خبر مركز أطلس:الانتخابات تؤكد أصالة الطائفية والانقسامات في « إسرائيل »

الساعة 10:14 ص|17 يناير 2013

غزة

في هذه الأيام وفي ظل حمى الانتخابات والاستقطابات الحزبية لا يظهر المجتمع "الإسرائيلي" في أبهى صوره، التي دأب المسؤولون على إظهارها بقوة وحرص شديدين، عبر الترويج لدولة يهودية ديمقراطية تعتمد على القيم والأخلاق في مواجهة حالة اللا استقرار في المحيط العربي.

وحسب تقرير لمركز أطلس للدراسات، فتسلط الانتخابات- بما تنطوي عليه من صراع حاد على كسب ثقة الناخب "الإسرائيلي"- الأضواء على الصراعات والانقسامات الداخلية في محاولة لتوظيف ما هو قائم ومسكوت عنه، أو استغلال العاطفة الدينية والاثنية - أي العزف على أوتار يعرف عازفوها أنها تقع على آذان تطرب لها - على أمل تجنيد أصواتهم.

إن النفخ في الروح الطائفية وإبراز الانقسامات الكثيرة في الشارع الإسرائيلي لا يعتبر إعادة إنتاج أو إحياء ظواهر ومفاهيم اجتماعية قد انتهت، إنما هو نفخ فوق جذوة لم تنطفء لا زالت تشتعل رغم كل المحاولات المصطنعة لدفنها وطمسها وتغطيتها بطبقات سميكة من الرماد، لأنها تستمد طاقتها من واقع الأزمات العضوية والبنيوية الناتجة عن بدايات تكوينه ومهماته الوظيفية.

حركة شاس، وهي حركة أصولية تمثل المتدينين الشرقيين - أو ما يطلق عليهم بالسفارديم - تحاول من خلال شعاراتها وبرامجها ودعايتها الانتخابية توظيف الانقسام الديني والطائفي - في مواجهة ما تسميه تحالف القبيلة البيضاء.

"الليكود بيتنا" فمن وجهة نظر "أربيه درعي" رقم 2 في الحركة، هذا تحالف الأغنياء ضد الفقراء، من يملكون ضد من لا يملكون، تحالف ذوي البشرة البيضاء ضد ذوي البشرة السمراء، ويطلق شعار إذا كان "الليكود" بيت الأغنياء الأشكناز فإن "شاس" بيت الشرقيين.

أما الأب الروحي للحركة "عوفاديا يوسف" فيقول: هذا تحالف الملحدين ضد المتدينين، وفي أشد هجوم لحركة "شاس" ضد المهاجرين الروس، اظهر أحد عروض الدعاية الانتخابية التي يتم بثها في الإعلام، التشكيك في يهودية الروس، وسخر من سهولة وبساطة عملية تهويدهم، الأمر الذي عرض حركة "شاس" لانتقاد وهجوم كبير؛ تقريباً من أغلبية الأحزاب بما في ذلك الأعلام حيث اتهم "شاس" باستغلال الطائفية إلى حد الانزلاق نحو العنصرية، مما اضطر "درعي" للاعتذار جزئياً عن بعض الكلمات، واستبدال شعار التمييز ضد الشرقيين بشعار إقصاء الشرقيين في مقاربة لكفاح المرأة ضد الإقصاء، فإذا كان النضال ضد إقصاء المرأة يكتسب شرعية كبيرة، فلماذا لا يكتسب نضال الشرقيين ضد الإقصاء شرعية أكبر؟!.

حركة "شاس" ليست الوحيدة التي توظف الطائفية والانقسامات والسياسيات العنصرية في حملتها وبرامجها الانتخابية حيث يشاركها الأمر العديد من الأحزاب ولكن بصور أكثر ذكاء ودهاء كما إن العنصرية ضد العرب والمهاجرين الأفارقة لا يسجلها رادار الأحزاب أو الإعلام باعتبارها أمرا لا يتعلق بجوهر الفكرة الصهيونية, أو لأن الجميع يمارسها وباتت جزء من خبزهم اليومي.

حزب يائير لبيد يوجد مستقبل وهو حسب لبيد نفسه حزب قطاعي يمثل النخبة المتعلمة من الطبقة الوسطى الاشكنازية, وهو امتداد لوالده العنصري تومي لبيد الذي كان قد أسس سابقا حزب شينوي يروج لتحرر "إسرائيل" البيضاء المتعلمة من الأعباء الاقتصادية والاجتماعية التي يثقل بها الفقراء - وفى معظمهم شرقيون - والمتدينون الذين لا يعملون ويتهربون من الخدمة عبر تسويغات اقتصاديه اجتماعية.

أحزاب الروس الممثلة بحزب ليبرمان أو حزب الإسرائيليون الجديد الذي ربما يتعدى نسبة الحسم, هي أحزاب طائفيه تمثل مصالح المهاجرين الروس الاقتصادية والتعليمية والاجتماعية وتحافظ على استمرار كينونة الغيتو الروسي أو جالية روسية داخل "الدولة".

الكاتب الإسرائيلي تسفى برئيل رصد تنامي تلك المظاهر في مقال تحت عنوان "نعم للانقسام الطائفي" 2/1/2013، حيث يقول: "كم يصعب الاعتراف بأن بوتقة الصهر قد فشلت. وكم يُخيب الأمل أن نعترف بأن "إسرائيل دولة" طوائف وثقافات، وسلطة ملونة وليست بخمّين - نوع طعام- لونه واحد.

كما أن المستوطنين أصبحوا يشكلون طائفة أخرى قويه تتمتع بانسجام وتماسك داخلي، ولها حزب كبير واحد اليوم البيت اليهودي ولوبي قاطع لمعظم الأحزاب، ويتركز بشكل واضح في حزب الليكود وممثلوهم يروجون لأجندة خاصة بهم, أجنده إقطاعية طائفيه تتمحور حول الاستيطان ممارسين كل أنواع الإرهاب والابتزاز السياسي الطائفي متمتعين بشرعيه إعلاميه وسياسيه جعلتهم جزءا من الإجماع السياسي في إسرائيل.

ارييه شبيط من صحيفة "هآرتس" يقول يحتل المستوطنون السلطة المركزية في "إسرائيل"، بحركة مقصين مخطط لها تخطيطاً جيداً. ويستطرد إن هذا يفضي إلى أن ليست الأكثرية الإسرائيلية هي التي تقرر مصير الإسرائيليين بل أقلية صغيرة من المستوطنين.

انقسامات وإثنيات

ما تظهره الانتخابات من انقسامات هو ليس مجرد ظاهره عابره أو موسميه مرتبطة بالانتخابات, فهي ظاهره متجذرة وجذورها تغوص في أعماق بدايات نشأة "الدولة العبرية", ولها مظاهر وتجليات مختلفة, أبرزها الشرخ الطائفي والديني , وهو ما جعل دولتهم توصف بدولة الفسيفساء.

"بن غوريون" المؤسس الكبير اعترف بالأمر، وشعر بقلق كبير من هذين الانقسامين، ومن قدرة تهديدهما لجوهر الفكرة الصهيونية التي تقوم في جوهرها على الربط بين كل يهود العالم كأمه واحده لها نفس القواسم المشتركة للأمم العصرية وبين الأرض, أرض فلسطين باعتبارها وطنهم القديم والموعود, فاقترح ما اسماه بوتقة الصهر, صهر الاثنيات والهويات لصناعة هوية إسرائيلية ذات روح وثقافة غربية بما فيها المظهر والملبس, واعتبر الجيش وهو جيش الشعب هو بوتقة الصهر.

بيد أن الاثنيات ظلت تحافظ على روحها رغم محاولات طمسها أو إخفائها خوفا من المؤسسة الحاكمة، وهي اليوم وبعد أكثر من 65 سنه أكثر تطل برأسها بجرأة ودونما خشيه أو تحفظ "لقد تبلورت في "إسرائيل" هويات اثنيه قويه تحشر الهوية الإسرائيلية الموحدة في زاوية ضيقه وتحل مكانها " وهى تملي أجندتها السياسية والاقتصادية وهويتها الاجتماعية على العملية الانتخابية وباتت تشكل احد أسباب عدم الاستقرار السياسي.

العنصرية ضد الشرقيين

إن العنصرية والنظرة الاستعلائية تجاه الشرق بما فيه اليهود الشرقيون صاحبت وهيمنت على فكر وتوجهات قيادة الحركة الصهيونية منذ البدايات الأولى, فقد رأوا "دولة إسرائيل" القادمة جزءا من الغرب حضاريا وثقافيا , أي توسيع حدود أوروبا حتى الفرات واعتبروها السور الذي سيفصل بين المتحضرين الأوربيون والمتوحشون في الشرق.

يقول زئيف جابوتنسكى في أحد كتاباته واصفا اليهود الشرقيين, بأنهم في قمة التخلف وثقافتهم جهل مطبق ومسبيون لغرائزهم ويتساءل ماذا سيحدث لـ"الدولة" إذا كان هؤلاء سكانها ويقترح كنس كل مخلفات الروح الشرقية وفطام الشرقيين منها.

هذا على المستوى النظري، فيما على المستوى العملي فقد كان لها تجليات واضحة في المسكن والوظائف والتمثيل السياسي وفى شتى مجالات الحياة, بل إنها دخلت في عملية مأسسة لسلوكيات وأنظمة وقوانين اضطر الشرقيون للسكوت عنها عقوداً طويلة تفجرت أحيانا في هبات جماهيرية أو عبر تشكيلات حزبية عابرة فيما مضى.

ولكن الغضب الشرقي ظهر واضحا في الانتقام من الحزب المؤسس المسؤول أمامهم مباشره عن فصول العنصرية , من خلال التصويت للمعارضة التي تزعمها "بيغن" ما سبب الانقلاب السياسي سنة 87. وما اضطر حزب العمل لاحقا بزعامة باراك للاعتذار بشكل رسمي للشرقيين أملاً منه في استعادة أصواتهم.

الإقصاء الطائفي

إقصاء الشرقيين في المؤسسات القضائية والأكاديمية والوظائف الكبرى وفى التمثيل السياسي في أحزاب الحكم أمر يكثر الحديث عنه ويشتغل عليه عدد من الباحثين الذين يحاولون تسليط الضوء عليه, معظمهم بطبيعة الحال من أصول شرقية.

الأديب الإسرائيلي من أصل عراقي سامي ميخائيل يصف "إسرائيل" بأنها دولة تفيض عنصريه, د. بيطون من الحقل القانوني تقول إن نسبة الشرقيين في القضاء والأكاديمية العليا محدودة جدا وهى تعكس الغبن الذي يلحق بالشرقيين، وتطالب بقانون تمييز لصالحهم، وتصف نجاحات بعض الشرقيين في الوصول إلى مراكز رفيعة لا تعكس حالة الشرقيين وإنما تمثل مجرد نجاحات فرديه استطاعت أن تخترق الأسوار بجهد ذاتي كبير وبتشجيع من النخبة الاشكنازية.

ويقول آخر: إن الشرقيين لن يصلوا للمساواة لأنهم يركضون على درجات سلم هابط بالمقارنة مع المجموعات الأخرى.

حاييم بن يشاي مراسل القناة العاشرة يتهم الإعلام صراحة بالتواطؤ ضد المشكلة الشرقية حيث يؤكد أن الإعلام المسيطر عليه من نخب اشكنازية لا يتسع صدره لنقاش بعض ملامح ومظاهر التمييز ضد الشرقيين, وإذا ما أحد ما طرح المسألة للنقاش أو سأل سؤالا سرعان ما يتم تجاهل الموضوع والتهرب منه وفي أحيان كثيرة يمارسون إرهاباً إعلامياً بوسم كل من يثير الأمر بأنه مسكون بالشبح الطائفي.

الطائفية والصراعات والانقسامات الأخرى هي جزء من الأزمة البنيوية الإسرائيلية, التي ستظل موجودة بفعل عوامل بقائها الموضوعية, ولن تنتهي بانتهاء الانتخابات، ولن تختفي من مظاهر الحياة اليومية مهما رغبت المؤسسة الحاكمة في إخفائها وطمسها, وستظل تشكل أحد معوقات الاستقرار السياسي.