خبر أيام المسيح المُخلِّص.. يديعوت

الساعة 09:14 ص|08 فبراير 2013

بقلم: ناحوم برنياع

(المضمون: يعتقد بنيامين نتنياهو اعتقادا جازما قويا انه المسيح المُخلص لاسرائيل لكن الخبراء غير متفقين على أول عمل عظيم سيقوم به نتنياهو أهو الحرب أم السلام؟ - المصدر).

يحدث شيء ما لبنيامين نتنياهو منذ ليلة الانتخابات، شيء يثير الدهشة عند كل من يلقاه. إن زيارة الرئيس اوباما القريبة تعزز انطباع التغير فقط. حينما بُشر نتنياهو بأن القائمة المشتركة بين الليكود واسرائيل بيتنا انخفضت من 42 نائبا الى 31 استنتج فورا ان الـ 31 نائبا هم له في حين ان الـ 11 نائبا الذين ضاعوا هم من نصيب ما بقي من الليكود. وليس الحديث عن طُرفة. لقد فاز وخسروا هم. وهذا هو التساوي في تقاسم العبء. لو كنا في أزمان اخرى واحزاب اخرى لأفضت هذه الهزيمة الى دعوة الى محاسبة النفس بل ربما الى طلب الاستبدال برئيس الحزب. لكن في الليكود، وفي الجهاز السياسي كله في واقع الامر لا يوجد اليوم رئيس وزراء احتياطي. فقد خفت المنافسون الذين كانوا في الماضي وتلاشوا وعُزلوا بالانتخابات التمهيدية. أما المنافسون في المستقبل فيترعرعون في احزاب اخرى ولهذا يستطيع نتنياهو ان يقول: أنا الليكود.

إن هذا الحزب القديم الذي ولد في شرق اوروبا قبل تسعين سنة عرف عهود عبادة شخصية بارزة لزعيم وعرف عهود نضال حر ومُر احيانا من اجل الزعامة والنهج. لكن العهد الحالي شاذ لأن عبادة شخص الزعيم لا تنبع من أسفل، من الميادين، من سجود الجموع بل توجه من أعلى، من الشخص نفسه ومستشاريه واصدقائه الامريكيين. هكذا تمت الحملة الانتخابية والى هذا تدعو الصحيفة التي نشأت كي تُمجده. فكل شيء في هذه الدولة يتم بأمره وكل شيء أُحرز بفضله. ولم ترُج هذه السلعة بين الناخبين وسخروا منها احيانا.

لكن نتنياهو صدق ذلك. صدق كل كلمة. إن التهكم بالذات الذي عرف في الماضي كيف يوازنه ويُذكره بحدوده لم يعد موجودا، فهو ينظر في المرآة ويرى مسيحا مُخلصا. ولهذا لا يُحتاج الى برنامج حزبي لأنه هو البرنامج؛ ولا يُحتاج الى منتخب لأنه هو المنتخب؛ ولا يُحتاج الى حزب لأنه هو الحزب. ولا يُحتاج الى صور جابوتنسكي وبيغن والبيتار فأبوه وأبوها هما أبوا الأمة.

إن ناسا في قيادة الليكود العليا على يقين من ان هذه الروح المسيحانية ستخفق فيه طول الولاية الثالثة كلها. وهو بصفته سياسيا يدرك ان الجمهور يطلب تغييرا. فاذا لم يُحدث اصلاحات بعيدة المدى واذا لم يهتم للملاءمة بينه وبين المزاج في الشارع فان حكومته ستنتقض عُراها. وهو بصفته مسيحا مخلصا على يقين من انه أُلقيت عليه مهمة تاريخية وهي انقاذ العالم. لم يعد الحديث عن ايران أو عن ارض اسرائيل أو عن القدس أو عن اسعار السكن بل الحديث عنه. انه سيُخلِّص.

وهكذا تختلط معا حيل سياسية تكتيكية ورؤى آخر الزمان. وهذه وتلك جزء منه. وهو في الصعيد السياسي مشغول بجهد خفض الاسعار ومن الواضح له انه يجب ان يكون لبيد في الداخل وبينيت ايضا. لا بسبب الحساب بل لأن الناخب يريد ذلك. لكن المقربين منه يحذرونه من انه تكمن مؤامرة هنا. إن الشيطان الأكبر هو اهود اولمرت وهو يحرض لبيد وموفاز على دخول الحكومة بشرط ان يبقى الحريديون في الخارج فقط. وسيضطر نتنياهو الى خيانة شركائه الطبيعيين. وبعد سنة ونصف أو سنتين سيدفع اولمرت كتل الوسط الى الخارج ويصبح نتنياهو أصلع من هنا وهناك فيركله الوسط ويبحث الحريديون عن حلفاء آخرين. وهكذا يُمهد طريق اولمرت الجديد الى ديوان رئيس الوزراء.

هل هذا شعور بالمطاردة؟ هل هذا هاذٍ؟ هل هذا مقطوع عن الواقع السياسي وعن البنية النفسية ليئير لبيد؟ ربما، لكن نتنياهو لا يخاطر حينما يكون الامر متعلقا به. انه يبحث بالشمع عن اجراء يحفظ الحلف مع شاس ويهدوت هتوراة. وسيكون الحل المثالي خطة تجنيد تكون الاحزاب الحريدية مستعدة للتسليم بها. وتدخل شاس وتتلقى يهدوت هتوراة احسانات مالية تجعل حبة الدواء المرة حلوة؛ وفي داخل كتلة البيت اليهودي توجد كتلة ثانوية حريدية قومية تسمى "إتكوماه" (النهضة) يستمع اربعة اعضائها للحاخامين. ويجب تشجيعها على استعمال ضغط على بينيت ورفاقه لأنهم اذا لانوا لان لبيد ايضا.

يتصل الشأن السياسي بهذا الضغط. فتسيبي لفني وموفاز والحمائم في قائمة لبيد يتمنون تجديد المسيرة السياسية. والزعم الذي يسمعونه في الايام الاخيرة هو انه لا يجوز اعطاء المتطرفين في البيت اليهودي ان يستعملوا نقض قرارات سياسية للحكومة. وسيُضعف ضم الحريديين المستوطنين. أفليس من المجدي اذا تليين الموقف شيئا ما من قضية التجنيد؟.

اذا لم ينجح هذا الاجراء ايضا فسيمكن استخلاص فائدة منه ايضا لأن الحريديين سيفهمون ان نتنياهو هو حليفهم الوحيد في عالم معادٍ. هو ومبعوثه نتان ايشل. وحينما سيُدفع نتنياهو الى يوم زمهرير سيأتي الحريديون مع المظلة. وسيوافقون بثمن ملائم على بسطها فوق رأسه.

وصف أحد رؤساء الاحزاب على مسامعي التفاوض في فندق كفار همكابية بأنه "هواء ساخن". فهم يدخلون وتُلتقط لهم الصور ويخرجون لكنه لا يحدث شيء بالفعل. وكذلك التقارير ايضا عن الاتصالات في وسائل الاعلام. لا معنى للتهديدات المتبادلة وللأحلاف وللانفصالات. فالصورة التلاعبية للأنباء واضحة جدا بحيث لا ينظر اليها أحد بجدية بل ولا الساسة الذين ينتجونها. واذا كانت تشهد على شيء ما فانها تشهد على عدم سكينة الوزراء والمرشحين ليكونوا وزراء في الليكود الذين توقعوا ترفيعهم وهم الآن مذعورون من الهاوية التي تنتظرهم في أسفل. إن طلب لبيد الذي انضم اليه بينيت وهو العودة الى حكومة فيها 18 وزيرا، يُرهبهم. إن روضة الاطفال كلها تلعب بالمقاعد الموسيقية ولم يبق مقعد لهم فقط.

ساعة تاريخية

إن البرامج الساخرة في التلفاز تنعت نتنياهو بأنه وغد وداهية والطراز الكامل للاسرائيلي المحتال. لكن نتنياهو الحقيقي أكثر تعقيدا. فالفرق بين الوعود التي ينثرها في خطبه ولقاءاته وما يفعله بالفعل لا ينبع بالضرورة من نية سيئة. إن ساركوزي واوباما اللذين اتهماه بأنه وغد لم يدركا عمق ضعفه. فاذا كان نتنياهو يحتال على أحد ما فانه يحتال على نفسه قبل الجميع.

لم يُحبل نتنياهو الاسرائيليين مرة ولا مرتين ثم تبين بعد ذلك أنه حبلٌ متوهم. وقال الشكاكون: لقد قلنا لكم. انه فول غاز في نيوترول. فهو لن يصنع سلاما ولن يصنع حربا. لكن الشكاكين لم يؤمنوا ايضا بأن مناحيم بيغن سيصنع سلاما مع مصر ويخرج لحرب طوعية في لبنان؛ ولم يؤمنوا بأن باراك سينسحب من لبنان ويفشل في كامب ديفيد؛ ولم يؤمنوا بأن شارون سيُخلي غزة. إن ملل الشكاكين فظيع.

انه بصفته سياسيا لا يضر به ان يُعد محتالا، لكنه بصفته مسيحا مُخلصا لا يحسن له الاحتيال، انه مُحتاج الى اصلاح. وسيأتي الاصلاح كما يؤمن ناس في القيادة العليا في حزبه في هذه الولاية. فهذه ستكون ولاية الاعمال العظيمة.

ما هو العمل العظيم؟ سمعت في هذه القضية من سياسيين كبيرين نظريتين متناقضتين. الاولى من عامل في القسم اليميني من الليكود. فهو يُقدر ان نتنياهو سيمضي بعيدا كي يصالح اوباما ورؤساء الاتحاد الاوروبي، فهو يخشى عزلة اسرائيل في الساحة الدولية والضرر الذي سيسببه ذلك للأمن والاقتصاد والروح المعنوية. وتشهد على ذلك الاشارات التي يُذيعها منذ أبلغه اوباما انه سيزور المنطقة. وهو متجه الى التفاوض والى ولاية سياسية وربما ايضا الى تجميد آخر للبناء في المستوطنات. ويستعد مُحادثي لهذا التحول بقلق كبير.

ويُقدر سياسي آراؤه مناقضة ان عمل نتنياهو العظيم سيكون حربا لأنه لا مجد في مفاوضة الفلسطينيين، فلن يُحرز اتفاق بها ولا سيما اتفاق ينهي الصراع. وسيكون من الصعب تقدير الفائدة السياسية وترويج ذلك أصعب. وأكثر من ذلك منطقا ان يكون العمل العظيم حربا لايران مع توابع محتملة في لبنان وسوريا. وقال هذا الرجل ان هذه ستكون كارثة على اسرائيل.

يتحدث التراث اليهودي عن مسيحين مُخلصين. فالمسيح بن يوسف يأتي بحرب فظيعة، حرب يأجوج ومأجوج، ويُقتل فيها. والمسيح بن داود يأتي بالخلاص والسلام. ومحادثاي على يقين من ان الخيار المسيحاني موجود في داخل نتنياهو، لكن السؤال هو أي مسيح؟

عيد الزيارات

حينما كان مناحيم بيغن رئيس الوزراء أمر بأن تُعلق عند باب الدهليز في المنزل في شارع بلفور صورة جوندار أفيئيل. وأفيئيل هو الاسم السري لاسرائيل ابشتاين صديق بيغن وأحد مساعديه المقربين في الايتسل. وقد اعتقل في 1946 في مركز شرطة في ايطاليا وحاول الهرب وأطلق شرطي النار عليه فأرداه قتيلا. في الكتاب الذي أعده فريق الريادة الامريكي استعدادا لزيارة الرئيس جيمي كارتر للقدس في آذار 1979 تم وصف كل شيء على الحائط الذي سيسير الرئيس على طوله. وتم الحديث في جملة ما تم الحديث عنه عمن كان هذا الشخص في الصورة وما الذي فعله وكيف قُتل. هذه طريقة الامريكيين لمنع الحرج عن رئيسهم.

ويُعدون لبراك اوباما الآن كتابا مشابها سيُسجل فيه كل تفصيل من عدد الخطى التي سيخطوها الرئيس على قدميه من السيارة الى باب الدخول الى مشاركة الرجل ذي اللحية الذي يقوم تمثاله في الطبقة الارضية من ديوان رئيس الوزراء في انشاء الحركة الصهيونية. انه تمثال ثيودور هرتسل، سيقول نتنياهو. وسيقول اوباما "هذا مؤكد"، ويتلو قوله: "في بازل أسست دولة اليهود".

تريد فرق الريادة الامريكية ان تعلم مسبقا من سيكون الناس الذين سيلقاهم الرئيس في طريقه. وهم يكتبون في الكتاب الاسم والعمل واذا احتيج الى ذلك يكتبون مقترحات لاجراء حديث قصير حميم يستمر بضع ثوان الى ان يُنقل الرئيس الى المحطة التالية. واذا نسي الرئيس فانه يوجد الى جانبه دائما شخص يُذكره. وقد ذكر الكتاب الذي أُعد لواحدة من زيارات الرئيس كلينتون للبلاد اسم مدير فندق الملك داود الذي كان يفترض ان يستقبل الرئيس عند مدخل الفندق. وكان التكريم كبيرا واستقر رأي صاحب الفندق على ان يقف على المدخل بدل المدير. ولم يهم ذلك كلينتون فقد تمسك تمسكا شديدا بالاسم الذي جاء في الكتاب.

كان كلينتون ضيف الشرف في مراسم التوقيع على اتفاق السلام مع الاردن في وادي العربة. ومنع الامريكيون تقديم الازهار الى كلينتون لأنه ذو حساسية. ونسي هذا الامر زميلنا ايتان هابر الذي كان مدير ديوان رئيس الوزراء في فترة رابين. فقد ضم الى المراسم أولادا من الشعبين قدموا الازهار. وحينما خطت بنت اردنية وفي يدها باقة ازهار نحو كلينتون تذكر هابر. فندّت عنه صرخة "ويلي". وكان ذلك متأخرا جدا لأن البنت قدمت باقة الزهور الى الرئيس. ولم يتمكن كلينتون من ان يشمها لأن جنديا من المارينز كان موضوعا خلفه اختطف الباقة من يده وأخفاها.

اذا جاء الرئيس مع زوجته فيجب على زوجة المضيف ان ترسل صور الثوب الذي تنوي ان تلبسه في كل حفل. فزوجة الرئيس لن تلبس ثوبا مشابها (حدث هذا مع ميشيل اوباما في احدى المواجهات الكلامية في الانتخابات ولن يحدث مرة اخرى).

ويجب ان يتم تقديم الى الامريكيين مسبقا تفصيل الطعام الذي سيُقدم في كل وجبة. فاذا كُتب فيه "مرق خضراوات" فان الامريكيين يطلبون معرفة أي الخضراوات بالضبط. وهم يطلبون ايضا ان يعرفوا من يُسمح له بأن تلتقط له صور مع الرئيس لا لاسباب أمنية بل للحذر. فالعالم مليء بناس ذوي ماض مريب ما. وصورهم وهم يبتسمون في سعادة الى جانب رئيس الولايات المتحدة قد تحرجه. وللسبب نفسه يتم الفحص في حرص شديد عن قائمة الضيوف في كل وجبة. ومن اللحظة التي تُسلم فيها القائمة الى الفريق الامريكي تصبح مغلقة. وقد اعتاد الرئيس ان يأتي بأقلام يمنحها هدايا للفرق المحلية التي ساعدت على الزيارة. وتُسلم مسبقا أسماء من يتلقونها فلا قلم لمن يُنسى اسمه خطأ.

إن الاسرائيليين هم أبطال العالم في الارتجال ولهذا تمت جنازة رابين وهي حدث جمع في مكان واحد عددا قياسيا من رؤساء الدول، تمت بصورة مثالية.

أما الامريكيون في المقابل فيكرهون الارتجال. ففي كل دولة يزورها الرئيس تتلقى المستشفيات في المنطقة قائمة بأسماء الحاشية مع أنواع دمها، كي يعرفوا كيف يعالجونهم اذا جُرحوا أو اذا مرضوا. وتوكل صحة الرئيس لفريق مستقل. فمنذ كان قتل كنيدي أصبح يوجد في كل قافلة سيارة اسعاف تكون متنكرة على هيئة سيارة من سيارات القافلة الفخمة.

قبل اربع سنوات خطب اوباما خطبته في جامعة القاهرة. وأجريت لقاءا معه بعد انتهاء الخطبة، وبعد ذلك بقيت في غرفة جانبية لأتحدث الى مساعديه. وكان اوباما في اثناء ذلك قد استبدل بثيابه قميص بولو رياضي. وكانت غايته التالية زيارة الأهرام وصاحبته في الطريق الى السيارة ووجدت نفسي فجأة بينَ بينَ أقف في وسط الشارع لا للامريكيين ولا للمصريين. وانطلقت السيارات الرئاسية في سرعة عن جانبي عن يمين ويسار وتجمدت في مكاني. وفكرت انه اذا أطلقوا النار علي فماذا سيكون مصير المقابلة الصحفية. وتجاهلت كتاب الزيارة وارتجلت مخرجا.