خبر يتحدثون مع الإرهاب- هآرتس

الساعة 09:36 ص|10 يناير 2013

 

بقلم: تسفي بارئيل

كانت هذه سنة دامية لتركيا. اكثر من الف شخص، مدنيون وجنود، قتلوا في العمليات الارهابية التي قام بها حزب العمال الكردستاني، في ارجاء الدولة. كما كانت هذه ايضا السنة الاكثر احباطا من ناحية الجيش التركي، الذي تعرض لانتقاد شديد جدا على عدم قدرته "تصفية البنى التحتية للارهاب" الكردي. لقد قصفت تركيا قرى في اراضي العراق، كانت تتواجد فيها حسب الاشتباه قواعد حزب العمال الكردستاني، وهي تدير مفاوضات مضنية مع ايران على التعاون في الحرب ضد الاكراد، وهي قلقة من اللحظة التي يعلن فيها الاكراد في سوريا عن اقليم مستقل في شمال شرقي الدولة، في منطقة تحد بالاقليم الكردي في العراق.

ومثل دول عديدة اخرى تقاتل ضد منظمات الارهاب، توصلت تركيا ايضا الى الاستنتاج بان لا مفر من ادارة مفاوضات مع قيادة المنظمة، كي تحقق على الاقل وقفا بعيد المدى للنار. "لا يمكنك أن تتوصل الى نتائج  وتصفي المنظمة بوسائل عسكرية فقط"، اعترف الاسبوع الماضي يلتشين اكدوان، المستشار الكبير لرئيس الوزراء رجب طيب اردوغان. وقبل يومين من ذلك كان اردوغان نفسه أعلن بان تركيا تدير مفاوضات مع عبدالله اوجلان، زعيم المنظمة الذي اعتقل في 1999 ولا يزال محتجزا في سجن امرالي قرب اسطنبول، بعد ان خففت عقوبته من الموت الى السجن المؤبد.

اوجلان ليس القائد الميداني، ولكن كمن انشأ المنظمة – حزب العمال الكردستاني اقيم في العام 1980 وبعد أربع سنوات من ذلك بدأ يبادر الى حرب عصابات في الدولة – فانه يعتبر الزعيم "الروحي". ومع ذلك، ليس واضحا كم يمكنه أن يؤثر على قرارات القيادات الميدانية الذين يعملون من داخل العراق. ومثل حماس أو فتح في حينه، فان حزب العمال الكردستاني يعاني هو الاخر منذ سنوات من انقسام بين قيادة الخارج وقيادة الداخل، الامر الذي يجعل من الصعب عليه ادارة مفاوضات ناجعة.

القرار بخوض المفاوضات ليس جديدا. فقبل ثلاث سنوات حاولت الاستخبارات التركية الوصول الى تفاهمات مع اوجلان، ولكن في 2010 قرر اوجلان، الذي يقضي وقته في السجن بكتابة الكتب، الانسحاب من المفاوضات بدعوى أن الاتراك لم يتعاطوا بجدية مع اقتراحاته. وشنت تركيا في موعد قريب من ذلك هجوما شاملا على قواعد حزب العمال الكردستاني، اعتقلت مئات النشطاء وتكبدت قواتها خسائر فادحة. ولكن يبدو انه الى جانب الهجوم اجريت مع ذلك مفاوضات ايضا. في ايلول 2011 عصفت تركيا، عندما نشر على الانترنت مقطع مسجل سمع فيه رئيس الاستخبارات التركية، هكان فيدان، يدير مفاوضات مع مندوبين كبار من حزب العمال الكردستاني في اوسلو. وكان في حينه من طالب بتقديم هكان الى المحاكمة، بتهمة عقد اتصال مع منظمة ارهابية، وكان مطلوبا تدخل اردوغان لازالة التهديد بالدعوى القضائية.

والان، مرة اخرى تحاول تركيا فحص فرص الحوار مع اوجلان. شروطه ومطالبه ليست معروفة، ولكن حسب التقارير من مصادر تركية، فان الحكومة مستعدة لان تعرض العفو عن كل من يسلم سلاحه، والسماح له بالهجرة الطوعية من الدولة، فيما تكون احدى دول اللجوء المقترحة هي استراليا. "الاتصالات مستمرة، لان علينا أن نحقق نتائج. وطالما نجد امكانية كامنة في تحقيق نتيجة، فاننا سنواصلها"، قال اردوغان في مقابلة صحفية الاسبوع الماضي. وفجأة اصبحت المفاوضات مع منظمة ارهابية مشروعة في دولة أعلنت تقليديا بانها ستقاتل في حرب ابادة ضد حزب العمال الكردستاني، ولن تجري معه اي مفاوضات.

الحاجة الى وقف نار باتت عاجلة جدا على خلفية شبكة العلاقات الاستراتيجية الجديدة التي تطورها تركيا مع الاقليم الكردي في العراق ومع القيادة الكردية بقيادة مسعود برزاني. ومع أن برزاني وافق على المساعدة في الحرب ضد حزب العمال الكردستاني، ولكن تركيا تجد صعوبة اكبر مما في الماضي للضغط عليه والعمل بحزم، بعد أن اصبح شريكها الاستراتيجي. الازمة في العلاقات بين تركيا والعراق على خلفية اعطاء ملجأ لنائب الرئيس العراقي طارق الهاشمي، المطلوب في العراق للاشتباه بمشاركته في الارهاب، اضافة الى المساعدة التي يمنحها العراق لنظام الاسد، الى جانب الاستثمارات التركية الكبرى في الاقليم الكردي، جعلت القيادة الكردية حليفا. ولكن لهذا الحلف يوجد ثمن.

برزاني، الذي يساعد الاكراد في سوريا بشكل نشط ويسمح لقوات الثوار الاكراد السوريين بالتدرب والتسلح في اراضيه، لا يريد أن يتخذ صورة من يقاتل بنفسه ضد "مقاتلي الحرية" الاكراد الذين يعملون ضد تركيا. وهو يفضل ان تتوصل تركيا الى اتفاق مع حزب العمال الكردستاني وتتوقف عن الضغط عليه ليصبح متعاونا.

كما ان الضغط السياسي على اردوغان داخل تركيا آخذ في التصاعد. هذه السنة ستجرى انتخابات للسلطات المحلية، والتي مثلما في الماضي سترمز الى مدى شعبية حزب العدالة والتنمية وستثبت أو تضعضع بنية التأييد قبل الانتخابات للرئاسة التي ستعقد في السنة القادمة. لحل "المشكلة الكردية" كفيلة بان تكون بالتالي آثار سياسية ثقيلة الوزن على فرص اردوغان لينتخب رئيسا. وهكذا تنقلب الامور راسا على عقب، فيما أن المحور الذي يربط بين سجن امرالي وبين جبال قنديل في الشمال العراقي حيث يتخذ حزب العمال الكردستاني قواعد له، هو ايضا المحور الكفيل بان ينقل اردوغان من مقر رئيس الوزراء الى قصر الرئاسة.