خبر الانتخابات الإسرائيلية: دلالات لسياسة الولايات المتحدة ..ديفيد ماكوفسكي

الساعة 10:40 ص|22 يناير 2013

يتوجه الإسرائيليون في 22 كانون الثاني/يناير إلى صناديق الاقتراع لاختيار تشكيلة الهيئة التشريعية القادمة. وحتى الآن كان الموسم الانتخابي غير عادي إلى حد ما، حيث تحاشت الحملات الانتخابية بيان أجندة سياسية واضحة ويبدو أن النتيجة الإجمالية أصبحت محتومة منذ البداية. غير أن السباق الانتخابي وتبعاته المحتملة يوفران رؤى هامة حول الطريقة التي ستتعامل بها إسرائيل مع مسألتين جوهريتين للمصالح الأمريكية في عام 2013 هما: المأزق المستمر مع الفلسطينيين والنزاع النووي مع إيران.

فوز نتنياهو بسباق خافت

منذ بدء الحملة الانتخابية في تشرين الأول/أكتوبر المنصرم، لوحظ باستمرار وجود اتجاهان رئيسيان. أولاً، لم يكن هناك أي شك حول استطلاعات الرأي التي تظهر تفوق رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو على غيره من المنافسين. وقدمت العديد من المصادر توقعات مماثلة بشكل ملحوظ، حيث تشير التقديرات إلى أن الأحزاب اليمينية ستفوز ما بين 63 إلى 68 مقعداً من مقاعد الكنيست البالغ عددها 120، بينما ستحصل أحزاب "الوسط واليسار" على النسبة المتبقية. (الفجوة بين كتل اليمين من جهة و "الوسط واليسار" من جهة أخرى هو أوسع عندما يلاحظ المرء بأن المرشحين من عرب اسرائيل -- الذين من المتوقع أن يفوزوا بـ 11 مقعداً على الأقل --  قد رفضوا أو لم يُطلب منهم في الماضي الانضمام إلى تحالفات "الوسط واليسار"). وعلى الرغم من أن هاتين الكتلتين قد شهدتا بعض السيولة الداخلية، إلا أن التوقعات الإجمالية حول عدد المقاعد التي ستفوز بها لا تكاد تتغير. وهذا الاتجاه يضمن عملياً أن نتنياهو سوف يبقى رئيساً للوزراء، حتى إذا فقدت قائمته "الليكود- بيتنا" ما بين 7 إلى 9 مقاعد لصالح قائمة "البيت اليهودي" الأكثر يمينية.

ثانياً، غاب عن الحملة الانتخابية التركيز على سياسة متفق عليها، حيث تتمسك الأحزاب بالقضايا الخاصة بها (على سبيل المثال، عدم المساواة في الدخل، وتجنيد عسكري لليهود المتشددين ["الطائفة الحريدية"] والتعليم) بدلاً من مناقشة جدول أعمال مشترك. وهذا أمر غير معتاد وجديد على الانتخابات الإسرائيلية. ومما يدعو للدهشة أن نتنياهو تجنب مناقشة قضايا الساعة الكبرى بأي شيء يذكر من التفصيل، حيث اختار بفاعلية عدم السعي إلى الحصول على تفويض شعبي بشأنها. ويشمل ذلك الصعوبة التي تلوح في الأفق بشأن المسألة النووية الإيرانية، وهي قضية تمثل أهمية كبيرة لنتنياهو منذ فترة طويلة. وعلى وجه التحديد، تجنب رئيس الوزراء الإسرائيلي إلى حد كبير -- جنباً إلى جنب مع معظم المرشحين الآخرين -- الإجابة على الأسئلة التالية: ما الذي ستفعله إسرائيل لو أخفقت الدبلوماسية التي تقودها الولايات المتحدة مع طهران ولم تتخذ واشنطن أي إجراءات؛ ما الذي قد يحدث لإسرائيل لو أنها لم تستأنف محادثات السلام مع الفلسطينيين؛ ما الذي يعني نزاع غزة من تشرين الثاني/نوفمبر لأمن إسرائيل؛ وما الذي يخفيه المستقبل للعلاقات مع مصر في ضوء صعود جماعة «الإخوان المسلمين» إلى السلطة؟

لقد بدا واضحاً أن نتنياهو عاقد العزم على الابتعاد عن هذه القضايا خوفاً من تنفير كل من دوائره الانتخابية في الداخل والحكومات في الخارج قبل الانتخابات. ويُرجح أن يأمل رئيس الوزراء الإسرائيلي أيضاً في الحفاظ على المرونة التكتيكية للمفاوضات عقب الانتخابات التي ستكون بالغة الأهمية وتقرر تشكيلة الحكومة القادمة. بيد أن الأمر الأجدر بالملاحظة هو أن الجمهور لم يُرغمه أو يرغم المرشحين الآخرين على اتخاذ موقف حول هذه القضايا.

التحوّل إلى اليمين فيما يخص القضايا الفلسطينية

على الرغم من المناقشات السياسية الخافتة المصاحبة للحملة الانتخابية، إلا أن النتائج المتوقعة تعكس اتجاهاً شهد نمواً كبيراً في السنوات الأخيرة، وهو: تحوّل الإسرائيليين إلى اليمين عند تقييم احتمالات السلام مع الفلسطينيين. فمن ناحية، تشير الدراسات إلى أن 59 في المائة من الإسرائيليين لا يزالون يرغبون في حل الدولتين، بما في ذلك 52 في المائة من ناخبي "الليكود". وعلاوة على ذلك، يرى 70 في المائة أن بقاء إسرائيل كدولة يهودية هو الأمر الأكثر أهمية، حتى لو لزم الأمر المشاركة في الأرض. ومن ناحية أخرى، يرى الجمهور أيضاً أن مفاوضات السلام معدة للفشل في ظل الأجواء الراهنة، ولأسباب غير ذات صلة بإسرائيل.

وعلى الرغم من أن هذا الانقسام بين الرغبة والجدوى يمنح بعض الأمل حول إمكانية تغير الاتجاهات، إلا أن التبعات السياسية جلية للعيان. ففي استطلاع أُجري خلال كانون الأول/ديسمبر، تحت رعاية "مؤشر السلام في جامعة تل أبيب" -- الذي بدأ بقياس المواقف الإسرائيلية بشأن المفاوضات منذ أوائل التسعينيات -- قال 61 في المائة من جميع المشاركين (و 67 في المائة من اليهود) إن عدم إحراز تقدم في محادثات السلام "ليس له علاقة بإسرائيل"، وأنه "لا توجد فرصة لإحراز تقدم في المستقبل المنظور". وعندما سؤلوا عن توجهاتهم السياسية، قال 55 في المائة من أفراد العينة اليهودية إنهم يمينيين، مقارنة بـ 21 في المائة وسطيين و17 في المائة يساريين. وبالإضافة إلى ذلك، قال 50 في المائة ممن شملهم الاستطلاع إنه ينبغي على إسرائيل أن تنتهج مسار نتنياهو حتى لو كان ذلك يعني المواجهة مع الولايات المتحدة.

كما أن التغيرات داخل تكتل "الوسط واليسار" تعزز هذا الاتجاه. على سبيل المثال، إن أكبر مكون في هذا التكتل -- حزب العمل الذي يتوقع فوزه  بـ 18 مقعداً -- أعاد صياغة صورته بشكل حاد بعيداً عن كونه إحدى فصائل السلام. وبدلاً من ذلك، ركز على عدم المساواة في الدخل في محاولة لجذب حركة الاحتجاج الداخلية التي بدأت في صيف 2011. وربما تكون هذه هي الوسيلة الوحيدة التي يستطيع من خلالها التكتل ككل الحفاظ على حصيلته من المقاعد في الكنيست، لا سيما وأن استطلاعات الرأي تظهر أن المشاكل الاجتماعية والاقتصادية هي المسألة الرئيسية في أذهان الناخبين. وقد ذهبت زعيمة حزب العمل، المضيفة الحوارية السابقة شيلي يحيموفيتش، إلى أقصى حد لتجنب الارتباط بأي من قضايا السياسة الخارجية، وهو خروج لافت للنظر لحزب كان يقوده سابقاً ديفيد بن غوريون، اسحق رابين، شمعون بيرس وايهود باراك. وعلى نحو مماثل، فإن يائير لابيد، الذي يرأس حزباً جديداً صاعداً يركز على دعم الطبقة الوسطى وتجنيد اليهود المتشددين ["الطائفة الحريدية"]، لا يرغب هو الآخر في الارتباط بقضية السلام. ومثله مثل يحيموفيتش، رفض الانضمام الى تسيبي ليفني التي ترأس حزب ["الحركة"] الموالي لعملية السلام.

وفي مؤشر آخر على الانحراف نحو اليمين، يلاحظ أن نتنياهو هو الوحيد من بين مرشحي "الليكود- بيتنا" الذي يعرب عن دعمه للدولة الفلسطينية. وبالفعل، لقد أدت الانتخابات الأولية لحزب "الليكود" إلى الإطاحة بمعتدلين نسبيين مثل دان مريدور وميخائيل ايتان وبيني بيغن، وجميعهم أكثر حكمة واعتدالاً بشأن قضايا مثل استخدام القوة. وعلاوة على ذلك، من غير الواضح ما إذا كان الناخبون الذين أقصوهم سوف يختارون الليكود في الانتخابات العامة أو حزب أكثر منه يمينية.

ومن المتوقع أن تحقق إحدى هذه الأحزاب اليمينية -- "البيت اليهودي" الوطني المتدين -- صعوداً نيزكياً ويرتفع بعدد مقاعده من ثلاثة في عام 2009 إلى ما يصل إلى خمسة عشر مقعداً في انتخابات يوم الثلاثاء هذا الأسبوع. وهذا الحزب هو أول فصيل إسرائيلي كبير يدعو علانية إلى ضم 60 بالمائة من أراضي الضفة الغربية. كما أن زعيمه، رجل الأعمال نفتالي بينيت، كان الشخصية السياسية البارزة الوحيدة التي انتقدت نتنياهو لعدم شنه حرباً برية على غزة في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي. ووفقاً لبينيت، تحتاج إسرائيل إلى استئصال شأفة «حماس» وتجريدها من الأرض، وقد أدى ذلك إلى تضاعف أعداد التأييد للحزب تقريباً منذ إعرابه عن ذلك النقد.

كما يمكن تتبع صعود الحزب إلى رغبة طويلة الأجل بين الصهاينة الدينيين في عيش الحياة التي يعيشها أفراد الطبقة الوسطى، سواء كان ذلك داخل الضواحي الإسرائيلية أو في مستوطنات الضفة الغربية. إن خلفية بينيت -- مليونير يعمل في قطاع التقنية الحديثة ويسكن مدينة رعنانا الأنيقة وهو ضابط سابق في الصاعقة ضمن قوات النخبة -- جعلته مصدراً للمحاكاة بين الصهاينة المتدينين الذين يقدرون النجاح المهني وتقديم الخدمات إلى الدولة على أساس الوعي اليهودي التاريخي. وهذه اللمحة عن حياته تجذب العلمانيين الإسرائيليين أيضاً، وبينيت هو أول زعيم حزب ديني يضع مرشحاً علمانياً على قائمته.

الأساس المنطقي لتغيير المواقف

يعكس التحول الإسرائيلي بشأن القضية الفلسطينية قيام عوامل عديدة. أولاً، لقد تداعت معادلة "الأرض مقابل السلام" التي كانت قائمة منذ فترة طويلة، حيث تتعرض إسرائيل بشكل متكرر للضرب بصواريخ تُطلق من أراض انسحبت منها في الماضي (مثل وابل الصواريخ الذي أطلقه «حزب الله» من لبنان عام 2006؛ ووابل الصواريخ الآخر من قطاع غزة في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي). ورغم أن بعض النقاد قد يثيرون التساؤلات حول درجة انسحابات إسرائيل، إلا أن التبعات واضحة: لقد عملت نيران الصواريخ على تشدد الاتجاهات العامة بشأن إمكانية إرساء السلام وأدت إلى تعزيز [أحزاب] اليمين.

ثانياً، في ضوء صعود الإسلام السياسي في أعقاب "الربيع العربي"، يرى العديد من الإسرائيليين أن المعتدلين الفلسطينيين لن يكونوا قادرين على وقف الموجة المتشددة وسوف تجتاحهم «حماس» في النهاية، كما حدث في غزة في السنوات الماضية. كما يرى الكثيرون أن رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس لا يرغب في التفاوض معهم، لكنه يسعى بدلاً من ذلك إلى استخدام الأمم المتحدة ضد إسرائيل. وقد صرّح عباس منذ فترة طويلة بأنه سوف يتفاوض لو أوقف نتنياهو بناء المستوطنات، لكن هذا التوجه لا يلقى قبولاً في إسرائيل.

ثالثاً، يرى الإسرائيليون أن الأمم المتحدة فقدت المزيد من السلطة الأخلاقية بإدانتها الإسرائيليين على بناء شقق في القدس الشرقية فيما ترفض إلقاء اللوم رسمياً على سوريا لذبحها الآلاف من مواطنيها. وفي حين يرى العديد من المراقبين في خارج البلاد أن إسرائيل أصبحت أكثر عُزلة بسبب سياسات بناء المستوطنات التي ينتهجها نتنياهو، إلا أن رئيس الوزراء لاقى قبولاً بين مواطنيه باتهامه العالم بالنفاق.

ولا ينبغي النظر إلى أي مما سبق على أنه مبرر لواشنطن أو إسرائيل أو الفلسطينيين لعدم اتخاذ أي إجراء بشأن عملية السلام خلال السنوات القادمة. بيد أنه في إطار السعي لتحريك عملية السلام، سيتعين على الأطراف معالجة مشكلة التشكك العام العميق المتأصلة بين الإسرائيليين والفلسطينيين على حد سواء. وعلى وجه الخصوص، يجب على إدارة أوباما أن تأخذ في الاعتبار أن القادة غير الراغبين في المجازفة في كلا الجانبين لن يكون لديهم أي ميل حقيقي لتقديم تنازلات دون قيام دعم شعبي كافٍ.

الدلالات بالنسبة لواشنطن

طوال فترة الحملة الانتخابية تجاهل نتنياهو انتقاد الولايات المتحدة للتدابير الجديدة المتعلقة بإنشاء المستوطنات في محاولة لاستعادة الناخبين الذين يميلون إلى بينيت. وفي ظل تقارير غير مؤكدة بأن أوباما يرى إجراءات نتنياهو بأنها عوامل تدمير ذاتية، عبّر رئيس الوزراء من خلال تصريح علني صارم ومحسوب عن دفاع إسرائيل عن مصالحها القومية بنفسها.

غير أنه من الممكن أن حسابات نتنياهو قد تتغير بمجرد انتهاء الانتخابات. ومع دخوله هو والفصائل المنافسة في عملية المساومات التي ستعقب الانتخابات في الأسابيع المقبلة، فهل سيعمل على تشكيل حكومته بشكل ضيق بحيث لا تشمل سوى الأحزاب اليمينية والدينية، أم أنه سيحاول توسيع نطاق التحالف ليشمل "الوسط واليسار"؟ وهل سيتبع التفضيلات الماضية بتعيين وزير دفاع يلقى الكثير من التقدير في واشنطن؟ -- إذا كان الأمر كذلك، فقد يختار الوزير الحالي إيهود باراك مرة أخرى، على الرغم من أن إسرائيل لم يكن لها قط وزير دفاع لم يعد منتسباً إلى حزب سياسي.  وعلى الجانب الآخر، يستطيع أن يطلب من منافسته ليفني أن تلعب دور "المقرب من واشنطن"، وذلك بتعيينها وزيرة للخارجية مع احتفاظه بالسيطرة على القضية الفلسطينية لنفسه. غير أن ليفني سترغب في الحصول على ضمانات حول جديته حول تلك القضية قبل قبولها المنصب، وقد يخشى نتنياهو من أن تُغضب تلك التعهدات شركاءه في الائتلاف اليميني.

وبطبيعة الحال فإن القضية الأكبر الساخنة بين واشنطن وإسرائيل هذا العام هي إيران. وبناء على ما ورد سالفاً، سوف يحتاج نتنياهو إلى إعطاء الأولوية للعلاقات مع إدارة أوباما في حين يقوم بتشكيل حكومة ذات قاعدة عريضة تستطيع توفير الإجماع اللازم لأي موقف يتبناه في حالة فشل الدبلوماسية الدولية مع طهران. ومن جانبها، تستطيع واشنطن أن تجعل إسرائيل تنظر إلى المفاوضات مع الفلسطينيين على أنها ضمانة ضد أولئك الذين قد يرغبون في إثارة المشاكل في مرحلة حساسة من الأزمة النووية الإيرانية. على سبيل المثال، قد يقوم وزير الخارجية الأمريكية المعين جون كيري بإخبار إسرائيل على انفراد بأن بإمكانها المساعدة على مواصلة المجتمع الدولي تركيزه على إيران وذلك جزئياً عن طريق عمل كل ما في وسعها لإعادة العلاقات مع الفلسطينيين إلى مسارها. وبشكل أوسع نطاقاً، وفي ضوء كل ما هو على المحك بالنسبة لإسرائيل فيما يتعلق بإيران، تستطيع واشنطن أن تحث نتنياهو بهدوء على إقامة ائتلاف يناسب المهمة، وليس وضع مهمة تناسب الائتلاف.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ديفيد ماكوفسكي هو زميل زيغلر المميز ومدير مشروع عملية السلام في الشرق الأوسط في معهد واشنطن.