خبر عن أول انتخابات للمجلس الوطني الفلسطيني ..عريب الرنتاوي

الساعة 12:40 م|10 فبراير 2013

ينطوي الحديث عن إجراء انتخابات للمجلس الوطني الفلسطيني، على استعجال و”استسهال”، لا يمكن فهمهما في الحالة الفلسطينية..فالانتخابات لكي تكون عادلة ونزيهة و”تمثيلية” يجب أن تضمن لكل صاحب حق في الاقتراع والترشيح، حقه في المشاركة في العملية الانتخابية، وهؤلاء منتشرون على مساحة الشتات الفلسطيني، وليس هناك أي جهة – على حد علمنا – لديها خريطة دقيقة ومُحدثة لـ”الانتشار الفلسطيني”..وحيثما تحل وترتحل، تستمتع لأرقام وتقديرات حول أعداد الفلسطينيين، وأماكن انتشارهم، تتفاوت وتتباين، بما يكفي للطعن في “شرعية” أي عملية انتخابية.

في الضفة الغربية وقطاع غزة، ثمة كشوف للناخبين المسجلين، كل ما تحتاجه هو التحديث بالشطب والإضافة..ولدى الفلسطينيين مفوضية مستقلة، مشهود بكفاءتها..ولن تحتاح سوى لأشهر معدودات حتى تصبح جاهزة لإدارة الاستحقاق الانتخابي والإشراف على تنفيذه.

لكن الشتات الفلسطيني، حكاية أخرى..ثمة ما يتراوح ما بين 400 – 600 ألف فلسطيني في السعودية وحدها..أين يسكن هؤلاء، وكيف يتوزعون، ومن منهم يمتلك الأهلية القانونية للترشح والاقتراع..وثمة عشرات من الأولوف في دول الخليج الأخرى، ينطبق عليه الشيء ذاته..وفي أوروبا والأمريكتين، ثمة انتشار فلسطيني يغطي مدن القارات الثلاث الرئيسة..كيف يمكن الوصول إلى هؤلاء، وإعلامهم بالعملية الانتخابية وضمان حقهم بالمشاركة فيها، كيف يمكن ضبط كشوف المسجلين، ومن سيقوم بالعملية، وما هو دور “المفوضية” و”السفارات” و”الهياكل المدنية والفصائلية” العاملة في أوساطهم، ومن هي وسائل الاعلام الأكثر انتشاراً في كل بلد من بلاد المنفى والشتات لمخاطبتهم عبرها.

في معظم دول الشتات، ثمة سفارات ومكاتب ومؤسسات فلسطينية، تأخذ شكل “الجاليات” الموزعة على الفصائل، أو الأندية والجمعيات والروابط القريبة أو البعيدة منها..لكن نشطاء الاغتراب الفلسطيني المنضوين في هذه الأطر، لا يزيدون كثيراً عن خمسة بالمائة من التعداد العام للجاليات الفلسطينية، وفي أحسن الأحوال عشرة بالمائة، وغالبيتتهم مسيسة، أي بمعنى “مُحزبة”..ماذا عن الكثرة الكاثرة البعيدة عن الفصائل، والتي تعيش حال اغتراب عن العمل الوطني الفلسطيني، كيف سيتم الوصول إلى هؤلاء، وحثهم على المشاركة، وضمان تسجيلهم، ومن سيقوم بالمهمة، وبإشراف من أية جهة؟

أسئلة لا يُراد بها تعقيد العملية الانتخابية المقررة..ولكن لفت النظر إلى ضرورة توفير متطلبات إجراء انتخابات منسجمة مع المعايير الدولية، وغير مطعون بجديتها وشرعيتها..لأن الخشية تساورنا من أن يُصار إلى إجرائها بمن حضر، ومن حضر هنا هم جمهور النشطاء من الفصائل واصدقائهم، وبما يقل عن عشرة بالمائة من أبناء الشعب الفلسطيني اللاجئ والمهاجر إلى هذه الدول والمجتمعات..فنكون عملياً قد أعدنا تدوير نظام المحاصصة والكوتا الفصائلية، وأجرينا انتخابات شكلية، لا تقدم ولا تؤخر.

يجب حصر المجتمع الفلسطيني المنتشر أولا، وإعداد جداول بأصحاب الحق بالاقتراع ثانياً، وإجراء عملية تسجيل شاملة وشفافة ثالثاً، وترك الباب لمرحلة الدعاية الانتخابية رابعاً، ومن ثم إجراء الانتخابات في توقيت متزامن (تقريبا)، تنتهي إلى تشكيل مجلس وطني ومنظمة تحرير جديدة.

لا مشكلة لدى معظم الدول الغربية والعربية واللاتينية (باستثناء سوريا إن ظل الحال على حاله) في إجراء الانتخابات، إذا ما بذلت جهوداً جدية لإقناع حكومات الدول المضيفة بتسهيل إجراء هذه العملية...لا مشكلة في لبنان تعترض طريق تمكين اللاجئين الفلسطينيين من ممارسة حقهم في اختيار ممثليهم إلى المجلس الوطني، وقد أدلت مختلف القوى اللبنانية بمواقف إيجابية في ندوة نظمها مركز القدس العام الفائت في بيروت لهذا الغرض..وفي الأردن، ثمة فلسطينيين (من دون حملة الجنسية والمواطنة الأردنية)، لا يمارسون حقوقهم السياسية في أي مكان، هؤلاء يجب أن تشملهم العملية الانتخابية، أقله أبناء غزة منهم..وبقليل من التفكير والتدبير والتشاور والتعاون، يمكن فعل ذلك، وبما يخدم المصلحة الأردنية والفلسطينية على حد سواء.

وأحسب أن مثقفي المجتمع الفلسطيني ونشطاء مجتمعه المدني في الداخل والخارج، مُطالبون برفع الصوت عالياً من أجل إجراء الانتخابات وفقاً للمعايير الدولية..ومطالبة قياداتهم بتقديم “كشف حساب تفصيلي” بالإجراءات التي اتخذتها من أجل تسهيل إجراء الانتخابات حيثما أمكن، على ألا تكون هذه العبارة “حيثما أمكن”، ذريعة لإسقاط تجمعات وجاليات وأعداد كبيرة من أصحاب الحق في المشاركة، من الحساب، وبحجة الشتات ومصاعبه وقيود الدول المضيفة.

نعرف أن تحقيق مائة بالمائة من النتائج يبدو أمراً متعذراً في الحالة الفلسطينية..لكن ذلك لن يغني أبداً عن بذل مائة بالمائة من الجهود من أجل تعميم حق المشاركة وإجراء انتخابات شاملة، حتى وإن استغرق الأمر، الوقت الذي يستحقه.