أعده/ مركز أطلس للدراسات الإسرائيلية

تقرير الكشف عن حرب جنرالات وعصابة من القتلة الكذابين

الساعة 10:37 ص|14 يناير 2013

غزة

تقرير "مراقب الدولة"  يوسف شابيرا، بشأن التحقيقات التي أجراها بقضية ما اشتهر بتسميته "وثيقة هرباز" الذي نشر الأحد الماضي 6 يناير، والذى جاء في 296 صفحة، يكشف أجواء حرب حقيقية دارت بين طغمة من جنرالات الجيش تورط فيها  رئيس الاركان "أشكنازي"، وبين وزارة حرب ايهود براك- وزير الدفاع- استخدمت فيها كل الأسلحة، باستثناء الرصاص، شملت جمع معلومات وتسجيل مكالمات، وتشهير وتجميد ترقيات، وتأخير تعيينات، وتجنيد إعلاميين.

 

ويكشف عن خلل في رسم الحدود الدقيقة بين المستوى العسكري والمستوى السياسي، وينتقد سلبية نتنياهو وغياب دوره  في حسم الأمور، وينتقد أيضا المستشار القانوني الذي تهرب من فتح تحقيق جنائين ويوصي المراقب بفتح تحقيق جنائي مع الأشخاص المتصلين بالقضية.

 

التقرير يصف تصرف "باراك" بالصبياني وينتقد حساسية أشكنازي لكرامته الشخصية الذي يرى ظلال الجبال جبال، ويصفه بأنه تعدى الخطوط الحمراء، ويلخص علاقتهما بأنهما لم ينجحا في الاتفاق على أي شيء ولا حتى على حقائق بسيطة.

 

لكن ما لم يقله صراحة تقرير "المراقب العام للدولة"؛ قاله وكتبه العديد من الكتاب والسياسيين والجنرالات أيضا.

 

"روني بار اون" رئيس لجنة الخارجية والأمن يقول" هذه فضيحه يندى لها الجبين وهى تدل على تدهور كبير في القيم والاخلاق في أهم مؤسسة أمنية.

 

"أمنون شاحاك " رئيس الاركان والوزير السابق يقول " لقد فقدوا التوازن كلهم، إنهم في بيت مجانين.

 

المحلل السياسي " برنياع"  من صحيفة  "يديعوت"، يقول:" هذا عفن كبير والرائحة تملئ المكان".

 

"غانتس" رئيس الأركان الحالي يشبه الأمر بالجثة النتنة التي يجب التخلص منها ودفن عظامها.

 

وقد امتلأت الصحافة الصهيونية بمثل هذه الأقوال التي تصف ما حدث بالعفن الكبير والصراع القذر والفضيحة والصراع المخزي، الذي يصف جنرالات الجيش بأنهم في الدرك الأسفل من الأخلاق والقيم تقودهم صراعات الأنا والرغبة في استخدام الجيش كخشبة قفز مريحة نحو السياسة أو الأعمال الكبيرة بملايين الدولارات , مستخدمين شعارات الدفاع عن الأرض والشعب غطاء لصراعاتهم من أجل تقديم مصالحهم مستغلين السرية التي تحيط بنشاطات الجيش كما يقول "عاموس هرئيل" من هآرتس, ويجمل "الوف بن" من هآرتس بقوله من الجيد لنا أن هذه الثلاثية " باراك، أشكنازي، نتنياهو" لم تخرج للحرب على إيران.

"هرباز" كبش فداء

"بوعاز هرباز"  ضابط برتبه مقدم شغل منصب ضابط تسليح في قسم العمليات الخاص بسلاح الاستخبارات , ملفه ملئ بالمخالفات واستغلال العلاقات الشخصية، ويوصف بالفاسد وتم تسريحه مبكرا من الجيش واستطاع عبر علاقاته العودة ليحصل على راتب تقاعدي. وتربطه بأشكنازي وعائلته علاقة قوية.

 

وكتب وثيقة فيها توجيهات بامتداح "غالنت" باعتباره المرشح الأوفر حظا لخلافة أشكنازي والتشهير بالمتنافسين الآخرين، وسرب الوثيقة لوسائل الإعلام باعتبار أنها توجيهات من مكتب إعلامي برئاسة "ادلر" لتبدو وكأن جهات خارجيه تقوم بحملة لصالح "غالنت" مما سيضر بفرصه الحقيقية. أشكنازي كان على علم بالوثيقة ومساعده الشخصي "ايرز فينر" كان  قد وزعها داخل الجيش, ونشاط "هرباز" ضد "غالنت" وصل حد جمع معلومات عن المخطط الهندسي لبيته،  للتشهير به باعتباره تعدي على أملاك الدولة، وكان "هرباز" على اتصال وثيق بزوجة  أشكنازي " رونيت " حيث تبادل معها اكثر من 1500 رساله عبر الهاتف.

 

أصل الصراع

هرباز كان جنديا تجند ربما بمبادرته، وربما دون علم قائده أشكنازي كما يقول "المراقب العام للدولة" لخدمة أشكنازي في حربه مع وزير الدفاع "يهود باراك", لكنه وحده دفع الثمن في حين تباطأت المؤسسات القانونية عن فتح أي إجراء قانوني بحق الآخرين في محاولة منها كما هي العادة للتغطية وكنس القذارة تحت السجادة , وهذا ما ينتقده "مراقب الدولة".

 

الحرب بين براك وأشكنازي تعود بداياتها ربما إلى الشعبية الكبيرة التي كان يحظى بها أشكنازي, حيث كان الأكثر شعبية في أوساط الجمهور من بين جميع رؤساء الأركان السابقين، ومما رشحه في الإعلام ليكون القائد القادم لتسلم قيادة الدولة, وقد أطلق عليه اسم مصلح الجيش لأن مهمته تركزت في إعادة بناء الجيش بعدما ظهر من خلل وأعطاب كشفتها حرب لبنان 2006, الأمر الذي ربما أثار حفيظة وزير الدفاع "باراك "، المفتون بوظيفة وزير الحرب وربما شخّص في أشكنازي منافسه القادم.

 

أولى تجليات هذا الصراع تبدت في التنافس على من يقطف ما يزعم أنها إنجازات حرب الرصاص المصبوب على غزه.  "يهود اولمرت" رئيس الوزراء السابق  يصف سلوك "باراك" في هذا الشأن بالفردية حيث حاول أن يجرى مفاوضات لوقف النار من خلف "اولمرت" وحاول أن يؤخر قصف المفاعل السوري في دير الزور إلى وقت يستطيع أن ينسب فيه الانجاز لنفسه.

 

كما حاول "باراك" ان يفرض الجنرال يؤاف غالنت نائبا لأشكنازي على خلاف تقاليد الجيش التي تحدد ان رئيس الاركان هو من يرشح نائبه، حيث هدد حينها أشكنازي بالاستقالة وفرض "غانتس" مرشحا له, ولوضع العقبات أمام وصول أشكنازي للسياسة بعد تخرجه من الجيش؛ ساعد باراك من خلال ائتلافه مع نتنياهو على تمديد فترة التبريد بين الخدمة العسكرية  واشغال وظائف سياسيه إلى ثلاث سنوات, لكن ما أجج الصراع وفتحه على مصراعيه كان إعلان "باراك" في إبريل 2010 عدم نيته التمديد سنة خامسة لأشكنازي , مما اعتبره الأخير إهانه مقصودة هدفها إلقاء ظلال من الشك على مهنيته.

 

المحلل الرئيسي في هارتس "الوف بن" يضيف أسباب محتمله أخرى: "عمل أشكنازي ودغان على إفشال أوامر باراك ونتنياهو لإعداد الجيش في 2010  لضرب إيران" , ويقول "كان على مراقب الدولة أن يفحص هل "أشكنازي" و "دغان"  منعوا كارثة وطنية، أم  أنهم غطوا على فشل "أشكنازي" في تجهيز الجيش؟. ويخلص آخرون: " أن "أشكنازي" حاول أن يجعل الجيش والأمن حماة القانون كما في مصر وتركيا, حيث أنهم أي الجنرالات يؤمنون أن المستوى السياسي مصاب بداء الحسابات السياسية والحزبية غير الموضوعية, وعليهم مراقبته والتمتع بفيتو على قراراته مما يحول (إسرائيل) إلى ديكتاتورية بغطاء رقيق من الديمقراطية.

 

صراعات على السلطة

"باراك" يصف قائد الأركان السابق "أشكنازي" بالكاذب وأن الأخير هدده بأن يدير ضده حرباً مفتوحة بعد أن أعلن باراك في إبريل 2010 أنه  لن يمدد خدمته سنة إضافية, وأشكنازي يرد "بأن باراك هاذي ومهووس".

صراع الجنرالات (الإسرائيليين) لم يبدأ من صراع "أشكنازي- باراك".  فهو صراع ممتد بعيدا بدافع شهوة السلطة والأنا الكبيرة، وفى الطريق يقول "غدعون ليفي" يدوسون كل الأخلاق ويستخدمون دماء العرب واليهود.  يقول "ايتان هابر" إن "عيزر وايزمن" الذي نافس على رئاسة الاركان سنة 68 ولم ينلها هدد "رابين" الذي اعتبره السبب في التوصية بـ "حاييم بالرليف", قائلا له وهو يصعد سلم الطائرة ليتسلم مهمته كسفير في واشنطن , "إنه سيلاحقه طوال حياته".

فهم رابين وهو جنرال وقائد أركان حرب اال67 اكثر من غيره الصراع بين المستوى السياسي والعسكري لا سيما بعد حرب 73 , فعمل عندما ترأس حكومته الأولى على سن قانون سمي القانون الأساسي للجيش، لتحديد ورسم المسؤوليات والصلاحيات بعد أن تهرب المسؤولون من تحمل مسؤوليات الفشل والقوها على الجيش , لكنه هو نفسه يقول بعد سن القانون إن الشكوك بقيت لدى العسكر تجاه السياسيين , ويقول "مراقب الدولة" إنه لازالت حاجه لتوضيح المسؤوليات.

المؤامرة والصراع جزء لا يتجزأ من عمليه التعيينات في الجيش لاسيما منها ما يخص المنصب الأهم والأكثر طمعا برئاسة الأركان. وتصل أحيانا حد الطعن في الميول الجنسية, مثلما فعل "موشيه ليفي" لخليفته "دان شومرون"، مما اضطر رابين لفحص الميول الجنسية للأخير, و"شارون" طلب من "موفاز" تقصير ولاية "موشيه يعلون" عشية الانسحاب من غزة، لأن للأخير كانت آراء سياسية معارضة، ويقول "يعلون" عن تلك الفترة إنه اضطر لانتعال حذاء عالي خوفا من لدغات الأفاعي في وزارة الحرب.

سقوط أخلاقي

طالما عانينا نحن الفلسطينيون من حقيقة ودموية وكذب جنرالات الجيش وأبواقه الإعلامية، وكنا جاهدين نحاول كشف زيف ادعاء كونه الجيش الأكثر أخلاقا في العالم, هذا الجيش الذي يتبين حقيقة سقوطه الأخلاقي وفقدانه أدنى القيم الأخلاقية في صراع داخلي يستخدم فيه كل أسلحته القذرة.. فما بالنا عندما يتعلق الأمر بدماء أطفالنا ونسائنا وهي مباح ولا قيمة أو وزن لها في مفاهيمهم وقاموس أخلاقهم الزائف.