من أعز أصدقائى وهو الملك فيصل ملك السعودية وأدركت أننى لابد أن أعين نائباً لى فى حالة ما إذا قرر القدر أن يختار لى نفس مصير الملك فيصل، ولم أجد أفضل من حسنى مبارك الذى عرفته كعسكرى مطيع، علاوة على أنه كان معروفاً للأمريكان وللبلاد العربية وقررت تعيينه نائباً لى». المثير أن الرئيس أنور السادات عندما استشعر خطر أن يتعرض للاغتيال سارع باختيار مبارك نائبا له، حتى يضمن استقرار نظام الحكم، بينما مبارك بالرغم من أنه شاهد رحيل زملائه الحكام العرب، أو اغتيالهم كما تعرض هو شخصياً لمحاولات اغتيال متعددة، فإنه لم يجد فى كل هذا دافعاً لاختيار نائب، أو تغيير نظام الحكم بالشكل الذى يضمن استقرار النظام وسهولة انتقال السلطة. وظل حتى آخر لحظة يتمسك بكرسى الحكم، مهما كان الثمن.

قد يرتاح أنصار التفسيرات الميتافيزيقية لقصة العرافة، خاصة أن تولى حكم حسنى مبارك للسلطة، أحاطته دائماً حالة غموض، حتى اللحظات الأخيرة له فى الحكم، لكن الحقيقة أن نظام مبارك كان قد انهار تماماً قبل اختيار عمر سليمان نائباً، وأصابته الشروخ قبلها بأعوام، ولو كانت العرافة صادقة ربما نبهته إلى أن يجدد نظام حكمه، لكن العرافات يمكنهن توقع ما يجرى من دون القدرة على تغييره. وذكر بعض المصادر أنه بالرغم من أن مبارك لم يكن يميل للتفسيرات الماورائية، لكن حكاية العرافة ذكرت بين عدد من المقربين لمبارك، وقال البعض إن بعض رجال الإعلام والصحافة الذين استمروا سنوات كان استمرارهم بسبب فكرة التفاؤل والتشاؤم التى كانت تحكم مبارك فى كثير من الأحيان، وأنهم كانوا يلجئون للعرافة حتى تدعى أن وجود مبارك مرهون باستمرارهم فى مناصبهم.

 

ومن الألغاز التى أحاطت بمبارك كانت حادثة اغتيال الرئيس أنور السادات، وهناك مناطق غامضة حتى الآن عن الجهة التى كانت تقف وراء الاغتيال، وهل هناك أصابع أمريكية أو داخلية وراء الاغتيال. لم يستطع أحد أن يثبت وجود أى علاقة لمبارك أو أى مسؤول داخلى باغتيال السادات يوم الثلاثاء 6 أكتوبر 1981 عندما كانت مصر تعوم على بحيرة من التوتر والبارود، بعد شهر على اعتقالات سبتمبر، التى شملت حوالى 3 آلاف من جميع التيارات والاتجاهات. يوم 5 أكتوبر أدلى الرئيس أنور السادات بحديث لمراسل مجلة دير شبيجل الألمانية قال فيه: «أكبر آمالى أن أتخلى عن الحكم وأكتفى برئاسة الحزب وأترك الحكم لمن هو أكثر شباباً وحيوية.. وحسنى مبارك يعرف أفكارى تماماً.. وهو قادر على أن يعبر عن وجهة نظرى.. وقد تمرس فى السياسة والحكم...».

 

أثناء العرض العسكرى تحدث السادات مع مبارك على يمينه وأبو زالة على يساره.. عن تنظيم احتفالات ضخمة فى 25 إبريل 1982 اليوم المقرر لاستعادة سيناء.. لكن بعد لحظات أثناء عرض للطيران تحولت المنصة إلى مرمى لنيران خالد الإسلامبولى وزملائه من تنظيم الجهاد، سقط الرئيس السادات مضرجاً فى دمائه.

القصة الأخرى التى تتعلق بمبارك وتوليه الرئاسة هى علاقة مبارك بالمشير محمد عبدالحليم أبوغزالة وزير الدفاع.. رحيل السادات ترك منصبين شاغرين رئاسة الجمهورية ورئاسة الوزراء لأنه السادات كان يتولى المنصبين وقتها، تولى صوفى أبوطالب منصب الرئيس، وقال: «استطعت بالتعاون مع الجميع وبينهم القيادات ونائب الرئيس حسنى مبارك أن نعقد اجتماعاً سريعاً ونقر مسألتين، الأولى كيفية انتقال السلطة سريعاً للرئيس مبارك، والثانية فرض حالة الطوارئ فى البلاد، صوفى أبوطالب هو الذى أصدر قرار فرض حالة الطوارئ، لمدة عام».

لم يكن هناك من ينافس مبارك الذى كان نائباً للسادات طوال 6 سنوات، غير الفريق محمد عبدالحليم أبوغزالة وزير الدفاع الذى تولى قبل عام واحد بعد مصرع الفريق أحمد بدوى وزير الدفاع فى حادث غامض ومعه عدد من كبار قيادات الجيش، جاء أبوغزالة وزيرا للدفاع بترشيح من النائب حسنى مبارك، وقد كانت العلاقة بين أبوغزالة ومبارك ممتدة من سنوات بعيدة وتوطدت عندما كان أبوغزالة ملحقاً عسكرياً فى الولايات المتحدة الأمريكية.

فى حادث المنصة 6 أكتوبر 1981 كان المشير أبوغزالة وزيراً للدفاع يجلس على يسار السادات، وتبادل معه – فى الدقائق التى سبقت الاغتيال- التعليقات حول شحنات الأسلحة الأمريكية الجديدة ومواعيد وصولها، وعن احتفالات الانسحاب الإسرائيلى المرتقب من سيناء فى 25 إبريل 1982، والترقيات الاستثنائية لبعض كبار الضباط فى ذكرى النصر. وفى لحظة الاغتيال رأى الرشاش فى يد الملازم أول خالد الإسلامبولى، الذى أشاح لأبوغزالة بيده، قائلاً: «ابعد»، قبل أن يمطر هو وزملاؤه المنصة بالرصاص الذى قتل السادات وعددا من الحضور، وأصاب 28 شخصية أخرى بينهم أبوغزالة الذى كانت إصابته سطحية، على عكس «الكاب» العسكرى الخاص به، والذى كان أمامه وطالته شظايا رصاصات تناثرت نتيجة ارتطامها بسور المنصة.

بعد اغتيال السادات، تزعم الدكتور فؤاد محيى الدين نائب رئيس الوزراء حملة لتنصيب مبارك، كانت وجهة نظر رئيس مجلس الشعب د. صوفى أبوطالب - الذى تولى بموجب الدستور رئاسة الجمهورية مؤقتاً - وبعض الأطراف الأخرى المؤثرة فى السلطة هو المفاضلة بين النائب حسنى مبارك وأبوغزالة، ورأى البعض أن ذلك أمر يخص المؤسسة العسكرية التى عليها أن تختار.

لكن الدكتور فؤاد محيى الدين كان أكثر ميلا لحسنى مبارك، ولجأ إلى حيلة حيث تحدث مع أبوغزالة أمام الذين يعرف أنهم يميلون إلى ترشيحه، وقال له: «يا أفندم لا يوجد الآن غيرك أنت والأخ مبارك» ليجيب أبوغزالة - بدافع الإحراج على ما يبدو، قائلاً: «الأخ مبارك».

وهى رواية من روايات عديدة نقلتها مصادر مختلفة، لكن المؤكد أن مبارك وأبوغزالة كانا قريبين من بعضهما تخرجا فى دفعة واحدة، عام 1949، ودرسا معاً فى الاتحاد السوفيتى لكن أبوغزالة كانت اهتماماته بالسياسة أكثر من مبارك الذى تحاشى السياسة كلما استطاع.

فقد انضم أبوغزالة إلى الضباط الأحرار، بينما لم يرد اسم مبارك فى التنظيم، لكن المعروف أن توليه وزارة الدفاع بعد مصرع الفريق أحمد بدوى كان بدعم من مبارك نفسه الذى ارتبط معه بعلاقة، وأعمال مختلفة خاصة فيما يخص العلاقة مع المعونة الأمريكية، وأيضاً الحرب فى أفغانستان. وتذكر بعض المصادر أن مبارك تولى ملف أفغانستان ومساعدة المجاهدين والإشراف على سفر المتطوعين، وكانت الولايات المتحدة تريد العمل مع أجهزة الاستخبارات فى مصر والسعودية وباكستان وغيرها، وكان أبوغزالة يدير الملف الأمريكى بصفته كان ملحقاً عسكرياً، وتذكر بعض المصادر أن أبوغزالة ومبارك حققا مكاسب من ملف أفغانستان وكان هذا أحد أسباب التوتر بين السادات ومبارك قبل اغتيال الأول.

استمر أبوغزالة وزيراً للدفاع، وصعد نجمه كثيراً وحقق جماهيرية وشعبية وأيضاً داخل الجيش بما قدمه من دعم للضباط ورفع رواتبهم ومكاسبهم المعنوية والمادية. وأيضاً ظهر دور الجيش فى الحياة المدنية من خلال جهاز الخدمة الوطنية وإقامة الكبارى والتليفونات وصعد أكثر بعد أحداث الأمن المركزى التى جرت فى فبراير 1986، حيث سيطر على الأحداث. وظل أبوغزالة يظهر كبديل أو خليفة لمبارك حتى خرج فجأة فى عام 1989، اعتبر الكثيرين القرار وقتها مفاجئاً وفسره البعض على أن الغرض منه التخلص منه لتزايد شعبيته فى الجيش وتخوف مبارك من أن يقوم بانقلاب عسكرى ضده، لكن المراقبين الغربيين يرون أن سبب إقالته هو تهريب أجزاء تستخدم فى صناعة الصواريخ من الولايات المتحدة الأمريكية (مخالفاً بذلك قوانين حظر التصدير) ومحاولات المسؤولين للحصول عن البرنامج على تكنولوجيا الصواريخ الأمريكية بطريقة غير شرعية وعن صلة ما لأبوغزالة بهذا الملف. إذ كشفت تقارير صحفية صدرت عام 1987 أغضبت الدول الغربية عن برنامج لتطوير صواريخ طويلة المدى بين الأرجنتين والعراق ومصر باسم كوندور - 2. خلفه فى وزارة الدفاع الفريق أول صبرى أبوطالب كمرحلة انتقالية حتى تم تعيين المشير طنطاوى. وتزامن خروجه مع تفجر واقعة «لوسى أرتين» التى أطاحت بعدد كبير من المسؤولين فى الداخلية والرئاسة ومنهم المشير أبوغزالة والرجلان الثانى والثالث فى وزارة الداخلية وثلاثة قضاة سهلوا لها التلاعب منهم قاضٍ شهير قبض عليه فى حالة تلبس.

 

فى ظهر يوم 26 يونيو 1995 جرت أكبر وأخطر محاولات اغتيال مبارك وكانت تهدف إما إلى اختطاف مبارك أو اغتياله فى إثيوبيا والتى أثارت قلق التيارات والأحزاب السياسية التى أبدت قلقها من غياب أى تخطيط للمستقبل بعد مبارك فى حالة نجاح عملية الاغتيال. الاغتيال فتح باب الأسئلة عن المستقبل والرجل الثانى أو النائب الذى يجب أن يختاره مبارك. لكن الحزب الوطنى وطاقم النظام حول مبارك حول النجاة إلى أمر قدرى وبدأ حملة مبايعة مبكرة لمبارك. كان وجود عمر سليمان نفسه لغزاً، حتى تم اختياره نائباً، يوم 29 يناير، وأثناء توجهه لتصفية أوراقه من المخابرات تعرض محاولة اغتيال فى منطقة منشية البكرى يوم 29 يناير، عقب حلفه اليمين الدستورية نائباً لمبارك مباشرة، حيث إن موكب عمر سليمان، الذى كان يمر فى شارع الخليفة المأمون فى اتجاه روكسى، كان يضم 3 سيارات، وإن السيارة الأولى تعرضت لإطلاق نار كثيف من مجموعة كانت تستقل سيارة إسعاف، وإن الحادث أسفر عن مصرع اثنين أحدهما حارس سليمان الشخصى، الذى قتل فى الحال، بينما تعرض السائق لإصابة بالغة نقل على أثرها إلى المستشفى.

 

وتردد أن جميع المعتدين على موكب سليمان قُتلوا فى الحال، وفى موقع الحادث، وكان جهاد الخازن نقل عن مصدر استخبارى أن جمال مبارك كان وراء محاولة الاغتيال، بينما أشارت مصادر أخرى أن وراءها قطاعا من النظام لم يكن يرغب فى أن تقع السلطة فى حجر سليمان، ولهذا لم يفوض مبارك عمر سليمان، وإنما المجلس العسكرى، تنحى مبارك وترك اللغز مفتوحا بلا إجابة، تماماً مثلما بقيت موقعة الجمل أحد أخطر الألغاز التى بلا حل فى ذكرى الثانية لتنحى مبارك، فقد رحل سليمان ومعه تفاصيل ربما تظهر يوماً ما.