خبر الجيش المصري وخطر انهيار الدولة ..محمد السعيد إدريس

الساعة 11:55 ص|02 فبراير 2013

في السنوات القليلة الأخيرة التي عاشتها مصر، وخاصة منذ ظهور دعوة التغيير ابتداء من نهاية العام 2004 عندما رفعت حركة “كفاية” شعارها الشهير: “لا للتمديد . . لا للتوريث” أي رفض التجديد للرئيس السابق حسني مبارك أو توريث ابنه جمال، كان “لغز” موقف الجيش من أية أحداث مهمة تشهدها البلاد، وبالتحديد موقفه من مساعي مبارك ونظامه توريث ابنه الحكم، هو السؤال الصعب ليس فقط بالنسبة إلى القوى السياسية المصرية الساعية إلى إسقاط مخطط التوريث، بل أيضاً عند جماعة جمال مبارك نفسه، أي عند الدائرة الضيقة جداً القريبة من “الوريث المنتظر”، لكن البيان الصادر عن المجلس الأعلى للقوات المسلحة يوم 2 فبراير/شباط 2011 الذي أعلن انحياز الجيش إلى الشعب في أوج تفاعلات ثورة 25 يناير/كانون الثاني حسم موقف الجيش وفك طلاسم اللغز، وأكد أن الجيش مع الشعب وإرادته في إسقاط النظام، وليس مع الرئيس أو ابنه أو نظامه .

وإذا كان المجلس الأعلى للقوات المسلحة قد حسم موقفه من الثورة في ذلك الوقت العصيب، فإن الشعب، هو الآخر، وضع جيشه في الموقف الذي يستحقه وبجدارة، وضعه في قلوب وأعين كل المصريين الذين استقبلوا نزول دبابات الجيش إلى الشوارع بالورود، وبادلهم الجيش المشاعر إياها، لكن الأخطاء الجسيمة التي ارتكبها المجلس الأعلى للقوات المسلحة في إدارة البلاد، وانسياقه وراء مطالب قادة “جماعة الإخوان”، وعلى الأخص وضع إعلان دستوري على هوى هذه الجماعة وأطماعها في السلطة، أدى إلى تشويش الموقف من الجيش . الآن وبعد أن تمكن الرئيس المنتخب محمد مرسي من تسريح معظم أعضاء المجلس العسكري وفرض قيادة جديدة للجيش، وتعيين قادة جدد في مواقع المجلس العسكري، وتكريم وتحصين قادة المجلس العسكري السابق وحمايتهم من الملاحقة القانونية بتهمة قتل الثوار في شارعي “قصر العيني” ومحمد محمود وسط القاهرة، تجدّد “لغز” الجيش مرة أخرى وعلاقته بالسلطة الجديدة، وعن صفقات يقال إنها أبرمت بين الرئيس مرسي وكل من قادة المجلس العسكري القديم والقيادة العسكرية الجديدة .

هذا “اللغز” أخذ يفرض سؤالاً: الجيش مع من، مع الإخوان والرئيس أم مع الشعب؟ خصوصاً بعد تفاقم الأوضاع بشكل متسارع منذ يوم الجمعة 25 يناير/كانون الثاني 2013 الذكرى الثانية للثورة، ويوم السبت 26 يناير الماضي بعد إعلان محكمة جنايات بورسعيد بتحويل 21 متهماً بقتل مشجعي النادي الأهلي في ما عرف ب “مجزرة بورسعيد” وسقوط أكثر من 40 قتيلاً من  جراء المظاهرات التي اندلعت في بورسعيد رفضاً لهذا الحكم، وسقوط قتلى ومئات الجرحى في مظاهرات الدعوة إلى إسقاط “حكم الإخوان” في السويس والقاهرة والكثير من عواصم المحافظات المصرية، ثم تحدي أبناء الشعب المصري في بورسعيد والإسماعيلية والسويس (محافظات قناة السويس)، قرار رئيس الجمهورية إعلان حالة الطوارئ وحظر التجوال في المدن الثلاث ابتداء من التاسعة مساء وحتى السادسة صباحاً ولمدة شهر ابتداء من مساء الأحد 27 يناير الماضي . فقد كان مساء الاثنين الماضي في المدن الثلاث مغايراً لكل مساء، فبينما تحدى أبناء الإسماعيلية قرار حظر التجوال بخروج العائلات إلى الحدائق والمتنزهات وإجراء مباريات كرة قدم بين الشباب، خرج الآلاف من أبناء بورسعيد والسويس في مظاهرات حاشدة تطالب بإسقاط “حكم المرشد”، وإسقاط النظام .

سؤال: ما هو موقف الجيش، والأحداث تتطور وتتسارع والخطر يتهدّد البلاد حسب رؤية النظام، بينما يرى المعارضون أن ما يحدث هو تجديد لثورة لم تحقق أهدافها أو لثورة جرت سرقتها من جماعة الإخوان المسلمين؟

الواضح حتى الآن أن قيادة الجيش في حالة ارتباك شديد مزدوج، فهي في حالة ارتباك بالنسبة إلى قراءة وتحديد طبيعة ما تشهده مصر الآن، هل هي عمليات تمرد وتخريب ضد النظام والدولة، أو انتفاضة شعبية جديدة قد تتطور بالأحداث المتلاحقة إلى عودة مجددة لمناخات الثورة إذا لقيت قبولاً ودعماً شعبياً يوازي ما حدث أيام ثورة 25 يناير؟

وهي في حالة ارتباك حول الموقف الذي يجب أن تتخذه إزاء هذه الأحداث مع تفاقم المخاطر الحقيقية على الأمن والاستقرار في ظل تفشي العنف المتبادل بين قوات الأمن والمتظاهرين، مع دخول أطراف جديدة في معادلة الصراع أبرزها جماعة ما تمسى ب “الكتلة السوداء” التي ترفع شعار “مبادلة العنف بالعنف” ضد الدولة، وجماعة ما يسمى ب “ضباط الشرطة الأحرار” التي أصدرت ثلاثة بيانات تدعو فيها ضباط الشرطة إلى عدم المشاركة في ضرب المتظاهرين والعودة بمدرعاتهم في كل المحافظات إلى المعسكرات، والالتزام بحماية الشعب والتركيز على حماية مديريات وأقسام الأمن والشرطة، وأكدوا أنهم موجودون في كل إدارات وزارة الداخلية، وأنهم سيعلنون عن أنفسهم في الوقت المناسب .

هذا الارتباك واضح الآن من التصريحات التي أدلى بها الفريق أول عبدالفتاح السيسي القائد العام للقوات المسلحة وزير الدفاع في لقاء حضره كبار قادة القوات المسلحة مع طلاب الكلية الحربية، وهي التصريحات التي ركز فيها على ضرورة مواجهة المخاطر التي تمثل “تهديداً حقيقياً لأمن مصر وتماسك الدولة”، وأن “عدم معالجة هذا المشهد من كل الأطراف سيؤدي إلى عواقب وخيمة تؤثر في ثبات واستقرار الوطن”، وهي أيضاً التصريحات التي رأى فيها أن “استمرار صراع مختلف القوى السياسية واختلافها على إدارة البلاد يؤدي إلى انهيار الدولة ويهدد مستقبل الأجيال القادمة” .

فقائد الجيش لم يسم الأشياء بمسمياتها عندما يعدّ ما يحدث خروجاً على الالتزام بالأمن والاستقرار في البلاد، ويقصد التظاهرات والاشتباكات من دون أن يتحدث عن الرئيس وجماعته وحكومته وقوات الأمن كطرف آخر مسؤول عما يحدث، كما أنه عندما يحمّل كل القوى السياسية المسؤولية فإنه يستثني الرئيس كمسؤول أول عن الأزمة والدماء التي تسيل والقرارات الخاطئة والمعالجة الأمنية، واستخدام لغة تهديد لم تعد مقبولة شعبياً منذ أن أسقط الشعب النظام السابق، لكن الارتباك الحقيقي يتكشف في عجز قيادة الجيش عن إدراك دورها والوعي به عكس القيادة العسكرية السابقة عندما انحازت إلى الشعب ضد الرئيس وضد ما كان يسمى ب “الشرعية”، وهو ما يتردد الآن على ألسنة “الإخوان” الذين يحذرون من “الفوضى”، كما كان يفعل الحزب الوطني المنحل، ويطالبون ب “حماية الشرعية” أيضاً كما كان يفعل الرئيس السابق وحزبه المنحل . فقد تحدث قائد الجيش عن أن القوات المسلحة “تواجه إشكالية خطرة تتمثل في كيفية المزج بين عدم مواجهة المواطنين وحقهم في التظاهر، وبين حماية وتأمين المنشآت الوطنية الحيوية وهو ما يتطلب سلمية التظاهرات” .

الحديث عن هذه الإسشكالية تؤكد الارتباك من ناحية، لكنها، وهذا هو الأهم، إن لم تكن تكشف انحيازاً من الجيش، أو قيادته إلى الرئيس وجماعته التي يحكم مصر باسمها ضد الشعب، فإنها تكشف عن حيادية سلبية حاول قائد الجيش تجميلها بإعلانه أن “جيش مصر سيظل هو الكتلة الصلبة المتماسكة، وجيش كل المصريين بكل طوائفهم وانتماءاتهم”، من دون أن يشير إلى أن الرئيس لم يحترم مبادرة الجيش منذ نحو شهرين لعقد لقاء وطني يجمع كل رموز القوى السياسية مع الرئيس، وأفشل بإرادته محاولة من الجيش لإنقاذ الموقف، ومتناسياً أن القيادة السابقة للجيش المصري انحازت إلى الشعب اعتراضاً على مسؤولية مبارك ونظامه وأمنه عن قتل المتظاهرين، في حين أن القيادة الحالية مازالت صامتة على ما يجري من عمليات قتل ضد المتظاهرين، وهي جريمة لا تسقط بالتقادم، كما أن الصمت عليها لا ينسى هو الآخر بالتقادم.