خبر مرحلة جديدة في الصراع على سورية .. باتريك سيل

الساعة 12:56 م|09 فبراير 2013

فيما تستمرّ إراقة الدماء في سورية على نطاق واسع، يبدو الوضع في هذا البلد وفي محيطه أبعد ما يكون عن الجمود. وقد ينفع التطلّع إلى ثلاثة تطوّرات أساسية، بالنظر إلى كونها تغيّر طبيعة الصراع.

أولاً، تشعر الولايات المتحدة ودول الغرب الحليفة لها بقلق متزايد حيال بروز مجموعات متمردة مدعومة من تنظيم «القاعدة» في سورية، مثل جماعة «جبهة النصرة» التي فاقت خصومها كافة ببسالتها في القتال على أرض المعركة. وقد أدرجتها واشنطن على قائمة المجموعات الإرهابية الأجنبية.

فضلاً عن ذلك، بدأ عدد كبير من الأشخاص يتساءل عن هدف الولايات المتحدة وحلفائها من شن حرب ضد تنظيم «القاعدة» في أنحاء العالم ــــ في أفغانستان، وباكستان، واليمن، والصومال، ومؤخراً في مالي ـــــ بينما يحظى بحرّية تامّة في سورية، الأمر الذي يضمن لـ «القاعدة» بلا شك دوراً أساسياً في أي حكومة قد تنشأ عقب سقوط الأسد. ويتسبب هاجس بروز نظام على نمط حركة «طالبان» على أبواب أوروبا بقلق كبير ويفسّر التردّد الكبير لدى الدول الغربية في تسليح الثوّار.

ومن المفترض أن تنتهي في الأول من آذار (مارس) صلاحية الحظر الذي يفرضه حالياً الاتحاد الأوروبي على إرسال الأسلحة إلى سورية. فهل سيتمّ تجديده أم يُسمَح بتدفق الأسلحة إلى هذا البلد؟ عبّر كلّ من وزيري الخارجية البريطاني والفرنسي وليام هيغ ولوران فابيوس عن تأييدهما الشديد لتسليح الثوّار. لكن، من المرجح أن يواجها معارضة شرسة خلال الاجتماع المقبل الذي سيعقده وزراء خارجية دول الاتحاد الأوروبي في مدينة بروكسيل في 18 شباط (فبراير) المقبل. ويبدو الغرب اليوم أكثر حذراً في تعامله مع الأزمة السورية.

وثمّة تطوّر مهمّ ثانٍ، يتمثّل بالانقسام المتزايد في صفوف المدنيين ضمن المعارضة السورية، التي كانت كياناً متصدّعاً في أفضل أوقاتها. ولطالما رفض «المجلس الوطني السوري» الواقع مقره في تركيا، الذي تهيمن عليه جماعة «الإخوان المسلمين»، إجراء مفاوضات مع النظام السوري ما دام بشار الأسد باقياً في السلطة، مع العلم بأن هدفه الأساسي هو الإطاحة بالرئيس. ولكن تبيّن أنّ «المجلس الوطني» هيئة غير فاعلة تضم منفيين يتشاجرون مع بعضهم البعض ويعجزون عن السيطرة تماماً على المحاربين في الميدان. ومن أجل معالجة الوضع، دعمت قطر والولايات المتحدّة إنشاء هيئة معارضة جديدة في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي ـــــ تحمل اسم «الائتلاف الوطني السوري» ــــــ برئاسة الإسلامي المعتدل ظاهرياً معاذ الخطيب الذي كان إمام المسجد الأموي الكبير في دمشق. وتمّ ضمّ «المجلس الوطني» القديم إلى الائتلاف الجديد ليكون بمثابة شريك أصغر حجماً له.

إلا أنّ أداء ائتلاف الخطيب الجديد لم يكن أفضل من سلفه. ففشلت عناصره في التماسك بما فيه الكفاية لإنشاء «حكومة» معارضة تحظى بمصداقية وتحصل على دعم مالي وسياسي من الغرب، ناهيك عن الأسلحة.

هذه هي خلفية المفاجآت السياسية التي فجّرتها شخصيتان معارضتان. فقد عبّر هيثم المناع وهو ناشط مخضرم في مجال الحقوق المدنية السورية في باريس، منذ بداية الانتفاضة في عام 2011، عن اعتراضه على لجوء الثوّار إلى الأسلحة. وحين تركّز انتباه العالم على القتال، تمّ تجاهله. إلا أنّ الأزمة العسكرية ساهمت في تغيير الوضع، الأمر الذي سمح للمنّاع بأن يخرج من جديد إلى العلن. وفي 28 كانون الثاني (يناير)، ترأس اجتماعاً ناجحاً جداً لشخصيات معارِضة مثله في مدينة جنيف. وبعد يومين، وفي 30 كانون الثاني، أطلق معاذ الخطيب ـــــ الذي لا يرغب في أن يسرق المنّاع الأضواء منه ــــــ مفاجأته الخاصة، فأعلن على صفحته على موقع «فايسبوك» نيته «المشاركة في المحادثات المباشرة مع ممثلين عن النظام السوري ...».

وتمّ اعتبار هذا البيان البارز رداً إيجابياً على الدعوة التي وجّهها الرئيس بشار الأسد في 6 كانون الثاني لعقد مؤتمر مصالحة وطني، بهدف إرساء شرعة تحدّد كيفية حكم سورية في المستقبل، على أن تخضع شروط هذه الشرعة للاستفتاء، تليه انتخابات وتشكيل حكومة جديدة وإصدار عفو عام.

وسارع المتشددون المعارضون، لا سيّما جماعة «الإخوان المسلمين»، إلى التنديد بمعاذ الخطيب. وتمّ إجباره على الشرح بأنه تحدّث بصفته الشخصية، إلا أنّ البعض اعتبر أنّ بيانه يعكس توجّهاً متزايداً في أوساط المعارضة التي باتت شبه مستعدة لإعطاء فرصة للحوار، بعد أن بدأت تيأس من التكلفة البشرية والمادية للنزاع. وبالطبع، أدرك الخطيب بدوره، في ظلّ تضاؤل الآمال بإمكان الحصول على مساعدة عسكرية ومالية غربية واسعة النطاق، أنّ الوقت قد حان ربما للبحث في إمكان التوصّل إلى حلّ يتمّ التفاوض عليه مع النظام.

وغنيّ عن القول إنّ إسرائيل تراقب هذه التطوّرات بانتباه كبير. وفي هذا السياق، تمثّل تطوّر كبير ثالث بالهجوم الجوّي الذي شنّته إسرائيل ليل 29 ـــــ 30 كانون الثاني على مركز عسكري أساسي للبحوث في سورية، هو «مركز البحوث» العلمية في جمرايا شمال غربي دمشق. أمّا الدافع المزعوم لإسرائيل، فقام على منع نقل الأسلحة الروسية المتطوّرة إلى «حزب الله» ـــــ مثل الرادارات المتطوّرة والصواريخ المضادة للطائرات ـــــ التي من شأنها الحدّ من حرية إسرائيل في شنّ هجوم على لبنان متى شاءت.

ولعلّ طموحات إسرائيل بدت في الواقع أكثر طموحاً مع شنّها هذا الهجوم الأخير. فمن المعروف أنها تسعى إلى إسقاط ما يُعرَف باسم «محور الممانعة» ويضمّ إيران وسورية و«حزب الله»، الذي نجح خلال السنوات الأخيرة في تطوير قدرة ردع للنفوذ الإسرائيلي. وكان قصف إسرائيل لمركز البحوث في سورية يهدف إلى استدراج «محور الممانعة» إلى الرد بهجوم على هدف إسرائيلي ــــــ الأمر الذي كان سيعطي إسرائيل ذريعة لشنّ هجوم شامل.

وترغب إسرائيل في تصفية حسابها مع «حزب الله» الذي قاومها بضراوة حين اجتاحت إسرائيل لبنان في عام 2006. كما أنّ إسرائيل تخشى من أن تحرز الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن زائد ألمانيا تقدماً خلال اجتماعها المقبل مع إيران، الذي قد يُعقد في كازاخستان في 25 الشهر الجاري. وأكثر ما يثير قلقها هو التقارير التي تفيد بأنّ الولايات المتحدّة وإيران قد تجريان حواراً ثنائياً، كما لمّح نائب الرئيس الأميركي جو بايدن في الآونة الأخيرة.

ليست إسرائيل راضية عن كلّ هذه الأمور. وهي كانت تحضّ الولايات المتحدّة على مدى سنوات لتدمير منشآت إيران النووية ـــــ وإسقاط النظام الإسلامي ـــــ بالطريقة ذاتها التي دفع فيها المحافظون الجدد الموالون لإسرائيل بالولايات المتحدّة إلى غزو العراق وتدميره في عام 2003، بالاستناد على معلومات استخبارية مزوّرة. وبالطريقة ذاتها، لا تريد إسرائيل أن يجري أي حوار بين المعارضة السورية والنظام أو أن يتم التوصّل إلى حلّ سلمي. فهي ترغب في إضعاف سورية وتقطيع أوصالها كما حصل منذ نحو عقد في العراق الذي لم يقف حتّى الساعة على رجليه.

وسيعتمد الكثير خلال الأسابيع المقبلة على حكمة فريق العمل الجديد لدى الرئيس باراك أوباما، لا سيّما وزير الخارجية الجديد جون كيري. فهل سيشجع المفاوضات لحلّ الأزمة السورية بشكل سلمي، من أجل وقف الدمار الذي يلحق بالبلد وبشعبه، إلى جانب تفادي زعزعة استقرار تركيا ولبنان، أم أنّه سيلعب لعبة إسرائيل التقليدية القائمة على إخضاع المنطقة، كي تتفرّد ببسط هيمنتها عليها؟