خبر طرد زائد عن الحاجة.. اسرائيل اليوم

الساعة 09:11 ص|08 فبراير 2013

بقلم: يوسي بيلين

(المضمون: كان استقرار رأي رابين على طرد 415 من قيادة حماس الى مرج الزهور في لبنان قرارا خطأ دفعت اسرائيل ثمنه من مكانتها ومنزلتها في العالم - المصدر).

قبل عشرين سنة، في الحادي عشر من شباط 1993، أصدر البرلمان الاوروبي دعوة الى فرض عقوبات على اسرائيل إثر رفضها ان تعيد الى لبنان مئات من مطرودي حماس. وكان ذلك واحدة من ذُرى احدى القضايا التي شكلت بلا شك قيادة حماس وعرضت حكومة اسحق رابين السلمية على أنها حكومة بليدة الاحساس في مواجهة ردود العالم، وحكومة لا تدرك التأثيرات الشديدة لقراراتها المتسرعة.

في مطلع شهر آذار فقط استقر رأي حكومة رابين على اعادة 101 من مطرودي حماس الى لبنان باعتبار ذلك "خطوة ارادة خيرة"، ونقلهم الى الضفة الغربية وغزة. كلا، لم يكن ذلك تفضلا بل كان نتاج ضغط امريكي ودولي جعل اسرائيل تلغي الخطوة الحمقاء التي قامت بها قبل ذلك ببضعة أشهر حينما أجلت 415 من نشطاء حماس الى لبنان وتركتهم هناك شمالي الشريط الامني الذي حددناه لأنفسنا من غير ان تكون حكومة لبنان مستعدة لاستقبالهم وسداد عوزهم.

في الاسبوعين الأولين من كانون الاول 1992 قتلت حماس في المناطق ستة من رجال الامن الاسرائيليين. ووقعت الذروة في 13 من ذلك الشهر حينما اختطف ناس حماس شرطيا من حرس الحدود هو نسيم طولدانو طالبين الافراج عن احمد ياسين. وبعد يومين تم العثور على جثة طولدانو مقيدا مطعونا قرب كفار أدوميم. وكان شعور رئيس الوزراء بأنه يجب فعل شيء ما.

اقترح عليه رئيس الاركان آنذاك اهود باراك ان يطرد نشطاء حماس الى لبنان. وخاف رابين من رجال القانون فقد اعتاد ان يسخر منهم لأنهم يعيشون في الفقاعة الصورية ولا يفهمون الحياة الحقيقية. لكن وزير العدل آنذاك دافيد ليبائي شد زنده، وأما المستشار القانوني آنذاك يوسف حريش فمنحه تأييدا.

وكان الذين عارضوا ذلك وزعموا انه لن يمر في المحكمة العليا المدعية العامة دوريت بينيش ومديرة قسم أقضية المحكمة العليا نيلي أراد. واستقر رأي رابين على عملية سرية تنتهي قبل ان يرفع أحد شكوى الى المحكمة العليا فجمع الحكومة وحصل على موافقتها على طرد أكثر من 400 من نشطاء حماس الى لبنان من غير ان يدع لأحد منهم امكانية تحقيق حقه في دعوى قضائية مبكرة. وفي جلسة الحكومة أيد ذلك ايضا وزراء ميرتس، والله وحده يعلم لماذا، أما ليبائي فثاب اليه رشده وامتنع لكن ذلك كان متأخرا جدا.

داهم رجال الامن المعتقلات والبيوت الخاصة التي كان يوجد فيها ناس حماس وحشدوهم الى حافلات من غير ان يقولوا لهم الى أين يتجهون. وكان القصد الى ارسالهم الى لبنان في تلك الليلة نفسها مدة سنتين وتوقع ان يستقبلهم لبنان بذراعين مفتوحتين. بيد ان هذه العملية الكبيرة في أنحاء المناطق كلها عرفت بها جمعية حقوق المواطن وعدد من المحامين البارزين وطلب هؤلاء الى القاضي المناوب في المحكمة العليا أهارون براك ان يصدر أمرا يمنع الطرد.

وقفت حافلات المحتجزين ساكنة تنتظر حسم المحكمة العليا. وكانت عيون المعتقلين معصوبة وأيديهم مقيدة. وبلغت الدراما ذروتها. وتباحث سبعة من قضاة العليا في ذلك الشأن 14 ساعة. وكانت المشكلة القانونية الرئيسة هي كيف يمكن ان يُعرض الطرد على انه مجموعة حالات خاصة لكل واحدة منها تسويغ طرد لا على أنها طرد جماعي يمنعه القانون.

مثّل حريش نفسه الحكومة، لأن بينيش رفضت ان تفعل ذلك. وانقسمت اصوات القضاة وقاد براك الذي أيد في البدء وأسف لذلك بعد ذلك، قاد القلة التي عارضت الموافقة على الطرد. وعدّل الرئيس شمغار القرار وأدى الى اجماع انتقد قرار الحكومة لكنه مكّن من تنفيذه.

*  *   *

كانت تلك واحدة من ساعات حضيض المحكمة العليا. فصحيح أنها "موجودة بين شعبها" وليست مقطوعة عن المخاوف الاسرائيلية، وعن حاجتنا الى حماية أنفسنا، لكن المسافة بعيدة جدا بين هذا وبين تبني قرار كاذب على نحو واضح يقول ان كل واحد من المطرودين طُرد لاسباب تتعلق به على نحو خاص لا باعتبار ذلك جزءا من طرد جماعي الى مكان لم يكن مهيأ لاستقبالهم.

وماذا حدث؟ بقي المطرودون في مخيم في مرج الزهور، في البرد الشديد في ذلك الشتاء أمام عدسات تصوير جميع وسائل الاعلام في العالم. ومثّل المطرودون المعاناة ومثّلنا نحن بلادة الاحساس. وطلب مجلس الامن الى اسرائيل ان تعيد المطرودين فورا. وطلب كلينتون من رابين ان يتراجع عن هذه الحماقة.

اقترب ناس حماس جدا من حزب الله ومن الحرس الثوري في ايران وتعلموا منهم بناء سيارات مفخخة وتركيب شحنات ناسفة. وانشأ محمود الزهار واسماعيل هنية وعبد العزيز الرنتيسي وآخرون هناك قيادة المستقبل لحماس وحولوا المخيم الى أداة تشكيل. وتم وقف المحادثات السياسية بين اسرائيل وجاراتها التي كانت تجري في واشنطن وتضررت مكانة اسرائيل السياسية في مدة حكم رابين خاصة تضررا شديدا الى ان تم الكشف عن مسيرة اوسلو فمحت انطباع ذلك الاجراء الخطأ.

التقيت مع دان مريدور بعد زمن قصير من قرار رابين البائس. "حاول باراك ان يقترح هذا الاجراء على شمير ايضا فرفض. أنتم ناس مباي فقط قادرون على عمل فظ بهذا القدر فشله معلوم سلفا"، قال لي. وانتهينا آخر الامر الى اتفاق على انه لا يوجد لأي طرف في الخريطة السياسية احتكار للحماقة.