خبر الاصبع الوسطى ..يديعوت

الساعة 11:53 ص|11 يناير 2013

بقلم: سيما كدمون

          (المضمون: لماذا فشل التأليف بين احزاب الوسط – اليسار الثلاثة الكبيرة لمواجهة نتنياهو ومحاولة اسقاطه - المصدر).

       1- في منتصف الليل

          حدث أمر ارتفاع وسقوط كتلة الوسط الموحد في مساء واحد وشقة واحدة وحديث واحد. ففي هذا اللقاء القصير في بيت شولاميت وتومي لبيد أدركت تسيبي وشيلي ويئير أنه برغم قول رئيسة حزب "الحركة" أن بينهم الكثير من الامور المشتركة – فانه ليس بينهم أي شيء مشترك ولا رغبة في الأساس في السير معا.

          واليكم ما حدث: في مساء يوم الجمعة أُجري لقاء في القناة الثانية مع تسيبي لفني ودعت يحيموفيتش ولبيد الى تشكيل جبهة موحدة من احزاب الوسط للعمل على اسقاط نتنياهو. وأُجيبت برسالة نصية فورا قرأتها أمام عدسات التصوير دعتها فيها يحيموفيتش الى لقائها.

          بيد انه في الايام التي تلت ذلك وقعت جميع الاشياء غير الصحيحة التي أفضت بالجمهور لا الى استنتاج انه لا يوجد أي احتمال لاسقاط السلطة الحالية بل لا يوجد أي بديل أهل لأن يفعل ذلك.

          حينما بلغت لفني مكان اللقاء كان لبيد ويحيموفيتش قد أصبحا هناك في صالة البيت. وجلس يئير في أريكة والده وانتظرها على المائدة شيء من الكعك وشاي القرفة.

          شعرت لفني من أول جملة قيلت هناك بأنهم متلائمون.

          كان لبيد هو الذي بدأ فقال ان شيلي لا تنوي الانضمام الى حكومة نتنياهو. ولا أنوي أنا الانضمام وحدي وورقة تين تغطي عورة حكومة يمينية وحريدية. وسأل لفني: ما رأيك.

          ليست لفني انسان رسائل قصيرة، فهي حينما تريد ان تُبين شيئا ما تطلب أكثر من مرة ان تبدأ من البداية وهو شيء قد يُخرج الروح وبخاصة اذا لم تكن مطلعا على الامور. ويبدو ان هذا هو ما حدث هناك في شارع ليسل في تل ابيب في منتصف الليل بين الاحد والاثنين – قد يكون ذلك عدم فهم وقد يكون عدم رغبة وربما يكون مجرد اختصار لتاريخ معسكر الوسط وصورة تخليه عن الحكم سلفا:

          قالت لفني: ليس الامر هل ننضم أم لا بل هل ننشيء أملا جديدا. وتحدثت عن توق كبير للجمهور الى ان تسير الاحزاب الثلاثة معا، وعن الهواتف والرسائل النصية الكثيرة التي تلقتها منذ يوم الجمعة والتي باركتها لمبادرتها. وقالت ليحيموفيتش وللبيد انه يوجد جمهور كبير من الاصوات الطافية والناس اليائسين الذين يبدو لهم ان نتائج الانتخابات قد حُددت من قبل.

          وتدخل لبيد فقال: أنا انسان واقعي، ونحن قبل الانتخابات باسبوعين ومنذ اشهر لا أحد يُعرض نتنياهو للخطر في استطلاعات الرأي. يسعدني جدا ألا يكون رئيس الوزراء لكن هذا الآن فانتازيا. فيجب ان نعمل بحسب افتراض انه سيفوز كما يبدو.

          وعارضت يحيموفيتش فقالت: يجب ان نحارب الى النهاية.

          أصبح واضحا في هذه المرحلة ان الحديث عالق لكن لفني بدأت آنذاك تخطب مرة اخرى عن التوق وتدخلت يحيموفيتش فقالت لها: "يا تسيبي لقد قلت هذا من قبل فما الذي تقترحينه؟".

          أرادت لفني ان يجمع الثلاثة مؤتمرا صحفيا مشتركا يعلنون فيه انه استقرت آراؤهم على اتخاذ قرارات مشتركة وان يبدأوا حملة دعائية مشتركة لتبديل نتنياهو. وقالت يوجد قدر كافٍ من الموضوعات المشتركة بيننا نحن الثلاثة مثل التساوي في عبء الخدمة، والتفاوض السياسي والتغييرات الاجتماعية التي تريدها شيلي. وسنقول للجمهور انه لا يجب عليكم ان تحتاروا بيننا. هلموا لتصوتوا لواحد من هذه الاحزاب الثلاثة ولا يهم أيها.

          وسألت يحيموفيتش: كيف ستقنعينهم بالتصويت لـ "الحركة" خاصة.

          قالت لفني: لن أقنعهم وسأقول لهم: صوتوا لمن تشاؤون. لا يهمني من جهتي أن تنالي ستة نواب وينال لبيد اثنين وأنال أنا واحدا. سأكون سعيدة.

          أرادت شيلي ان تعلم هل ستوجد لافتات شوارع لهؤلاء الثلاثة. وقالت لفني التي فاتتها المفارقة انه يجب ان يتم تقرير أمر ذلك بعد. وقالت في خلال الحملة الدعائية سننصب واحدا منا لرئاسة الوزراء ونعلن ان لا أحد منا سيكون ورقة تين في حكومة نتنياهو كما فعل باراك وسنزن الامور بعد يوم من الانتخابات لنرى هل نتجه جميعا الى المعارضة وحينها ستكون لبيبي حكومة قصيرة الأجل أم نفرض عليه حكومة طواريء وطنية.

          وقال لبيد ان هذا الاقتراح غريب في رأيه. فما الذي يجعل احزابا تتنافس في الانتخابات تصدر في حملة دعائية مشتركة؟ وأكد قائلا لست حزبا يساريا، إنني حزب الوسط للطبقة الوسطى الاسرائيلية. وأنا أتوجه ايضا الى جمهور الليكود وجمهور بينيت. وكل سير مشترك يقضي على احتمال ان تنتقل اصوات من اليمين الى المركز.

          وذكرت يحيموفيتش من جهتها للفني ان المسؤول عن عدم وجود وحدة في الوسط هي نفسها لأنها تلقت من الجميع اقتراحات وفضلت انشاء حزب. والى ذلك، أضافت تقول: اقتراحك ليس راسخا في الواقع لأنني قد أعلنت من قبل أنني لن أدخل في حكومة نتنياهو.

          وقالت لفني انها تعلم وانها لا تتوقع ان تعلن يحيموفيتش الآن غير ذلك، لكن سيكون من الممكن بعد الانتخابات ان نزن الامور مرة اخرى، وقالت ليحيموفيتش: اذا شئت المعارضة فسنتحدث في ذلك أولست قد قلت ذات مرة انه اذا استقر رأي بيبي على ان يصبح سياسيا ديمقراطية فستزِنين ذلك.

          وغضبت يحيموفيتش وقالت للفني: لا أعلم كيف الامر عندك، لكن كلمتي مهمة عندي واذا كنت قلت إنني لن أدخل فلن أدخل. ولا معنى لأن نعمل معا اذا لم تعاضديني وتقولي إنك لن تدخلي الحكومة على أية حال.

          وقال لها لبيد: انها على حق.

          لكنك ايضا لا تفكر مثلها، قالت له لفني.

          صحيح، قال لبيد، أنا أعتقد انه يجب علينا جميعا ان ندخل الحكومة معا مثل نوع من حكومة وحدة وطنية من اجل منع انشاء حكومة يمين متطرف وحريديين. فهي اذا محقة بحسب نهجها وأنا محق بحسب نهجي لكننا معا لا ننجح في ان نفهم أين تقفين أنت بالضبط. وبدأت لفني للمرة الثالثة تتحدث عن التوق.

          يصعب ان نقول ما الذي حدث بعد ذلك بالضبط. فالانطباع عند لفني هو ان يحيموفيتش ولبيد لم يكونا ينويان من البدء السير في حملة انتخابية مشتركة. أما انطباع لبيد ويحيموفيتش فعكس ذلك. فكلاهما على يقين من انه في يوم الجمعة حينما دعتهما الى السير معا، أرادت فقط ان توضع نفسها بصفة القائدة بين الثلاثة، وكانت تلك حيلة دعائية سطحية ولدت بسبب انخفاضها في استطلاعات الرأي، وهما يصفانها بالكذب لأنهما يزعمان ان روايتها لما حدث في اللقاء غير قريبة من الواقع. ويجب ان نتذكر ان لبيد ويحيموفيتش متنافسان سياسيان لا يوجد بينهما عشق كبير، بحيث يوجد وزن لحقيقة ان روايتيهما للأحداث متماثلتان.

          وتأثرت لفني من جهتها حتى أعماق نفسها. وأعدت وثيقة مرتبة (يزعم لبيد ويحيموفيتش بقوة وبخلاف ما نشرته ان الوثيقة لم تُعرض عليهما في اللقاء)، وقالت انها يمكن ان تكون توصية فقط، وأخذت في حسابها انها ستضطر الى التنازل لكنها شعرت بأن كل ذلك لم يُثر اهتمامهما وبأن اللقاء قد تم فقط لمضاءلة الضرر الذي أوقعه اقتراحها بهما.

          وعادت الى البيت مع شعور غير طيب.

          تقول: لم آت مع توقعات كبيرة لكنني كنت آمل ان أكون جئت مع شيء يمكن ان ينشيء حراكا. وطلبت لقاءا آخر. ولم تُرد شيلي أي متابعة للامر ولم يوجد أي نقاش حقيقي لمضمون، تقول. وهي تنوي الآن ان تكرر اقتراحها، في المؤتمرات الصحفية وفي المقابلات الصحفية وفي كل مكان. وتقول اذا أرادا الرفض فليعلم جمهوراهما على الأقل أنهما رفضا.

          وحينما سمع لبيد بذلك غضب، وهو شيء نادر عند شخص هاديء على نحو عام. ليس الامر أمر ما رفضناه بل من رفضناه. ان لفني قد نكثت بكل اتفاق كان لنا معها بعد ساعات معدودة من تصافحنا جميعا. ولا تستطيع بالضبط ان تشتكي من أننا لا نعتمد عليها.

          وهنا أمامكم تاريخ محاولة احزاب الوسط اسقاط حكومة نتنياهو.

       2- حيلة دعائية في وجه حيلة دعائية

          لم تكن مبادرة لفني غير طيبة عند لبيد ويحيموفيتش وحدهما. فقد كان نفتالي بينيت رئيس البيت اليهودي هو الذي رأى هذه المحاولة الفاشلة شيئا وجه عليه. وبينيت على يقين من ان نتنياهو ينوي ان يضم الى الائتلاف الذي سينشأ بعد الانتخابات حزب "الحركة" برئاسة لفني ايضا. والبرهان على ذلك في نظره هو حقيقة ان لفني غير مستعدة لأن تقول إنها لن تنضم الى حكومة برئاسة نتنياهو برغم أنها تعلم ان هذا يضر بها انتخابيا.

          يذكرون في البيت اليهودي حقيقة ان رسائل نتنياهو ولفني متلائمة تقريبا. والمثال الذي قدموه بطلب مني هو انه في الوقت نفسه تقريبا تحدثوا في الليكود وفي "الحركة" للفني عن الحاخام ايلي بن دهان في المكان الرابع في القائمة الحزبية للبيت اليهودي وعما قاله قبل اربع سنوات. وهذا برهان قاطع عند البيت اليهودي على ان ورقة الرسائل تنتقل من ديوان نتنياهو الى يد لفني، وهو شيء يثبت انه يوجد شاعرون بالمطاردة في كل مكان حتى في الصهيونية المتدينة ايضا.

          وسواء أكان ذلك صحيحا أم لا فان بينيت على يقين من ان نتنياهو متجه الى حكومة يسار وهو يرى في خياله نتنياهو يقوم في ولايته القادمة باجراء سياسي بضغط من الامريكيين ولأنه يخشى ان يعترضوا عليه في البيت اليهودي في اللحظة التي يكون فيها اجراء كهذا، فانه لا يريدهم معه في الائتلاف.

          ولماذا أصبح بينيت على يقين من ان نتنياهو متجه الى اجراء سياسي. لأنه يرى ان حقيقة ان امريكا غاضبة على رئيس الوزراء وان أسهمه عند ادارة اوباما قد انخفضت انخفاضا عظيما تضغط عليه وسيضطر الى الاستسلام لهم.

          وكيف يفسر ميل نتنياهو في هذه الايام خاصة الى اليمين، مثل قرار البناء في المنطقة E1،  والاعتراف بالجامعة في اريئيل، وزيارته هذا الاسبوع ليهودا والسامرة ورحاليم خاصة، وهي مستوطنة صغيرة يفترض ان تُخلى بحسب كل مخطط سلام؟ ألا يشهد كل ذلك بعكس ما يقول؟.

          لا في نظر البيت اليهودي. فهم يقولون ان نتنياهو يشير الى الامريكيين بأن جميع هذه الامور تتم بسبب الانتخابات فقط، وهو يعد بأن يعوضهم بعد الانتخابات.

          ليس من الممتنع بالطبع ان تكون هذه الامور حيلة دعائية اخرى في فترة حيل دعائية، وأنهم في البيت اليهودي يزعمون هذا الشيء ليجذبوا اصواتا اخرى من اليمينيين اليهم مع اطلاق مزاعم ان نتنياهو سينشيء ائتلافا مع لفني، وأنه متجه الى مسيرة سلام وأنه ينوي ان يرضي الامريكيين. ولا يختلف هذا كثيرا عن حيلة نتنياهو الدعائية، الذي استغل هذا الاسبوع مبادرة لفني ليدعو اليمينيين الى التصويت لليكود بيتنا لأنه يُحتاج كي يكون الليكود قويا الى ان يكون هو رئيس وزراء قويا.

          تلقى بينيت هذا الاسبوع ضربة غير سهلة حينما استقال رئيس مجلس "يشع"، داني ديان، من عمله واعلن تأييده لنتنياهو. وقد كان بينيت الى ما قبل سنة أمين سر "يشع" واضطر الى الاستقالة من عمله على نحو غير رسمي بسبب زيارته لجادة روتشيلد زمن الاحتجاج الاجتماعي من غير ان يحصل على إذن مسبقا، وبسبب ما يسميه هو نفسه "فائض الفاعلية".

          أو بعبارة اخرى – لم تعجبهم حقيقة انه منطلق الى الأمام.

          إن أحداث هذا الاسبوع قد أدخلت بينيت الشديد الفاعلية في سباق آخر. وهو يأمل ألا تجوز على جمهور المستوطنين حملة نتنياهو الدعائية اليمينية فهذا سيكون إهانة لذكائهم اذا صدقوا ان ما لم يحدث في اربع سنوات سيحدث في اربعة ايام، وبخاصة من شخص سمى يهودا والسامرة في خطبة واشنطن "المناطق"، أما الآن فيسميهما ارض الآباء.

        3– بين الطاعون والكوليرا

          يوجد القليل جدا من الاشياء التي تؤثر فينا حتى إن عاصفة الطبيعة كالتي كانت هنا هذا الاسبوع تثير اهتماما أكثر من الاهتمام بالقضايا التي كان يفترض ان تثير عاصفة وتحولا وتطرقا اليها بل تغييرا للمواقف. إن الجمهور الاسرائيلي مستنزف وغير مكترث وقد شبع من القضايا والأفاعيل. وتمر به الأحداث الحادة كأنها لا شيء. ويتلو عنوان صحفي عنوانا صحفيا بل تُستقبل لجان التحقيق في عدم اكتراث وعدم اهتمام وعدم ثقة بها.

          هكذا استقبل الجمهور الاسرائيلي تقرير هرباز  هذا الاسبوع. ونقول وأيدينا على الصدور، كم منا يهمه حقا من بيّن تقرير المراقب انه اسوأ هل باراك أم اشكنازي. أو أي مكتب دبر الامور بصورة اسوأ، هل مكتب وزير الدفاع أم مكتب رئيس هيئة الاركان. أو أيهما اسوأ الأشرطة المسجلة التي ضُبطت في مكتب رئيس الاركان أم حقيقة انه لا يوجد أي توثيق في مكتب وزير الدفاع لمكالمات هاتفية بسبب ادعاء وجود أعطال في الأقراص الصلبة التي سجلت فيها.

          إن الفرق عند الجمهور الاسرائيلي بين سلوك مكتب الوزير ومكتب رئيس الاركان هو تقريبا كالفرق بين الطاعون والكوليرا. فكلاهما تنبعث منه رائحة سيئة. سمى رئيس الاركان ذلك "جيفة"، ومثل جيفة نراها قد ديست على الشارع لا يمكن ألا نحدق اليها حينما نمر بها، لكن سبب موتها أقل اثارة لاهتمامنا.

          ما الذي نفهمه من تقرير هرباز؟ نفهم ان أهم شخصين في الجيش الاسرائيلي وجهاز الامن اللذين أوكل اليهما هنا أمر الحياة والموت لا باعتبار ذلك كليشيه، قد سلكا على نحو لا تتسع له أية كلمة معابة ولا يكون أي وصف له مبالغا فيه. ويُبين التقرير ان رئيس اركاننا الذي كان مشغولا جدا باعادة بناء الجيش، كان مشتركا الى ما فوق رأسه في جمع مواد تسيء الى سمعة وزيره. وكما يحدث مرات كثيرة حينما ينشأ جهاز كهذا لجمع المواد، تشعب ليجمع مواد ايضا عمن كان مقربا من الوزير أو عمن كان يُخيل اليهم انه يبدل المعسكرات واشتمل ذلك حتى على جمع مواد ذات طابع جنسي عن جنرال في الجيش الاسرائيلي.

          بل إن مساعد رئيس الاركان دس أنفه للفحص عن شؤون زوجة وزير الدفاع ليتأكد عنده هل تسافر على حساب وزارة الدفاع وكأنه لا يكفينا تدخل نساء القادة حتى أصبح يوجد تصديق لكون زوجة رئيس الاركان كانت لها صلة دائمة ببطل القصة بوعز هرباز تشتمل على أحاديث ورسائل في شؤون نميمة وفي شؤون تتعلق بالعلاقات بين زوجها والوزير المسؤول عنه وشؤون موضوعها اختصاصي تماما.

          لكن هذا هو نصف هذه الكأس المسمومة فقط، وفي نصفها الثاني وزير دفاع أردنا ان نأمل ان تكون قراراته موضوعية غير منحازة بسبب شؤون شخصية أو مصالح أو غرائز، فتبين لنا ان التعيينات لا تتم في الوقت وانه توجد اختلافات في الرأي غير قابلة للحل في شغل المناصب، وان مكتب باراك يعمل على الدوام للمس برئيس الاركان الذي تبين انه شاعر بالاضطهاد شعورا لا يقل عن رئيسه وانه على يقين من ان باراك يفعل ذلك عن حسد له على شعبيته واجلال الجمهور له. وأخذت العلاقات تسوء الى درجة ان المستشارين والمقربين في المكتبين لا يتبادلون الحديث بينهم.

          ونقول بعبارة اخرى ان أهم القرارات الحاسمة بالنسبة للجمهور الاسرائيلي تتخذ في جحر ثعابين وفي جو غير موضوعي عن اعتبارات شخصية وغرائز لشخصين شاعرين بالمطاردة.

          فماذا يهمنا اذا أيهما يكون أفضل. أصبح باراك أصلا خارج السياسة، وحتى لو كان يحب ان يتسلى بحساب سنه قياسا بسن رئيس الدولة ليُبين انه ما يزال أمامه سنين كثيرة من العمل، فأسهل من ذلك ان نتخيله يجلس مع نيلي في مقهى تحت البرج الذي يسكنه من ان نراه يعود الى أبراج الكرياه.

          ويؤسفني ان أبشر اشكنازي الذي يبدو انه متجه الى السياسة بأن الجمهور الاسرائيلي قد عاقب منتخبيه على أقل مما بيّنه عنه تقرير مراقب الدولة. يخرج اشكنازي من هذه القضية كلها بعيدا جدا عما كنا نتوقع من رئيس اركان جريء بارد الاعصاب كما صُور لنا في فترة ولايته، أما الصورة التي يُظهرها التقرير فهي صورة شخص يسهل استفزازه، وهو حساس بكرامته ومتأثر بزوجته، ولا يتصرف في تقدير للامور وحكمة، هذا اذا أردنا التلطف.

       4- دخان السجائر

          قبل ذلك بيومين نشرت في "يديعوت احرونوت" مقابلة صحفية أجراها درور موريه مع رئيس "الشباك" السابق يوفال ديسكن. لم يكن ذلك من محققين في مكتب مراقب الدولة يطلعون على اشياء بتوسط بل شخص كان ورأى واستنشق دخان السيجار وبخار الخمر، وذاق مع القادة وجبات الطُهاة التي طُبخت في مواقع الموساد، وهو شخص كان جزءا من المنتديات الأكثر سرية في الدولة وشهد كيفية اتخاذ القرارات.

          كانت تلك وثيقة كان يفترض ان تقيم الدنيا ولا تقعدها. فهو شاهد أمين يدلي بشهادة من ساحة الجريمة ويتحدث كيف تصرف أعيان القيادة الاسرائيلية – نتنياهو وباراك وليبرمان في المباحثات الأشد حرجا في شأن ايران وكأنهم يجلسون في نادي رجال فخم يدخنون السيجار ويشربون الخمر.

          تحدث المنتقدون عن التوقيت – قبل الانتخابات باسبوعين ونصف اسبوع. وتحدثوا عن المصلحة، فقد قالوا ان ديسكن يتطلع الى السياسة.

          لكننا لم نسمع في أي مكان إنكارا شاملا للوصف.

          لم يقل أحد: لم يكن ذلك ولم يقع وان ديسكن يختلق كل شيء. ولم يُقدم ايضا أي تفسير لكون ديسكن واحدا آخر في قائمة متحدثين ادعوا امورا مشابهة على متخذي القرارات مثل ان المصلحة الشخصية عندهم تسبق المصلحة الوطنية؛ وأنهم في المستويين العسكري والامني يخشون ان يوكلوا الى نتنياهو وباراك مهمة ثقيلة الوزن كثيرا كالهجوم على ايران؛ وتحدثوا عن محاولة الاثنين عملا خاطفا كان يمكن ان يحرق المنطقة؛ وأنهم اشتركوا معا في انطباعاتهم عن ان نتنياهو يتعوج ويمضي الى الأمام ثم الى الخلف ويمتنع عن حسم الامور وتحركه في نهاية الامر مصالح لحظية وانتهازية. أو باراك وهو الذي تحسم الامور عنده احيانا مسألة المجد الذي سيناله بعد اتخاذ القرارات.

          بعد وثيقة يقشعر لها البدن كهذه كان يُخيل الينا ان شيئا ما سيتحرك وانه لا يمكن ان يظل الناس في عدم اكتراث وان ينتقلوا عن ذلك الى معتاد عيشهم. وكان يخيل الينا ان تلك الامور ستحث الناس الذين يرون أنفسهم بديلا عن القادة الذين وصفهم ديسكن في المقابلة الصحفية.

       5- خيانة القادة

          ونوصي من لم يكفه كل ذلك ليدرك ما هو الواقع الذي نعيش فيه ان يذهب لمشاهدة فيلم "حُماة الحمى" لدرور موريه نفسه، وهو فيلم واجب على كل مواطن اسرائيلي، وقُبل أمس في قائمة الافلام المرشحة النهائية لجائزة الاوسكار.

          إن الفيلم الذي أُجريت فيه لقاءات صحفية مع ستة رؤساء "شباك" سابقين، يعطي المشاهد الاسرائيلي صورة مزعزعة عن واقع الحياة هنا وهو واقع لا نراه. فالاشخاص الذين اهتموا طوال عشرات السنين بأن نستطيع ان نحيا حياة سليمة، مع الابقاء على نظام احتلال قاس في المناطق، يقدمون الينا بصورة موضوعية التقرير عن الثمن الذي ندفعه عن تلك "الحياة السليمة".

          بل انهم يصفون بقدر ما من الرضى النجاحات العملياتية. فكرمي غيلون يصف الاغتيال "النظيف" للمهندس يحيى عياش، وهو اغتيال أفضى الى موجة عمليات تفجيرية في الحافلات في مدن اسرائيل. ويُسوي ابراهام شالوم عمل الجيش الاسرائيلي وعمل المحتل الالماني نحو السكان في اوروبا في اربعينيات القرن الماضي.

          وهم لا يتندمون ولا ينتقدون أنفسهم بسبب الطرق التي استعملوها. بل يُبينون ان هذا هو ثمن الاحتلال: القسوة وتجاهل قيم الاخلاق، وإفساد الشباب الذين يخدمون في الجيش. ويكرر جميعهم قولهم إن القيادة الاسرائيلية فشلت لأنها لم تستغل العمل الاسود لـ "الشباك" والقمع الذي أحرز هدوءا مؤقتا للتوصل الى تسوية. ويقول الجميع على نحو ما ان الانجازات في هذه الحرب يمكن ان تكون نسبية فقط وان الطريقة الوحيدة للنصر هي التوصل الى تسوية وانهاء الاحتلال.

          "إن دولة تسيطر على سكان معادين من مليون اجنبي تكون بالضرورة دولة جهاز أمن مع كل ما يوجبه ذلك من آثار في روح التربية وحرية التعبير والتفكير والنظام الديمقراطي. فالفساد الذي يميز كل نظام استعماري سيصيب دولة اسرائيل ايضا وستضطر الادارة الى ان تشغل نفسها بقمع حركة عصيان عربي من جهة، واكتساب متعاونين وخونة عرب من جهة اخرى".

          وفي واحد من الأحاديث الاخيرة في فيلم "حماة الحمى" يُصادق يوفال ديسكن رئيس "الشباك" حتى الفترة الاخيرة، ان هذه النبوءة التي تقشعر لها الأبدان للفيلسوف والمفكر إشعياء ليفوفيتش منذ 45 سنة قد تحققت كاملة. بل ان واحدا ممن أُجريت اللقاءات معهم قدّم تشخيصا آسرا وهو ان رؤساء "الشباك" الذين اقتربوا طوال حياتهم من الارهاب حتى رأوا بياض عينيه قد تحولوا مع تسريحهم من الخدمة في جهاز الامن الى يساريين.

          ما يزال هناك اسبوعان للانتخابات وهي فترة محاسبة للنفس لكن الاحزاب صامتة. فالليكود بيتنا والبيت اليهودي وشاس والحريديون يطلبون ثقة الجمهور للاستمرار في الشيء نفسه، والساعة تتكتك لكن لا أحد ينتبه الى ذلك. وحزب العمل الذي كان يفترض ان يعرض بديلا يرفض الحديث عن الاحتلال بل انه يحتوي المستوطنين والمستوطنات. ويتحدث حزبا الوسط الآخران عن السلام لكنهما لا يقذفاننا بكلام ليفوفيتش ورؤساء "الشباك" الستة، فيبدو هذا مثل خيانة القادة ورفضهم المواجهة وجعلنا نواجه الواقع الذي نعيش فيه.

          هل خمسة نواب ميرتس أو الست هم كل قوة الجمهور الذي يفهم الواقع الذي نحيا فيه؟ أهذه هي كل قوة الجمهور الذي يفهم الرسالة من شهادة "حماة الحمى"؟.