خبر علبة المبادرات مليئة -هآرتس

الساعة 11:50 ص|31 يناير 2013

علبة المبادرات مليئة -هآرتس

بقلم: ايلي فوده

بروفيسور في دائرة الدراسات الاسلامية والشرق الاوسط في الجامعة العبرية

        (المضمون: لا توجد تسوية سياسية ليس لانعدام المبادرات او للفجوات الواسعة في المواقف بين الطرفين بل لانعدام الارادة السياسية - المصدر).

        شلومو أفنري في مقاله عن الاخفاقات¬ السياسية منذ التوقيع على اتفاقات اوسلو ("بدون أوهام"، "هآرتس"، 11/1)، يقدر بان الاطراف لم تتوصل الى اتفاق بينها لان الفجوات في المواضيع الجوهرية بقيت عميقة جدا. وينتهي المقال بالاستنتاج بان "النزاعات الوطنية لا تحل بين ليلة وضحاها بعد عشر سنوات من التجربة دون نجاح، يجب التفكير من خارج العلبة وعدم الوقوع في الاوهام".

        باحثان اسرائيليا، هنري فيشمان وافرايم لفي، درسا فوجدا بانه في السنوات العشرة منذ العام 2000 نشر ما لا يقل عن 17 (!) مبادرة مختلفة في سياق المسيرة السلمية.  وهذا العدد لا يتضمن مؤتمر كامب ديفيد في 2000 والمفاوضات التي جرت بين ايهود اولمرت ومحمود عباس في 2008. ست مبادرات حاولت اقتراح تسوية كاملة – صيغة كلينتون، مبادرة السلام العربية، خريطة الطريق، مبادرة ايالون – نسيبة، مبادرة جنيف وصيغة انابوليس – اما الباقي فكانت خططا لتسوية محدودة، خططا احادية الجانب (مثل خطة فك الارتباط عن غزة لاريئيل شارون) وخططا لادارة النزاع فقط.

        وخلافا لافنري، ادعي ان طاولة المبادرات لحل النزاع توشك على الانهيار من كثرة الافكار التي طرحت على مدى السنين. المشكلة ليست في قلة الافكار او في الحاجة الى التفكير من خارج العلبة، بل في الارادة والاستعداد لحل النزاع.

        ادعاء أفنري بان الفجوات بين مواقف الاطراف في المواضيع الجوهرية عميقة لا يجد له سندا في الشهادات التاريخية والمحاضر التي سربت لشبكة "الجزيرة". فهذه المصادر تظهر بانه في موضوع الحدود تحدث العرض الاسرائيلي عن ضم 6.3 في المائة من اراضي الضفة مقابل تعويض الفلسطينيين بـ 5.5 في المائة، بينما تحدث العرض الفلسطيني عن ضم 1.9 في المائة من الضفة مقابل تعويض مشابه من ناحية حجم ونوعية الارض. وهذه الارض يفترض أن تضم تقريبا 70 في المائة من المستوطنين في يهودا والسامرة. الفجوة في المواقف بين الطرفين في موضوع الحدود كانت بالتالي نحو 4 في المائة. لا غرو إذن أنه في احدى الجلسات قالت تسيبي لفني لابو علاء ان "الفجوة ليست واسعة. يدور الحديث عن 350 – 450 كيلو متر مربع فقط. الاجيال القادمة ستتهمنا ولن تغفر لنا ابدا اذا ما أضعنا الفرصة".

        في مسألة الامن كانت تفاهمات في أن تكون الدولة الفلسطينية مجردة من السلاح، ان تقام محطات انذار مبكر وان يكون تواجد عسكري على طول نهر الاردن لقوة غير اسرائيلية. وفي موضوع القدس ايضا كان هناك تقدم ذو مغزى عندما وافق الفلسطينيون على ادراج كل الاحياء اليهودية الجديدة في دولة اسرائيل، باستثناء هار حوما. وبتعبير صائب عريقات، "فاننا اتفقنا على اكبر قدس في التاريخ اليهودي". مسألة التقسيم والسيادة في البلدة القديمة لم يتفق عليها، ولكن اولمرت كرر عرض كلينتون في تقسيم الحارات، واضاف بالنسبة للحوض المقدس ادارة مشتركة لهيئة تتشكل من مندوبين من الولايات المتحدة، اسرائيل، فلسطين، الاردن والسعودية. وفي موضوع اللاجئين، تحقق تقدم على مدى السنين سواء في صيغة كلينتون، أم في محادثات طابا أم في عرض اولمرت على عباس، الذي أوضح بان معظم اللاجئين سيستوعبون خارج اسرائيل.

        عشرون سنة مرت منذ التوقيع على اتفاق اوسلو وحل النزاع لا يلوح في الافق. ولكن الفترة التي مرت علمت الطرفين ما هو الخطوط الحمراء لكل واحد منهما. الادعاء الاسرائيلي بانه لا يوجد مع من يمكن الحديث وانه لا يوجد ما يمكن الحديث فيه جاء من جانب اولئك الذين ليس لهم مصلحة في تقدم المسيرة السياسية، وهو يستند الى ان الطرف الثاني رفض فرصتين – صيغة كلينتون وعروض اولمرت.

        وبالفعل، لقد عرض اولمرت عرضا بعيد الاثر، ولكن عباس تلبث في جوابه. يحتمل ان يكون اعتقد بان اولمرت لا يمكنه أن يعطي ما عرضه بسبب وضعه السياسي المتهالك في الداخل؛ او ببساطة ما كان يمكنه أن يأخذ على عاتقه المسؤولية عن هذا القرار المحمل بالمصير. مهما يكن من امر، يبدو أن عباس فوت الفرصة لدفع الحل السياسي الى الامام وهو فهم ذلك جيدا مع انتخاب بنيامين نتنياهو. ولكن اسرائيل هي الاخرى ارتكبت اخطاء في الماضي، حين رفضت مبادرة السادات في 1971، اقتراح بشار الاسد في 1999 ومبادرة السلام العربية في 2002، والتي بقيت على طاولة المباحثات على مدى عقد من الزمان.

        لقد اضاع الطرفان بالتالي الفرص للسلام، ولكن هذه الاخطاء لا ينبغي أن تسد الطريق في وجه المسيرة السياسية او الحاجة الى ايجاد حل يقوم على اساس فكرة الدولتين للشعبين. وفي غياب الحوار مع حماس بالنسبة لغزة، يجب التركيز على الحوار مع السلطة ومع عباس بشأن الضفة الغربية.

        التفكير من خارج العلبة مرحب به، ولكن "علبة المبادرات" في العقدين الاخيرين تتضمن ما يكفي من الافكار الابداعية. الحكومة التي ستقوم قريبا ملزمة بان تخرج بمبادرة سلام سياسية بعيدة الاثر، تكون مستندة الى التفاهمات والتوافقات التي سبق ان تحققت. والتقدير السياسي الواعي لا يعطي املا كبيرا لمثل هذه الخطوة، ولكن براك اوباما في ولايته الثانية (والاخيرة) ونتنياهو في ولايته الثالثة (والاخيرة؟) قد يرغبان مع ذلك في أن يتركا اثرهما على التاريخ. في إعادة صياغة لاقوال هرتسل، "ان شئتم – فلن يكون هذا وهما".