خبر « لأجل ليان » ضحيّة الحصار.. والوحدة الفلسطينية

الساعة 07:55 ص|09 فبراير 2013

وكالات

هل تجرؤون على سحب قطعة من لُعبة ليان؟ حاولوا، ستفعل ما فعلته معنا: سيعبس وجهها الأسمر، تفتح عيونها على وسعها، تطلق كل النغمات التي تعلمت النطق بها، تُظهر أسنانها الصغيرة وتحرّك أقدامها التي تعلمت المشي جديدًا وتلوّح بذراعيها نحوكم حتى تعيدون لها القطعة الملوّنة. تعود حينها ليان إلى ابتسامتها الهادئة وتركيزها في اللعبة، ثم بعد ثوانٍ قليلة ستنظر إليكم وتمد يدها بذات القطعة الملونة، وتدعوكم للانضمام إلى اللعب معها فوق سرير المستشفى.
ليان طفلةٌ زارت حيفا من غزّة المحاصرة لتصارع الموت، سفر ساعتين ونيّف بين مدينتين في بلدٍ واحد يتحوّل هنا أسطورةً. التقينا ليان في مستشفى رامبام الإسرائيلي حيث نُقلت للعلاج، إلى جانبها كانت والدتها ميساء (مدرسة حتى اكتشاف مرض وحيدتها) التي ترافق أبنتها منذ تسعة شهور في "رحلتها" العلاجيّة. أما والدها خالد العامل في مشتلٍ للزهور والأشجار، فقد منعته السلطات الإسرائيلية من الانضمام إلى زوجته طوال هذه المدّة، ولم تسمح أن ينضم إليهم إلا بعد إصدار الأطباء طلبًا عاجلاً لاستدعائه، قبل أسابيع قليلة، من أجل إجراء فحوصات لإمكانية تبرعه بالأعضاء. ميساء وخالد يقيمان في المستشفى ليلاً ونهارًا إلى جانب ابنتهما، ولا يستطيعان الخروج منه إلا بتصريحٍ رسميّ خاص.
تبلغ ليان من العمر سنة وثلاثة أشهر وهي وحيدة عائلتها المقيمة في مدينة رفح، جنوب القطاع. وصلت حيفا مع والدتها قبل تسعة أشهر لتتلقى علاجًا للفشل الكلوي الذي تعاني منه بعد أن فشلت المستشفيات الغزيّة في تقديمه بسبب سنّ الطفلة ووزنها الذي لم يتعدّى وقتها 5 كيلوغرامات.
يشير تقرير ليان الطبّي إلى أن نقصًا في إنزيمات الكبد يؤدّي إلى ترسّب الحصى في الكلى، مما يتطلب غسيلا يوميّا للكلى. غسيل أصبح معركة ليان اليوميّة. أربع ساعات يومياً تقضيها الطفلة موصولةً بالأنابيب والأجهزة في عمليةٍ مصيريّة لا تستطيع من دونها الاستمرار لأكثر من يومين، لكن المرض لا ينتظر، فكبد ليان آخذ بالتلف وعمليّة زراعة الكلى لم تعد كافية بل أضيفت إليها زراعة الكبد أيضًا. هل تذكرون تلك المقولة عن أن المال لا يشتري الصحّة؟ ربما يتوجّب تعديلها؛ نصف مليون دولار أميركي هو سعر عمليتي زرع الكلى والكبد لطفلةٍ بهذا السنّ، ينفذها طبيب بلجيكي الجنسيّة يتواجد في المستشفيات الإسرائيليّة لفترة قصيرة خلال شهر نيسان القادم... لتعيش ليان بصحةٍ وعافية.
لا تعترف إسرائيل بأي مسؤولية أو تأمين صحيّ اتجاه المرضى الفلسطينيين الذين يُنقلون إلى الداخل، أما وزارة الصحة في رام الله فتتحمّل تمويل العلاج الجاري وتكلفته نحو 250 دولارا يوميًا، إلا أنها رفضت تمويل عمليات الزراعة اللازمة بحجّة أن "المبلغ يفوق الإمكانيّات المتاحة". لكن هذه حكومة رام الله، وماذا عن حكومة حماس في غزّة؟ فما دام الانقسام يلقي بثقله علينا، فلنستفد منه مرةً واحدة! على قاعدة رب ضرة نافعة... لكن الانقسام لا يطال الوزارة المختصة في هذه الشؤون، ووزارة حماس في غزة على تنسيق مع وزارة فتح وهم يتعاملون كوزارة واحدة.
إن الوحدة الوطنيّة في غاية السهولة والفصائل غاية في الانسجام عندما تجد هدفًا مشتركًا بتوفير الميزانيات عن صحة المواطنين.
على قدمٍ وساق، التأمت مجموعة من الطالبات والطلاب الجامعيين في الداخل وأطلقت حملة لجمع التبرعات تحت عنوان "عشان ليان"، وتم تأسيس موقع الكتروني لمتابعة القضية وتوفير كل جديد مرتبط بالحملة التي انضمت إليها مجموعة من المسرحيين تنظّم عروضًا فنية في قرى الجليل، وقرية مجدل شمس في الجولان المُحتل لجمع التبرعات. لكن التشجيع العلنيّ في الشبكات الاجتماعيّة على جمع التبرعات ودبّ الأمل في نفوس الناشطين يغلف الهمس الصريح فيما بيننا: المبلغ أكبر منّا.
من الممكن أن تكبر ليان، وأن تحدّث أترابها في المدرسة عن أنها الوحيدة بينهم التي خطت خطواتها الأولى في حيفا، وهي ابنة جيل تبدو حيفا لمعظمهم حلماً بعيدًا. ستقول ليان لأصدقائها إنها كانت تلعب عند شاطئ حيفا وأنه أجمل من شاطئ غزة، فمن المعروف عن مستشفى رمبام الذي تمكث فيه الطفلة، أن الأمواج تتكسر على الصخور المحيطة بساحاته، خاصةً تلك الساحة التي ترتبط بذاكرة الحروب الإسرائيلية، وهي ساحة بين البحر والمستشفى تهبط فيها الطائرات العسكرية حاملةً مصابي الإسرائيليين خلال حربهم على شعبنا.
بوسع ليان أن تحكي قصتها ويصفّق لها الأولاد في الصفّ، لكن حتى هذه اللحظة لا مؤسسات وطنيّة تحمي هذا الحلم، والآمال معلقةً على أولئك القادرين.


ابتـزاز المرضـى


بداية كانون ثاني المنصرم، أصدر مركز "الميزان" الغزّي لحقوق الإنسان بيانًا يدين فيه اعتقال الاحتلال لمريضٍ يدعى رفيق أبو هربيد (38 عامًا) بعد أن وصل إلى حاجز بيت حانون حيث تُجري المخابرات الإسرائيلية مقابلات لمن يطلبون تصريحًا للدخول إلى إسرائيل من أجل تلقي العلاج. وقد أعلمت المخابرات الإسرائيلية عائلة أبو هربيد بالاعتقال بعد عشر ساعات من خروجه من المنزل، علمًا أنه يعاني من انزلاقٍ غضروفيّ يؤدي إلى عسر في حركة ساقه اليسرى.
ليست هذه المرّة الأولى التي تعتقل فيها إسرائيل مرضى بعد استدعائهم للمقابلة لغرض استلام التصريح؛ يشير مركز الميدان إلى ستة معتقلين في العام 2012، و22 معتقلاً منذ العام 2009، منهم 19 مريضًا وثلاثة مرافقين لمرضى.
إلى جانب ذلك، أشارت تقارير صحافيّة وتقارير مؤسسات حقوقيّة في غزة في السنوات السابقة عن استغلال المخابرات الإسرائيلية للحالة الصحيّة للمرضى الغزيين وحاجتهم الماسّة لتلقي التصاريح الطبيّة، وابتزازهم من أجل تجنيدهم كعملاء للمخابرات بعد عودتهم، أو للإدلاء بمعلومات استخباراتية عن أقربائهم أو جيرانهم أو عن مواقع لفصائل المقاومة قريبة من مكان سكنهم، مقابل إصدار التصريح لهم أو لأولادهم.
وفي العام 2008 كشف مركز "الميزان" عن الممارسات الإسرائيلية التي أودت بحياة خالد عبد الرحمن أبو شمالة (38 عامًا)، والذي رفضت المخابرات الإسرائيلية السماح له بالخروج للعلاج بعد أن رفض التعاون معها. "الشفاء على الله، عُد إلى غزة وتعالج هناك"، قال ضابط المخابرات لخالد حسبما جاء في التقرير، في ذلك العام وثق "الميزان" أكثر من ثلاثين حالة منعت فيها إسرائيل خروج المرضى بعد رفضهم الإدلاء بالمعلومات. وفي العام 2007 كشفت صحيفة "معاريف" الإسرائيلية عن حادثة أخرى حاولت فيها المخابرات الإسرائيلية تجنيد الصحفي بسام الوحيدي (28 عامًا) مقابل تصريح دخول للعلاج.