خبر ينبغي السعي الى اتفاق بلا أوهام ..هآرتس

الساعة 11:53 ص|11 يناير 2013

بقلم: شلومو أفنيري

       (المضمون: يجب الاتجاه الى حل الصراع الفلسطيني الاسرائيلي بالتدريج من غير البحث الآن عن حل نهائي للصراع لأن ذلك يحتاج الى زمن طويل - المصدر).

          سيكون قد انقضى عشرون سنة في هذه السنة منذ كانت اتفاقات اوسلو. وبمعنى الزمن التاريخي فان المدة التي مرت منذ كانت اتفاقات اوسلو الى اليوم تساوي المدة التي مرت منذ أُنشئت دولة اسرائيل الى حرب الايام الستة: فهي سني جيل تقريبا، برغم ان كثيرين قد يُخيل اليهم ان الاتفاقات قد وقعت أمس أو أول أمس. وبازاء ذلك من المناسب ألا نُقدر فقط النجاح العظيم الذي كان في مجرد انجاز الاتفاقات بل ان نواجه ايضا في صدق ما لم يتم انجازه.

          كان انشاء السلطة الفلسطينية علامة بدء الاعتراف الاسرائيلي بأن اسرائيل لن تستطيع ان تحكم سكانا فلسطينيين محتلين زمنا طويلا؛ وكان مجرد انشاء السلطة الفلسطينية ايضا رمزا لبدء طريق انشاء دولة فلسطينية الى جانب اسرائيل. ومن الواضح مع ذلك ان لا أحد من الموقعين على اتفاقات اوسلو – لا في الطرف الاسرائيلي ولا في الطرف الفلسطيني – تخيل ان يبقى الطرفان بعد مرور عشرين سنة على الاتفاقات عالقين في مسار وعد بدؤه بآفاق جديدة لكنه لم يثمر الثمرات المرجوة في امتحان النتيجة.

          من المؤكد ان الذين عارضوا اتفاقات اوسلو فرحون لذلك لكن هذا يجب ألا يمنع مؤيدي الاتفاقات من الاعتراف بالواقع القاسي الذي نشأ. ولا داعي الى الاستمرار في ان نظل عاشقين لانجازات الماضي؛ ومن المناسب ان نسأل كيف يمكن ان نتقدم الى تحقيق حلم دولتين للشعبين برغم ان العشرين سنة التي انقضت لم تُفض الى النتيجة التي توجه اليها منطق الاتفاقات الداخلي. ولا يكفي تكرير شعار "ينبغي ان نعود الى طاولة التفاوض" – بل يجب ان نواجه في صدق سؤال لماذا فشلت المحادثات بين الطرفين الى الآن.

          من السهل حصر العناية في البحث عن مذنبين، فيمكن ان نتهم التشدد الاسرائيلي (وهذا مؤكد تحت قيادة بنيامين نتنياهو)، أو عدم استعداد محمود عباس للعودة الى طاولة التفاوض؛ ويمكن ايضا ان نتهم ادارة بوش بأنها لم تحث حثا كافيا على التفاوض أو ان نتهم الرئيس براك اوباما باعمال مخطئة في بدء رئاسته. كل ذلك صحيح لكنه لا يلخص المشكلة.

          أجرت حكومة اولمرت – لفني تفاوضا مكثفا مع السلطة الفلسطينية سنتين واتجه الطرفان الى التفاوض عن ارادة خيرة واستعداد حقيقي للتوصل الى اتفاق. وكان الطرفان ايضا ذوي اهتمام شخصي بنجاح التفاوض فلو انه أُحرز اتفاق لكان اهود اولمرت ما يزال كما يبدو رئيس الوزراء اليوم ولأصبح جميع ما دُبر له هامشيا بازاء الانجاز التاريخي وهو المصالحة واحراز سلام؛ أما من جهة أبو مازن فان احراز اتفاق على انشاء دولة فلسطينية بمفاوضة اسرائيل كان سيمنحه ورقة لعب غالبة في مواجهة حماس لأنه كان يستطيع آنذاك ان يعرض نفسه على شعبه باعتباره من حقق حلم استقلاله.

          لم يحدث ذلك لأنه كلما تقدم التفاوض تبين ان الفروق في القضايا الجوهرية بين الموقف الاسرائيلي الأشد اعتدالا والموقف الفلسطيني الأشد اعتدالا عميقة جدا: فلم يتوصل الطرفان الى نقطة لقاء في قضايا الحدود والمستوطنات والقدس واللاجئين ومطالب اسرائيل الامنية. وليس قصر الزمن هو الذي منع الاتفاق بل حقيقة ان الفروق ما زالت عميقة جدا.

          ليس من الواقعي ان نزعم اليوم عشية الانتخابات ان كل ما كان يُحتاج اليه للتوصل الى اتفاق هو "ان ندخل غرفة" مع الفلسطينيين. فالفروق لم تتضاءل في السنوات الاربع منذ ان تم آخر تفاوض بل زادت اتساعا: فقد زاد عدد المستوطنين في الضفة ويجب على من عارض مشروع الاستيطان ان يعترف بأن اجلاء 300 ألف يهودي عن الضفة سيكون أصعب من اجلاء 200 ألف يهودي وبأن تبادل الاراضي لن يحل المشكلة. واقتراح حل مشكلة القدس باحداث وهم منطقة "بلا سيادة" أو برعاية دولية للبلدة القديمة، فكرة ضالة اليوم كما كانت في الماضي. وعدم الاستعداد الفلسطيني للتخلي عن مبدأ حق العودة قوي اليوم كما كان في الماضي برغم اعلان أبو مازن بأنه شخصيا يريد ان يعود الى صفد سائحا فقط. أما الدعم الذي حصل عليه الفلسطينيون في الامم المتحدة وسيطرة حماس على غزة فلا يقويان احتمالات اتفاق.

          ستضطر كل حكومة تنشأ في اسرائيل بعد الانتخابات مهما يكن تركيبها الى مواجهة تحد مضاعف: فمن الواضح من جهة ان الوضع الراهن وعدم التفاوض سيسيئان الى منزلة اسرائيل الدولية ويضعضعان اتفاقي السلام مع مصر والاردن وقد يفضيان الى تجديد العنف في المناطق. ولا تستطيع أية حكومة ذات مسؤولية ان تتجاهل هذه الأخطار. ومن جهة ثانية فان التفكير في أن مجرد الدخول في تفاوض سيفضي الى اتفاق بصورة آلية وهم خطير تثبت نتائج العشرين سنة الأخيرة انه لا يوجد له أي أساس.

          ليس الصراع الاسرائيلي الفلسطيني مميزا ويمكن ان نشبهه بالصراعات في قبرص والبوسنة وكوسوفو بل حتى في كشمير البعيدة. ولا تنحصر كل تلك الصراعات في الجانب المناطقي برغم أن هذا الجانب قد يكون هو الأبرز. بل هذه صراعات بين حركات قومية من اجل الشرعية والسيادة والاستقلال؛ وصدامات بين روايات تاريخية متناقضة؛ وفيها مركبات احتلال واستيطان ولاجئين ومقاومة احتلال وارهاب؛ وليست هي صراعات دينية في نفسها لكن توجد فيها مركبات دينية تُعمق وتزيد في حدة الصراع وتجعل حله صعبا. صحيح ان الصراع في منطقتنا أكثر كثافة فليست القدس المنقسمة تشبه نيقوسيا المنقسمة او متروفيتسا المنقسمة.

          لم يوجد الى الآن حل لأي واحد من تلك الصراعات، فقد فشلت خطة عنان لقبرص لأن طرفا واحدا اليونان – القبارصة لم يكن مستعدا لقبولها برغم ان المجتمع الدولي قبلها وفيه اليونان وتركيا؛ وحظيت كوسوفو بالاستقلال لكن لأن جمهورية الصرب لم تعترف باستقلالها لم يُحل الصراع بينهما الى الآن؛ أما في البوسنة، وبرغم ان اتفاقات الدايتون أنهت القتل والتطهير العرقي واعمال الاغتصاب، فانه لم تتشكل الدولة المتعددة الأعراق والمتعددة الأديان التي كان يفترض ان تنشأ نتاج الاتفاقات.

          لكنه في كل واحدة من هذه الحالات حتى مع عدم وجود اتفاق نهائي، تم احراز تقدم جزئي بسلسلة اتفاقات بينية وخطوات تبني الثقة، واجراءات أحادية ونظم اخرى. ولم يمنع عدم وجود اتفاق على انهاء الصراع تقدما فعالا في ادارة الصراع وجعله معتدلا – لا بطريقة استمرار الوضع الراهن بل بتبني توجه دينامي يشتمل على استعداد للتقدم الى حل مشكلات جزئية قد يكون حجر الزاوية لاتفاقات أشمل في المستقبل.

          إن هذا التوجه يقتضيه الواقع ايضا في منطقتنا برغم ان معناه هو خفض توقعات الطرفين. إن قائمة الخطوات التي تستطيع اسرائيل ان تتخذها اذا تبنت هذا التوجه طويلة – من استعداد للتخلي عن استمرار البناء في المناطق الى تسهيل كبير في ظروف عيش سكان المناطق الى وقف العقاب للسلطة الفلسطينية بسبب انجازاتها في الامم المتحدة. وتشتمل قائمة الخطوات في الطرف الفلسطيني على اعتراف بالحاجة الى اقناع الاسرائيليين باستعداد الفلسطينيين لقبول مبدأ الدولتين للشعبين، وهو شيء يوجب عليهم تغييرا جوهريا في جهاز التربية والاعلام عندهم الذي يعبر كله عن عداوة عميقة لاسرائيل. ويستطيع توجه خلاق الى هذا الاختيار يجب ان يصاحبه فهم دولي لكون هذا الاختيار هو الاختيار الواقعي الوحيد، ان يعرض اجراءات اخرى بلا شك.

          ليس هذا بديلا عن التسوية النهائية بل هو طريقة بديلة للتقدم نحوها بالتدريج. ومن يعتقد ان تدخلا امريكيا أكثر فاعلية سيفضي وحده الى اتفاق مخطيء هو ايضا: لأنه يمكن ان نرى ان قوة الولايات المتحدة كلها لم تساعدها على التوصل الى حل في قبرص أو البوسنة أو كوسوفو، ومن المهم بذل كل جهد لمحادثة أبو مازن، لكن كما نبه دنيس روس أقدم الدبلوماسيين الامريكيين الذين عالجوا الصراع، من المرغوب فيه في هذه المرحلة حصر العناية في قضايا نقطية وعدم محاولة التوصل الى تسوية نهائية ليست في متناول اليد.

          إنني باعتباري أيدت اتفاق اوسلو ورأيته اختراق طريق تاريخيا، عالم بأن الكلام الذي كتبته آنفا يعبر عن خيبة أمل لكن الصراعات القومية لا تُحل بين عشية وضحاها. فيجب بعد عشرين سنة محاولة لم تنجح ان نفكر من خارج الصندوق وألا نضل في الأوهام.