خبر ينبغي صنع نظام في الشرق الاوسط.. اسرائيل اليوم

الساعة 10:41 ص|18 يناير 2013

ينبغي صنع نظام في الشرق الاوسط

بقلم: دوري غولد

        (المضمون: كان ينبغي العمل على إقرار ما يسمى بلغة كيسنجر "معيار سلوك" متفقا عليه يُفرق في الشرق الاوسط بين القادة والزعماء الذين يلتزمون بهذا السلوك واولئك الذين يتجاهلونه ويرفضونه - المصدر).

        جمعت المملكة الاردنية في سنة 1996 منتدى دوليا في قصر الهاشمية في عمان شارك فيه ضيوف من أنحاء الشرق الاوسط وساسة كبار ايضا من خارج المنطقة، ووجدت نفسي باعتباري عُينت آنذاك لمنصب المستشار السياسي لرئيس الوزراء نتنياهو، مدعوا الى واحد من تلك الاجتماعات. وكان أحد الضيوف الذين تحدثت اليهم طويلا وزير الخارجية الامريكي السابق هنري كيسنجر الذي يتمتع بجمع نادر بين الخبرة الدبلوماسية العظيمة والقدرة على قياس ما سيكون على ما كان.

        كان واضحا في تلك الفترة ان المسيرة السياسية الاسرائيلية الفلسطينية على شفا انهيار بعد ان هاجم مخربون منتحرون فلسطينيون مدنا اسرائيلية اربع مرات بين شباط وآذار 1996 وسببوا موت نحو من تسعين اسرائيليا. وقال لي كيسنجر عن ادراك انه يجب الالتزام بتوجه آخر: "إن ما تحتاجون اليه هو "معيار سلوك" بالنسبة للشرق الاوسط".

        أقول بصدق أنني لم أكن أعلم في تلك اللحظة ألبتة ما الذي يتحدث عنه. واستقر رأيي على أن أنظر حينما أعود الى بيتي في القدس في المجلدات الاربعة لمذكراته التي كانت في مكتبتي، وأن أعود الى الحديث معه مرة اخرى حينما سيأتي الى البلاد بعد ذلك ببضعة ايام. وتوقعت ان أجد مصطلح "معيار سلوك" في فهرس كتبه، لكنه لم يكن موجودا هناك. لكنه تبين لي من حوارنا بعد ذلك ما الذي قصد اليه بالضبط.

        وجد كيسنجر نفسه في 1972 مشاركا في مفاوضة الاتحاد السوفييتي في تحديد زيادة مخزونات الصواريخ الاستراتيجية للقوتين العظميين. وأفضت تلك المباحثات في آخر الامر الى التوقيع على ميثاق "سولت 1"، لكن كانت توجد اسباب جدية للشك في ان تفضي المفاوضات بين القوتين العظميين الى حل حقا لأن موسكو عملت على توسيع نشاطها العسكري في العالم الثالث من جنوب شرقي آسيا الى أنغولا. وطور كيسنجر وثيقة سُميت "مباديء أساسية للعلاقات بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي".

        وبحسب تصوره فانه اذا عملت موسكو بحسب معيار السلوك هذا فتستطيع واشنطن ان تزن معدل التقدم الذي تم كي تنشيء علاقات جديدة بين القوتين العظميين تقوم على وقف التوتر بين الدولتين. لكن اذا أخلت موسكو بمعيار السلوك فتستطيع واشنطن ان تحول هذه المباديء الى وسيلة دبلوماسية لتضرب الروس أمام حلف شمال الاطلسي والجمهور الامريكي. ومكّن معيار السلوك الولايات المتحدة من جعل السوفييت يكشفون عن نواياهم الحقيقية.

        هل تستطيع فكرة معيار السلوك عند كيسنجر ان تكون نافعة في الشرق الاوسط؟ وهل يمكن ان نصوغ منظومة قواعد لتفاوض في المستقبل تدفع قدما بمسيرة سلام حقيقية أو هل تكفي اشارة واضحة الى ان القيادة الفلسطينية قد أخلت بالتزاماتها؟ كانت توجد قضايا خاصة بالشرق الاوسط كان يمكن التطرق اليها كالتحريض على العنف وايواء المنظمات الارهابية والتوجه الى جهات دولية بمبادرات مضادة لاسرائيل.

        لم يكن علاج هذه القضايا جزءا من برنامج العمل الرسمي في التفاوض كموضوع الحدود أو مسألة اللاجئين أو مستقبل المستوطنات لكن هذه القضايا كان يمكن ان تكون اشارة مهمة الى جدية الطرف الفلسطيني في المسيرة السياسية. وهناك حاجة من اجل انشاء معيار سلوك في حال الصراع الاسرائيلي الفلسطيني الى تأييد امريكي والى ان تصبح واشنطن قاضية في واقع الامر.

        إن فكرة معيار السلوك اليوم ذات موضوع بسبب بعد آخر للتحديات المتوقعة في الشرق الاوسط. ففي الفترة التي تلي ما يسمى الى الآن الربيع العربي، أخذت تظهر نظم حكم جديدة في الشرق الاوسط مؤلفة في احيان متقاربة من قادة يُماهون الاخوان المسلمين. ومن المنطق ان نفترض ان يكون تأثير كبير في سوريا في فترة ما بعد الاسد للتيارات السلفية المتطرفة بل لأذرع القاعدة.

        يجري في الغرب جدل واسع يتعلق بسؤال ماذا يفعلون مع الاخوان المسلمين. يوجد من جهة وعي ان قيادة القاعدة قد اكتسبت ثقافتها السياسية تحت جناح الاخوان المسلمين مثل أيمن الظواهري خليفة اسامة بن لادن وكذلك ايضا خالد الشيخ محمد المخطط للعملية في برجي التوائم في الحادي عشر من ايلول والذي نشأ في ذراع في الكويت. ومن الجهة الاخرى يوجد في اوروبا وواشنطن صاغة سياسة يرون الاخوان المسلمين بديلا معتدلا نسبيا عن السلفيين.

        يستطيع معيار السلوك المخطط له بحرص ان يكون أداة للتفريق بين الزعماء الذين يخضعون لمبادئه واولئك الذين يتجاهلونها اذا ما أُنشئت معايير موضوعية لسلوك سياسي مقبول.

        ويمكن ان نستعمله للتفريق بين من يُسمح لهم بأن يكونوا "تحت السقف نفسه" مع الغرب ويتمتعون بالتجارة الدولية ونقل التكنولوجيا بل بيع السلاح ايضا خلافا لاولئك الذين سيبقون في نفس فئة التصنيف مع الدول العاصية.

        وفي نهاية الامر تم ايعاب معيار سلوك كيسنجر في وثيقة تأسيسية لمؤتمر الامن الاوروبي في 1975 المعروفة أكثر بتصريح هلسنكي. ودُعي الذين حققوا المباديء المقررة هناك وشاركوا في منظمة الامن والتعاون في اوروبا (سي.اس.سي.إي).

        في اطار اتفاق السلام مع الاردن في 1994 وافقت اسرائيل على انشاء منظمة مشابهة في الشرق الاوسط. فلو انه نشأ مؤتمر من هذا النوع في منطقتنا لوجب على الدول ان تقرر هل تؤيد مبادئه الأساسية وكان ذلك سيساعد في صب أسس لتسوية اقليمية مستقرة في المستقبل.

        لكن حينما يختار الغرب ان يتبنى زعماء جددا في الشرق الاوسط لا تنطبق عليهم معايير دولية ما في الحد الأدنى فانه يتعجل مسيرة سلبية فقط، فهو يمهد الطريق لانشاء أساس لفوضى دولية تزيد في خطر المواجهة المسلحة في المنطقة في المستقبل.