خبر من 'تورا بورا' إلى رمال مالي ..أيمن خالد

الساعة 08:59 ص|25 يناير 2013

تخلى الأوروبيون عن الأمريكان في معركة أفغانستان تحت وطأة الضغط الشعبي وثقل الأزمة الاقتصادية الخانقة وعادوا إلى بيوتهم بعد ثقب اليونان وإسبانيا، وبقي الجنود الأمريكان يحملون أعباء السياسيين وأوزار الحرب. كان ذلك هو الفصل الأخير في نتائج تجربة بوش الرئيس السابق، وأما جديد الأمريكان فيما يتعلق بالحرب على الإرهاب، فهو أكبر من مسألة الدعوة لتحالف دولي ضد الإرهاب وعقد مؤتمرات بغية إقناع الدول بالمشاركة وغير ذلك. بالضبط هو زج مباشر للقارة الأوروبية بمجملها في التعبئة يضاف اليهم عرب دول الصحراء وبقية جيوش القارة الأوربية وأمراء الحرب المتهالكين بغية الانضواء تحت مظلة تقودها أمريكا، عنوان هذه المظلة الحرب على القاعدة أو الإرهاب، وفي الواقع هي مجرد مظلة تعيد من خلالها أمريكا موقعها الذي تضرر في الفترة الماضية في إدارة الملفات في مختلف دول المنطقة.
باختصار هي حرب لا تعتبر في جانبها الميداني حرباً حقيقية، هذه الحرب هي اقرب الى الاستعراض تم خلال الاشهر الماضية تضخيم خطر القاعدة حتى تبدو بأنها أسطورة تورا بورا والصحراء، والتي على العالم ابقائها محصورة وراء الرمال. قد تكون هذه هي الصبغة السياسية المعروفة على الواجهة، ولكن ما وراء الحدث، يستفيد الأمريكان كثيرا، ولهم عالمهم الخاص الذي يستمرون بصناعته من خلال أصحاب الجيوش والعروش في المنطقة.
هي فرصة لفرض قوانين اللعبة السياسية والاقتصادية على مختلف قوى القارة الافريقية وايضا مخلفاتها من الجيوش البائسة التي اشتركت في حروب طويلة وبقصد اعادة تكوين عسكري جديد، فالجيوش التي ستشارك في حروب القارة تحت المظلة الامريكية او الاوربية، هي الاقرب الى اعادة تسلم السلطات في بلادها، فالجنرال العائد من الحرب بعد انتهائها سيصبح رئيسا في بلاده وسيكون موثوقا لدى الامريكان.
سيستفيد الغرب بمجمله من حروب القارة ضد القاعدة لأن تخويف الزعماء من خطر القاعدة له فوائده، فالأموال التي كانوا يسرقونها من شعوبهم وينقفونها على ترفهم ستكون مفيدة في شراء الاسلحة، واما الاستثمارات الاقتصادية فهي ايضا غاية في الاهمية لأن انتشار الجيوش في مناطق الصحراء الغربية سيكون بمثابة انتشار اقتصادي يقوم على اساس بناء محميات اقتصادية محمية بقدرات عسكرية متطورة وهذه بالطبع مجرد مستعمرات نظامية مشروعة ومحمية بقوات متعددة الجنسيات وبشهادة الامم المتحدة وفوق ذلك محميات اقتصادية في اراضي بكر، ولا يمكن ان تحميها جيوش الدول المضيفة بدون قوة اجنبية، وهنا نشير الى اشارة استفهام خطيرة، فلماذا بنفس التوقيت تمت قصة الرهائن في الجزائر، وهل هناك لعبة امنية واختراق لعقل القاعدة لتوجيهها لصناعة مبررات مستعمرات المستقبل؟.
أنا لا اشكك في تنظيم القاعدة الذي بناه الشيخ اسامة بن لادن، ونحن نلوم الامريكان على استجرارهم للرجل للحرب ضدهم وما خلفه ذلك من كوارث على عموم المنطقة، لكننا معنيون بوضع بعض الملاحظات التي تبدو مريبة، فالقاعدة في الصحراء الغربية لا تختلف عنها في الصومال او اليمن، فهي مجرد نمر من ورق، والاف الجنود الفقراء الذين يلتحفون السماء والطارق، ويأكلون من خشاش الارض، ويحملون السلاح ويحلمون فقط، وهم موجودون كأفراد بمنطق الضرورة الذي املاه عليهم واقع البؤس في بلادهم، لذلك هم ليسوا اسطورة في الحرب، وهم اقوياء في مالي هذه الايام لأن مالي بلا جيش مقاتل في ظل فلسفة السلطة التي تأكل القارة الافريقية وغيرها من دول العالم.
القاعدة لا تستطيع ان تكون دولة ولا امة ولا تستطيع ان تكون سلطة ولا حكومة ولا غير ذلك والامريكان يعرفون هذا جيدا، فهي مجرد تكوين غير متجانس يحمل فكرة رافضة ولا يملك استراتيجية بناء. هو أمة من الرحيل، وحتى هي أي القاعدة لا تعرف ولا تبحث عن الانتصار كما يتوهم كثيرون.
الالمان الذين خاضوا الحرب العالمية الثانية لم يهزموا الامريكان لكنهم وكذلك اليابان تحولوا الى قوى عظمى بإعادة فهمهم لقوانين الصراع، فليس صحيحا اننا معنيون بهدم الدول الغربية حتى نتمكن من النهوض، فهناك حروب يكون فيها القتال حتى النفس الاخير ضرورة لا بد منها، وما بين القاعدة وامريكا هي حرب لا جدوى منها لأنها لم تخلق واقعا سياسيا داخل امريكا او داخل الغرب ولم تخلق عقلا سياسيا داخل الغرب يعمل ضد فكرة الحرب، وهو أصلٌ في كل من يريد ان يحارب لكي ينتصر في حربه، فكل حروب القاعدة بعيدة عن الانتصار، فما تتوهمه القاعدة يستفيد منه الغرب، وما تفعله من عمل غير مدروس يصب في خدمته، فاذا كانت القاعدة حريصة على التغيير فيجب ان يكون لكل خطوة عسكرية الاهداف السياسية المرجوة داخل تلك الدول، فالأمم لا تنهار بفقدانها الالاف من جنودها، ولكنها تتغير بتغيير برامجها وافكارها ورؤاها السياسية، فلا فرق بين كهوف تورا بورا ورمال مالي فدولة طالبان القادمة التي ستأخذها من امريكا هي دولة من الانقاض تتقاذفها الصراعات. وما ستأتي به القاعدة مجرد صومال في كل بقعة تجلس فيها، فعموم الناس لم يُخلقوا محاربين ولا يحتملون أوزار الحرب.
ما أسهل صناعة الحرب واستجرار القوى العظمى، وما أصعب أن نطعم الناس الخبز فقط، كما في الصومال واليمن غيرها من تجارب الحروب الخاسرة.

' كاتب فلسطيني