خبر من يتبع البوم يقوده إلى الخراب ..علي عقلة عرسان

الساعة 08:49 ص|20 يناير 2013

لم يكن يوم الثلاثاء، الخامس عشر من كانون الثاني 2013، يوماً دامياً وحزيناً فقط في حلب خاصة وسورية عامة، بل كان يوماً معدوداً للجريمة الموصوفة والنفاق الدولي، والبؤس الروحي، ولهمجية لا يمكن قبول مرتكبيها في صفوف البشر بَلْهَ تصنيفهم في جملة الأسوياء من الناس بأي مقياس من مقاييس السويَّة: "عقلياً ونفسياً وخُلقياً".. ففي ذلك اليوم الحزين استهدف الإرهاب طلاباً يقدمون امتحاناتهم النصفية في جامعة حلب، ونازحين من بيوتهم يقيمون في مدينتها الجامعية، فاستشهد اثنان وثمانون شخصاً وأصيب مئة واثنان وستون آخرون، بقذيفتين صاروخيتين سقطت الأولى منهما على بناء الوحدة التاسعة في المدينة الجامعية المقابلة لبناء كلية الآداب، وسقطت الثانية بالقرب من المدينة الجامعية في منطقة "دوار العمارة" حيث كلية الهندسة المعمارية.. ورفدت جداول دماء أولئك الأبرياء سواقيَ الدم الجارية في حلب بغزارة منذ أشهر ومن دون توقف.

 ذلك اليوم الحزين هزَّ ضمائر وأعلن عن موت ضمائر، ولم يغير شيئاً في أشخاص ومؤسسات وأجهزة وفضائيات دربت على الكذب والتشويه والتزوير وقلب الحقائق الساطعة رأساً على عقب، ودأبت على الاستهانة بالحقيقة والحياة البشرية.. لم تكن عجلة الموت في سورية متوقفة قبل ذلك اليوم الحزين ولم تتوقف بعده.. ولكنه كان أحد الأيام المفصلية في الحزن والقيمة والدلالة، لأن القتل فيه استهدف بما لا يقبل شكاً في الاستهداف العمد أو عذراً يقبله العقل.. استهدف طلبة يؤدون امتحاناتهم، وترافق ذلك مع حملة تزوير فظيعة لها أمثالها، حملة مست الوجدان بقسوة تضاهي وقع القتل والفتنة. ولا نتكلم هنا عن فعل وسائل إعلام تخندقت منذ زمن الأزمة السورية الأول في مواقع وعبرت مواقف مسبقة، وأصبحت أقوالها وأفعالها تسيل في مسالك حددت لها لتؤدي إلى أهداف معلنة منذ البداية بصرف النظر عن الأثمان والتكاليف المرعبة التي تترتب على السير في طرق تحقيق تلك الأهداف.. فتلك أمور أصبحت معروفة وإعادة مقاربتها تشبه خض الماء الذي مهما خضضته يبقى ماء.. أما مطالبة تلك الجهات بالموضوعية وتقصي الحقيقة ومناصرتها وعرض الآراء والأفعال بعلمية ومنهجية، ليعرف الناس الوقائع ويتخذوا في ضوء المعرفة مواقف.. فذاك فيما يبدو ضرب من المحال على ما فيه من تعد على حق الإنسان في المعرفة واحترام عقله واحترام المواثيق المعلنة لتلك الوسائل التي تحرص في نصوصها على احترام الحقيقة وحقوق الإنسان ومنها حقه في معرفة الحقيقة أو الوقوف على أقرب المسافات منها.. ولكن الصادم بصورة أشد موقف دول ومنظمات تقول بالخيارت السياسية لحل الأزمة السورية وتقوم بكل فعل يغذي الاقتتال ويأخذ بالحل العسكري.. وقد أكد كوفي عنان ذلك بوضوح حيث قال من جنيف، خلال توقيع كتابه الجديد "تدخلات حياة في الحرب والسلام"،: "..إن خطة النقاط الست كان من الممكن أن تكون بداية جدية لحل الأزمة في سورية لكن دولا كثيرة في المنطقة لم تكن جدية وقد خذلتنا، فكانت تعطينا الدعم الكلامي من جهة وترسل السلاح إلى سورية من جهة أخرى.. هذه الدول راهنت على المعارضة وعلى حسمها العسكري على الأرض خلال مدة زمنية معينة، فأطالت أمد المعارك والصراع وغشَّت الشعب السوري.".. لقد فعلوا ذلك وما يزالون، على أمل تحقيق " الانتصار"؟! ولكن أي انتصار؟ ولمن؟ إن كل انتصار لفريق هو هزيمة مؤكدة لسورية وموقفها ومكانتها التي يحمل كل فريق ومن يقف وراءه رايتها ويقتل باسمها.. 

استوقفني أن قالت الناطقة باسم وزارة الخارجية الأميركية نولاند "..إن إدارتها تشعر بالصدمة وهي حزينة" بسبب الهجوم على جامعة حلب، واستوقفني أكثر أن مضت تلك الإدارة في طريق الضلال والتضليل، على الرغم من سطوع ضوء الحقيقة فيما جرى في جامعة حلب التي يسيطر عليها الجيش العربي السوري وقصفت من موقع حي " الليرمون" حيث لا سيطرة له هناك.. فكيف يقصف نفسه ومن مواقع لا يسيطر عليها؟! وكيف يصب حممه على طلاب أتت بهم الدولة التي يأتمر بأوامرها ليقدموا امتحاناتهم في ظل حمايته؟! على أنني لم يدهشني هذا ولا يمكن أن يدهشني أي موقف لأية إدارة أميركية فهي يعميها تاريخ الإجرام الذي ارتكبته وترتكبه بحق دول وشعوب.. تلك دولة إرهاب الدولة والمستثمر في صنوف الإرهاب، وتلك دولة الانحياز الأعمى للعنصرية والصهيونية، وذات الذراع الطويلة في النهب المنظم، وراعي الفوضى ومن ينشرها في العالم، ومزيف الحقوق والحريات والديمقراطية والمتاجر باسمها في عالم بائيس يملك أن يرى ولا يملك أن يرفع عن رقبته السيف..؟!! وكان لافتاً لي وربما لسواي أن يستفز قول الخارجية الأميركية ذاك بلسان نولاند وزير الخارجية الروسية لافروف إلى الحد الذي استخدم في الرد عليه عبارات لا أظن أنه استخدمها من قبل ، وإن كانت مما استخدمته الخارجية الأميركية في مواقف وحالات ومناسبات وصفت فيها مواقف من خالفوها الرأي في قضايا أقرب إلى العدل والسلم والتنوافق مع القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة.. فقد قال لافروف خلال مؤتمر صحفي من العاصمة الطاجيكية دو شنبيه، في مجال الرد على موقف واشنطن من تلك الجريمة التي وقعت ضد الطلاب في جامعة حلب: " شاهدت على شاشة سي ان ان أنهم يقولون إن القوات الحكومية السورية هي التي ارتكبت العمل الإرهابي في مدينة حلب، ولا يمكنني أن أتصور قولاً خالياً من الضمير ويثير الاشمئزاز أكثر من ذلك".

   إننا أمام نماذج من التفكير والتدبير وأحكام القيمة، تتصل بجرائم وأفعال ومواقف في أزمة دامية كلفت سورية وشعبها وما زالت تكلفهما فوق ما يُطاق ويُحتمل، ولا يبدو في الأفق حل يحظى بالدعم الجاد الشامل المتكامل، يوقف الموت والدمار، ويفضي إلى الحل السياسي والأمن والسلم.. ومن بيدهم مفاتيح الحل والربط في هذا الشأن، على الصعُد الدولية والإقليمية والعربية والمحلية، لا يتحركون بجدية ومصداقية واتفاق راسخ من أجل وضع حد لهذه المأساة المروعة، وللفتنة الكبرى التي تزحف ولن تتوقف عند حدود سورية الدولة والشعب، إذا ما استمرت الأمور على هذا المنوال، بل ستتعدى ذلك إلى دول وشعوب في المنطقة، ولن تسلم من شررها المتطاير بلدان أخرى في العالم. لقد تابعنا بتفاؤل اجتماعات ممثليْ الدولتين الأعظم ومعهما الإبراهيمي في جنيف، وعلقنا على افتقاهم أهمية وما زلنا نفعل، ولكن الاختلاف في مواقفهما وأحكامهما على جرائم موصوفة لا يتردد أحد في إدانتها أياً كان فاعلها، لا يبشر بخير لأنه لا ينم عن تفاهم يضع الأقدام على بداية طريق الحل السياسي الذي يقول به الجميع، ويتصرف بعض المعنيين بذلك على نحو يغاير ما يقول ويعلن؟!

ومن أسف أن بعض الدول العربية والإقليمية تمضي في تغذية العنف وتحرض عليه ولا تتردد في دعمه ليستمر، وأن سوريين كثر انخرطوا على نحو ما في الحرب الدائرة على أرض وطنهم وضد أنفسهم، وهناك من يبشر بمراحل جديدة للصراع، ولا تأبه فئات منخرطة في العنف الدامي بمشاريع الحل السياسي ولا تقدم مشاريعها لحل من هذا النوع لأنها لا تريده بل تريد السير في الطرق الدامية حتى النهاية المحددة من قبلها، لا تلك التي ستفرضها الأوضاع القائمة بالعنف وعليه بعد أي قرار لأي طرف بقوف العنف لأنه وصل إلى ما يراه الهدف، لأن الدم يجر الدم، وما يتوالد عن العنف والدامي والإرهاب المستمر لا يمكن التنبؤ بنهايته أو مداه أو نتائجه. وإذا ما نظرنا إلى دول عربية غير منخرطة بصورة حادة في الأزمة السورية نجد أن موقف المتفرج الحزين الذي تتخذه لا يمكن أن يشكل الحد الأدنى المتوقع منها بحكم قرابتها وانتمائها ومسؤوليتها وما قد يصل إليها من شرر النار المستعرة في سورية، فلا هي تقوم بدور واضح مؤثر ملموس في وقف صب الزيت على النار، ولا تسعى لإخماد نار الفتنة التقريب بين الأطراف السورية لتسلك طريق التفاهم، ولا تتخذ موقفاً إيجابياً مسؤولاً من تدخل بعض الدول الغربية الاستعمارية في الموضوع.. ولا تكاد تقوم بأي تحرك من أي نوع ينم عن أنها معنية بشكل ما بما يمليه واجب العربي حيال العربي، والمسلم حيال المسلم، والإنسان حيال الإنسان. وعلى هذا يمكن القول إن هناك من يثقب مركب الأمة، ومن يزين له فعله ذاك ويصفق له ويدفعه إلى المزيد، ومن يتفرج على مايجري من دون اكتراث على الغرم من أن الجميع في المركب الواحد، ومن يهلل لكل فعل من أي نوع، ولأي تدخل من أي نوع، ويفرد أجنحة الزرازير ليطير من بلد إلى بلد ملقياً نظرات وحجارة من سجيل هنا وهناك، وهو آمن لأنه في الفضاء ويرتبط بفضاء وسماء وأرض ليست هي للأمة ولا منها في شيء؟!

مأساة حلب في يوم الثلاثاء الحزين الماضي مأساة كشَّافة، وهي في الكشف مثل غيرها من المآسي الكبار الدالة التي مرت بها مدن وقرى وحتى أقطار عربية في وطننا العربي، وكان ضحاياها أبناء من أبرياء أمتنا العربية.. مآسٍ سببها الأعداء والجهل والعمه السياسي وشاركت فيها أقطار عربية سلباً وإيجاباً، وتفرجت عليها أقطار أخرى، وشمِت بما حصل فيها مَن اعتاد على أن يشمَت حتى بنفسه المدماة ومآسيه المتجددة.. إلى أن أتى زمن تضاءلت فيه المشاركات الإيجابية وازدادت عليها السلبية، وتبلدت الفرجة والمتفرجون.. ألا إنها القواصم للعواصم التي نزعم أننا نحتمي بها ونتفيأ ظلالها، بينما يخيم علينا وعليها ظل العدو وغدره وتنذرها نذره بما كان لسدوم وعمورة.. عواصم لا تكاد تقي نفسها من الشرر والشرور بَلْهَ أن تعصم المعتصم بها؟!.. الأمة دار كل غرفة من غرفها تستند إلى الأخرى وتساندها وتحتمي بها وتحميها، وإذا ما حلت ساعة الدمار – لا سمح الله - قد تتزلزل الدار كلُّها بمن فيها.. وإذا ما بقيت غرفة ما أو بقي بعض ساكنيها بعيداً عن الزلزلة ونتائجها، فستكون ويكونون حيث الخراب..

 فلا نسيرن في هذه الطريق المدمرة طريق الخراب يا ناس الأمة التي حملت مشاعل العدالة والنور إلى العالم أيام كان يغط في الجهل والظلام، ولا نتبعن داعي السوء، وناشر الموت، وفاقد الرشد، ومنفخة الجهل والجاهلية.. أياً كان موقعه وموقفه وهدفه ولسانه، فمن يتبع البوم يقوده إلى الخرب.