خبر هناك إرهاصات وبصيص أمل.. علي عقلة عرسان

الساعة 05:34 م|05 فبراير 2013

 

هناك بصيص أمل وبعض النور يتسللان إلى الرائي والمتابع من نهاية نفق الأزمة السورية الخانقة، حيث بدأ الحديث عن القبول بحل سياسي يتفاعل سورياً وإقليمياً ودولياً في حدود، واقتنع الفصيل المتعنت من معارضة "الخارج" بألا طريق سوى هذه الطريق لمعالجة الأزمة المتفاقمة، وأن الغرب الذي تجمهر حول تدخل فرنسا في مالي ليس لديه مشروع لحل الأزمة، " أي ليس لديه الاستعداد للتدخل عسكرياً في الشأن السوري كما كان مرسوماً ومقدراً".. ويأتي ذلك الاقتناع بعد سقوط المشروع الغربي – العربي الذي صمم على أساس إعادة إنتاج السيناريو الليبي في سورية بغطاء من مجلس الأمن الدولي أو عبر تكتل خارجه، يستند إلى استدعاء الجامعة العربية والمعارضة المسلحة لذلك التدخل.

في هذا الوقت، وضمن هذا الإطار، نقف على بداية عمل سياسي تَقبل به وتُقبل عليه أطراف لجأت إلى السلاح لفرض تغيير سياسي بالقوة، ويأتي هذا متأخراً جداً في مقابل العمل السياسي الرسمي الذي بدأ تحركه الجاد، بعد تعثر خطة عنان ومراوحة الإبراهيمي في المكان، على أساس مشروعه ذي المراحل الثلاث للحل السياسي ومعالجة الأزمة والانتقال إلى سورية الجديدة بإرادة شعبية ورؤية جامعة يقررها الشعب. وأصحاب هذا الطرح الجديد من معارضة " الخارج" شرائح تتباين وتتفاعل مع تلك الأفكار وما تزال في اصطفافات وجدل: بعضها يقبل ذلك بوصفه مدخلاً لكشف "مناورة النظام وإحراجه" بتحرك سياسي يحد من تحركه السياسي، وبعضها يقبله بوصفه مدخلاً لتفاوض على زوال النظام بعد أن كان يشترط زوال النظام ليفاوض، وفي قرارة نفسه أن النظام لن يقبل الشروط المطروحة لا سيما " أن يقبل بمبدأ التفاوض على رحيله"؟! ومن ثم يقولون:" مددنا يدنا ورفض"، بصرف النظر عن كون اليد الممدودة تحمل قنبلة موقتة في اشتراط يبنى على هزيمة نظام لم ينهزم؟! وبعضها أدرك بأن تحقيق غلبة على النظام بقوة السلاح أمر لم يدرَك بعد وقد لا يُدرَك أبداً، وقرأ رغبة شركائه الغربيين على الخصوص بضرورة اللعب السياسي "المرونة السياسة" مدخلاً لأن رفض الحوار ليس عملاً سياسياً، فضلاً عن أن التوازن الدولي يتلمس طريقاً سياسياً وليس عسكرياً للحل بعد الذي كان وصار، وما يستجد على الأرض أخذ يحمل لبعض الأطراف الدولية نُذراً يخشاها، منها " جبهة النصرة وممارساتها وأهدافها..إلخ"، وبعضها الآخر يشعر في العمق بأن الداخل السوري كله أخذ يضيق بالاقتتال وبالداعين إليه، وأن من يدعون المسلحين إلى الصمود والقتال لا يعرفون حقائق الأمور، ولا يشعرون بمن يعانون، وبعضهم لا يتحلى بمصداقية تذكر، ولا يقدمون لمسلحيهم ما يمكنهم من الاستمرار، وأن ذلك كله أخذ ينعكس سلبياً على ما يسمونه " شعبيتهم"؟!، وأن الشعب والبلد تحملا أكثر مما يحتملان، وأن العدو الصهيوني الذي بدأ تنفيذ مراحل جديدة من خطته التي تستهدف سورية، وذلك بتدخله المباشر وقصفه مركز البحوث في جمرايا يحرج موقف كل من يستفيد مما حدث ومن يسكت عليه، لأنه بدا بوضوح أنه بعد أن تمت المراحل التي اعتمدها العدو الصهيوني لإنهاك السوريين بأيدي بعضهم بعضاً، وبعناصر من خارج تربتهم الوطنية، ومده للمعتمَدين من قِبَله ومن قِبَل حلفائه الغربيين بمقومات استمرار القتل والتدمير والإنهاك.. بعد ذلك حان الوقت الملائم لتدخله " أي الصهيوني" المباشر، لكي يحقق أهدافاً طالما طالب بتحقيقها منذ مؤتمر مدريد، وطلبها بصورة مباشرة وغير مباشرة عبر حليفه - شريكه الأميركي على الخصوص.. ورفضتها سورية ولم تتحقق له بسلم أو حرب.. أنه حان الوقت، من وجهة نظره، ليفرض مطالبه فرضاً ويمليها أمراً واقعاً على السوريين وعلى من تناصرهم سورية تاريخياً من أطراف المقاومة الفلسطينية واللبنانية ضد الاحتلال.. بعد أن تفاقمت المحنة، ووصول السوريين إلى هذا الحد من حدود التمزق والضعف بسبب الاقتتال.

لقد رحبت دول ذات تأثير مباشر في الأزمة السورية، منها روسيا والولايات المتحدة الأميركية وإيران، بالخطوة التي خطاها ذاك الطرف من أطراف معارضة الخارج، أعني " الائتلاف"، وإن بقي كل منها على موقفه الذي اختاره، منذ بيان جنيف في 30 حزيران/يونيو2012، مما بدا لكل منها أنه أمر مبدئي تتمسك به وتدافع عنه وتبني سياساتها انطلاقاً منه.. فروسيا لا ترى أن تغيير الأنظمة بالقوة أمراً مقبولاً، وأن الديمقراطية لا تؤسس على القوة المسلحة وتوطد بواسطتها، وأن مطلب رحيل الرئيس السوري مثلاً لا يمكن تطبيقه.. وأن خيارات الشعب السوري يقررها هو وحده، سواء ما يتعلق منها بنظامه أو رئيسه أو غير ذلك من شؤونه، وأن الاشتراطات المسبقة غير مقبولة، كما أن التدخل العسكري غير مسموح به.. وتلحلَح الموقف الأميركي نسبياً عما كان عليه بعد تولي أوباما الثاني دورة رئاسية ثانية، فلم يعد يشترط رحيل الرئيس السوري أولاً، ورحب بالتفاوض مع النظام بناء على ماطُرح من مبادرة الائتلاف في مؤتمر الأمن بميونيخ، ولم يقبل بـ "الخروج الآمن" للرئيس كما جاء في مبادرة الائتلاف، إذ لا بد أن يحاسَب كلٌ على ما فعل، كما جاء في بيان الخارجية الأميركية الذي قدمته فكتوريا نولاند. ونشطت الدبلوماسية هنا وهناك، ومنها الدبلوماسية الإيرانية، ليغتنم كلٌ الفرصة، ويستمر التحرك الذي لا بد وأن يسفر عن تغيير في المواقف، " عن تنازل ما"، يؤدي إلى تقارب وتفاهم عن طريق حوار لا تحدّ من آفاقه ولا تكبله مواقف واشتراطات مسبقة لا تؤيدها أو تسوِّغها وقائع ومعطيات واقعية وعملية وموضوعية على أرض الواقع.

وربما يساعد موقف دول "منظومة العمل الإسلامي" في مؤتمرها الذي يُعقد اليوم ألربعاء وغداً الخميس/ 6 و7 شباط/فبراير 2013 / في القاهرة، على تحريك الأمور باتجاه التوافق والدفع باتجاه الحل السياسي للأزمة السورية.. وهناك إرهاصات لا ينبغي تجاوزها ولا التقليل من أهميتها أو التغاضي عن دلالاتها في هذا الاتجاه، منها إدانة الرياض للعدوان الإسرائيلي الأخير على سورية، الأمر الذي جعلها وحيدة بين دول الخليج العربي في هذين الموقف والتوجه. وعلى الرغ من من أن موقفها ذاك جاء بعد أن أدانت كل من الجزائر والخرطوم العدوان الصهيوني السافر بعبارات قوية، إلا أن انفرادها من بين دول الخليج العربي بموقف معلن ومؤيد لسورية بمواجهة " إسرائيل"، وهي الدولة التي سيكون منها أمين عام منظمة المؤتمر الإسلامي  للدورة القادمة التي ستكون برئاسة مصر، يحمل معاني ودلالات خاصة.. وقد يكون مؤشراً على مسار سياسي جديد لا يُبنى فقط على معطيات منها العدوان الصهيوني الأخير، بل يؤسِّس لمسار سياسي عربي جديد حيال سورية، آخذاً بالاعتبار أوضاعاً سياسية معينة في أقطار عربية محددة، تضعها المملكة العربية السعودية ضمن حساباتها الاستراتيجية.

إن المبادرة التي أبداها "الائتلاف" المعارض، بصيغتها الراهنة واشتراطاتها، لا سيما الجذري من تلك الاشتراطات الذي يلغي الشريك أو يشترط إلغاءه، قد لا تجعله شريكاً مقبولاً للنظام في حوار بناء يخرج سورية من الأزمة – الكارثة التي تعاني منها، ذلك لأن النظام لن يقبل شرطاً إلغائياً من هذا القبيل، أي شرطاً يلغيه شريكاً ووجوداً، وقد عبر عن ذلك بوضوح في مواقف صريحة وواضحة ومعلنة، وكرر التعبير عنه مراراً وتكراراً، وهو لا يشعر بأنه مهزوم حتى يقبل بما يملى على المهزومين من شروط.. إنه من بين المأزومين، وكل طرف في الأزمة السورية يشعر بأنه أكثر من مأزوم، ونشعر نحن أبناء الشعب الذين تنهال عليهم المصائب، بأن كلاً منهم يتحمل مسؤولية عنها وفيها.. ولدى النظام الآن أطرافٌ من المعارضة، في الداخل والخارج "تكتلات وأحزاب وعشائر وشخصيات.. إلخ" تُقبل على الحوار في مؤتمر وطني عام يضع ميثاقاً مؤسِّساً لمراحل تلي مرحلة الاستفتاء الشعبي عليه، وهو مؤتمر تعمل الحكومة على عقده بسرعة وجدية مما يبدو من قرارات ومتابعات واتصالات وتسهيلات، وينتج عن الميثاق المستَفتى عليه بعد إنجازه وإقراره من الشعب، حكومة انتقالية ودستور تضعه هيئة تأسيسية ويُطرح للاستفتاء عليه، ثم انتخابات نيابية تأتي بحكومة استقرار تعالج ملفات الأزمة كافة وكل الملفات العالقة منذ زمن طويل، لتقوم مصالحة عميقة الجذور والأصول في الأنفس وراسخة بين أبناء الشعب.. ومن ثم فإن جهد الدول والأطراف التي تتواصل مع النظام والمعارضة، وتتواصل معه ومع الائتلاف بصورة خاصة، بهدف تقريب وجهات النظر، لا بد من أن تزيل الجذريَّ والإلغائيَّ والمتشنج من الاشتراطات والتصريحات، وتعمل على تنازل من الطرفين المشار إليهما خاصة ومن الأطراف المعنية كافة، في أمور تبقيهم شركاء إلى جانب شركاء آخرين من أبناء الشعب لا يتم الحديث عنهم وهم الأكثرية المطلقة المتضررة مما حدث ويحدث التي ضاقت بكل شيء.. وهم الأكثر التي لا ينبغي الاستهانة بها أو جعلها في مرتبة ثانية أو ثالثة، بينما هم الأكثر براءة وجدارة واقتداء وصبراً على ما لم يعد ممكناً الصبر عليه.. هذا إذا أريد لسورية أن تخرج فعلاً من الأزمة، وتفضي بها الأمور إلى الاتفاق، ووقف للعنف الدامي، وقضاء على بؤر الاقتتال والحقد والثأرية المقيتة، والتخلص من جو الفتنة ذي الشعب والشعاب، لتصل إلى المصالحة الوطنية بروح المواطنة الحريصة على الدولة والشعب والوطن والمواطن والعدل والحرية والقانون.

وإن البداية الموفقة لذلك المسار، والوصول إلى النجاح المنشود من وراء السير فيه، ملقاة على عاتق كل طرف معني بالأزمة السورية ذات الأبعاد العربية والإقليمية والدولية، سواء أكان ذلك الطرف سورياً أم عربياً أم إسلامياً أم دولياً.. فعندما يهدف كلٌ من أولئك إلى تحقيق هدف الحل والوصول إلى الأمن والسلم والعدل بإخلاص وموضوعية، معتمداً على العقل والحكمة والضمير ومصلحة الشعب، معلياً الحياة البشرية على المصالح الذاتية، والسلم والأمن على الاستراتيجيات التوسعية ونزوات النفوذ والحكم والتسلط، وعلى النعرات المريضة من أي نوع.. فإنه يصل ويوصِل سواه إلى المناخ والطريق والحل والهدف من دون خسائرتذكر، أو بأقل الخسائر وأدنى أشكال المعاناة البشرية إيلاماً..

فهل لنا أن نتطلع إلى المعنيين بحل الأزمة السورية بأمل، ونعلق أهمية على الأبعاد العقلانية والإنسانية في حل أزمة خربت بلداً، وأنهكت شعباً، وأصابت الأبرياء خاصة من الأطفال والنساء والشيوخ بأفدح الأضرار ، وأضرت بكرامة شعب وسمعته ونسيجه الاجتماعي وثقافته وحضارته؟ إننا نرجو ذلك ولن نفقد الأمل.