خبر فتح وحماس وتغيّر المعادلة .. بقلم علي بدوان

الساعة 09:16 ص|10 يناير 2013

 

تعيش حركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح) هذه الأيام الذكرى السنوية الثامنة والأربعين لانطلاقتها المسلحة تحت راية قوات العاصفة، وقد مرت بمنعطفات حادة في مسيرة اتسمت بالتعقيدات الهائلة التي تلخص مسار الصراع في المنطقة مع المشروع الكولونيالي التوسعي الصهيوني وتداخلاته الإقليمية والدولية.

وبالطبع، فإن تحولات مثيرة طرأت على مسار العمل الفلسطيني خلال العقدين الماضيين كان من أهمها أن حركة فتح لم تعد تبقى هي الفاعل الرئيس والأساسي في حركة العمل السياسي والوطني الفلسطيني، فقد تألقت حركة حماس ومعها حركة الجهاد الإسلامي، وباتت المعادلة الفلسطينية مؤلفة من قطبين رئيسيين هما القطب الوطني بقيادة حركة فتح، والقطب السياسي الإسلامي بقيادة حركة حماس.

هذا التحول في الخريطة السياسية والفصائلية الفلسطينية لا ينفي أدوار الآخرين من القوى اليسارية والقومية وعموم فصائلها المختلفة، إلا أن تلك القوى تراجعت في حضورها وأدائها، وباتت غير قادرة على الفعل والتأثير في الساحة الفلسطينية كما كانت في فترات سابقة من العمل الفلسطيني.

وعليه، إن تحولاً جذريًّا وهائلاً قد حل في المعادلة الوطنية السياسية الفلسطينية مع انطلاقة حركة المقاومة الإسلامية (حماس) نهاية العام 1987، ومن قبلها بقليل حركة الجهاد الإسلامي، فبات الوضع الفلسطيني في ظروف ومعطيات مخالفة لما كان عليه الوضع في السنوات التي سبقت انطلاقة حركة حماس، وباتت حركة فتح هذه المرة أمام حالة جديدة من التوازن الفلسطيني بين قطبين رئيسيين هما حركتا فتح وحماس في حين تراجع التيار اليساري والقومي حضورًا وفعلاً وتأثيرًا بحدود كبيرة.

من هنا، فإن المعادلة الفلسطينية الجديدة، وضعت حركة فتح أمام تحد من نوع جديد، فلم يعد بإمكانها تسيير دفة الأمور كما تراها وحدها كما جرت العادة، دون تشاركية وطنية حقيقية مع طرف مؤثر في الساحة الفلسطينية بالرغم من قيادة حركة فتح للمنظمة حتى الآن وتوقيعها اتفاق أوسلو الذي ولدت منه السلطة الفلسطينية.

إضافة لذلك، فإن ولادة السلطة الفلسطينية عام 1994 وضع حركة فتح أمام معضلات جديدة، خصوصًا وأنها كانت تعاني من مشاكل تنظيمية هائلة، ومن تأخر في عقد مؤتمرها العام، وقد تماهت أوضاع الحركة مع أوضاع السلطة، فباتت الحركة كحزب سلطوي جديد على غرار الأحزاب السلطوية في الدول العالمثالثية التي تحكمها قبضة الأحزاب السلطوية الشمولية، وهو أمر جَرَّ عليها الخراب الداخلي وانتشار هيمنة العسكر والفساد والتسلط، بالرغم من الحالة الكفاحية الفلسطينية التي تعالت وارتفعت مع انطلاقة الانتفاضة الكبرى الثانية منتصف العام 2000، والتي تعاظم فيها دور حركات المقاومة بما فيها الجناح العسكري لحركة فتح المسمى بكتائب شهداء الأقصى في الضفة الغربية والقدس وقطاع غزة، وقد انتهت تلك المرحلة عمليًّا مع رحيل الرئيس ياسر عرفات بعملية اغتيال مكشوفة عرضت العديد من وسائل الإعلام تحقيقًا شاملاً وملموسًا وعلميًّا عنها.

وخلاصة القول، إن حركة فتح ومع دخولها العام الثامن والأربعين من عمرها، تجد نفسها الآن أمام تحد بالغ الخطورة، فإما أن تحافظ على ديمومتها، وتطور من أدائها الداخلي، وتعيد تجديد حيويتها وبناء مؤسساتها بشكل معتبر مستفيدة من دروسها الثمينة، ومن تجاربها التي أكسبتها منعة وشيئا من الحصانة الداخلية التي حمتها من التشقق والتشرذم والتشظي المتتالي إبان أزماتها العاصفة خصوصًا زمن الانشقاق الكبير عام 1983 كما حصل مع باقي القوى الفلسطينية وحتى الأحزاب العربية الكبرى، واما فإن القدر سيحملها ويدفع بها نحو التقوقع والتكلس والتحول إلى حزب سلطوي جديد في الخارطة السياسية العربية، كما هو حال الأحزاب السلطوية الحاكمة في بعض بلدان العالم الثالث، حيث انتقلت الأحزاب المشار إليها من "الراديكالية العالية" الملونة بالألوان الجيفارية والكاستروية والماوية والتروتسكية وحتى الديمقراطية الليبرالية والإصلاحية... الخ، إلى أحزاب "أيديولوجيا المنافع والمعيشة والجمهور الفضفاض" وبلباس "البراجماتيا المفتوحة السقف"، وتاليًا لم تجد من يدافع عنها إبان الأزمات كما حصل في الاتحاد السوفييتي السابق عندما انهارت دولة الترسانة النووية وحزب العشرين مليون عضو ولم تجد شوارع موسكو فردًا واحدًا يدافع عن الاتحاد السوفييتي أو عن حزب "الطبقة العاملة" المسمى بحزب البلشفيك الماركسي اللينيني الذي قاد الاتحاد السوفييتي لأكثر من سبعين عامًا.