خبر الحياة اللندنية: «حماس» تعيش مخاضاً قد يميل لصالح قيادة غزة

الساعة 08:01 ص|06 يناير 2013

الحياة اللندنية

على غير العادة، استغرقت الانتخابات الداخلية في حركة «حماس» أكثر من عام، جرى خلالها انتخاب مجالس الشورى في شطري الوطن (الضفة الغربية وقطاع غزة) والشتات، وتشكيل مجلس الشورى المركزي الذي سينتخب المكتب السياسي للحركة ورئيسه للسنوات الأربع المقبلة.

وعاشت الحركة خلال العملية الانتخابية مخاضاً اتسم بشيء من العسر في بعض المراحل، ما يعكس صعوبة الأسئلة التي تواجهها الحركة في شأن خياراتها للمرحلة المقبلة. أولى هذه الأسئلة وأكثرها صعوبة، هو السؤال عن مستقبل قطاع غزة، ومستقبل المصالحة، والعلاقة بين الخارج والداخل في الحركة.

وتوقف المكتب السياسي للحركة في اجتماعيه الأخيرين اللذين عقدا في القاهرة أمام هذه الأسئلة الكبيرة التي أظهرت الإجابة عليها اجتهادات ورؤى مختلفة تركت أثرها على مجريات العملية الانتخابية ومخرجاتها.

ففي شأن المصالحة، عارض جميع أعضاء المكتب السياسي للحركة في قطاع غزة وبعض أعضاء المكتب في الخارج، خصوصاً نائب رئيس المكتب السياسي الدكتور موسى أبو مرزوق «اتفاق الدوحة»، وفرضوا قيوداً على رئيس المكتب خالد مشعل في شأن أي تحركات سياسية أو اتفاقات مقبلة، منها ضرورة حصوله على موافقة المكتب السياسي أولاً.

ودفعت هذه القيود بمشعل إلى إعلان قراره عدم الترشح لرئاسة المكتب السياسي للحركة لفترة جديدة. ويبدو أن خطوة مشعل رمت إلى اختبار مدى رغبة قيادة الحركة، ليس فقط في إعادة انتخابه لرئاسة المكتب السياسي، وإنما أيضا مساحة الحرية التي ستمنحها له في ولايته الجديدة.

وعكست النقاشات الداخلية في «حماس» وجود رؤيتين في شأن المصالحة ومستقبل قطاع غزة في مرحلة ما بعد الربيع العربي. فمشعل وفريقه يرون أن الربيع العربي يعزز مكانة الحركة ومستقبلها في النظام السياسي الفلسطيني، الأمر الذي يتطلب منها العودة إلى هذا النظام عبر المصالحة والاندماج في النظام، بما فيه السلطة ومنظمة التحرير، وتقديم التنازلات المطلوبة من أجل هذه العودة. ويرى أصحاب هذا الرأي أن التحول الذي تشهده المنطقة سيوفر قوة دعم شعبية واسعة للحركة في النظام السياسي الفلسطيني تؤهلها لقيادته مستقبلاً.

وثمة فريق آخر تمثله بالدرجة الأولى قيادة «حماس» في غزة، يرى في التغيير الذي يشهده العالم العربي دعماً لتجربتها في الحكم في القطاع التي تميزت بمواجهة الحصار. وترى هذه القيادة أن نجاحها في اجتياز مرحلة الحصار يتطلب منها مواصلة الحكم للمرحلة المقبلة لجني ثمار ما تعتبره صموداً كبيراً في مواجهة حصار قاس استمر سنوات طويلة. ويقول ممثلو هذا الفريق: «عاش معنا الجمهور تجربة الحصار، وهذا أفقدنا الكثير من شعبيتنا في غزة، والآن نريد للجمهور أن يختبرنا في مرحلة ما بعد الحصار، خصوصاً بعد توافر دعم قطري لإعادة الإعمار، وبدء تسهيل الحركة على المعابر الخارجية، خصوصاً معبر رفح مع مصر».

ويرى قادة «حماس» في غزة أنه يمكن الحركة هناك أن تشكل نموذجاً يعزز مكانة الحركة في الضفة الغربية. وتعززت مكانة هذه الرؤية بصورة كبيرة بعد الحرب الإسرائيلية الأخيرة على قطاع غزة التي قدمت فيها الحركة أداء أثار إعجاب الكثيرين في القطاع وفي الضفة على السواء.

وترى قيادة «حماس» في غزة في «اتفاق الدوحة» خطأ كبيراً، لأنه يمنح السلطة الفلسطينية شراكة في الحكم في قطاع غزة من دون أن يمنح «حماس» شراكة متوازية في منظمة التحرير وفي الضفة الخاضعة للاحتلال والتي تتعرض فيها الحركة إلى قمع يومي.

وطالبت هذه القيادة في الاجتماعات الأخيرة للمكتب السياسي، وفي توجه عكس إجماعاً بينها، بالعمل على مصالحة متدرجة تبدأ من منظمة التحرير أولاً، وتقود تدريجاً، بعد سنوات، الى توحيد السلطة في الضفة والقطاع. ورأت أن الانتخابات يجب أن تجرى أولاً لمنظمة التحرير، أي للمجلس الوطني الفلسطيني في الشتات، على أن تقوم القيادة الجديدة للمنظمة بتعيين حكومة مشتركة للسلطة لفترة تتراوح بين عامين الى أربعة أعوام.

وترى قيادة غزة في تقديم انتخابات السلطة على انتخابات المنظمة طريقاً لتجريدها من الحكم في غزة، أو تقليص حكمها لصالح السلطة. وقال مسؤول رفيع في الحركة: «انتخابات السلطة ليست حلاًّ لمشكلة الانقسام، بل على العكس، ربما تكون سبباً لتعزيز الانقسام تماماً، كما جرى عقب انتخابات عام 2006، ففي حال فازت حركة فتح في هذه الانتخابات، فإن حماس في غزة لن تمكنها من إدارة القطاع، وفي حال فازت حماس فإن فتح في الضفة لن تمكنها من إدارة الضفة».

وتعارض «حماس» بشدة إجراء الانتخابات العامة في هذه الفترة بسبب تعرض قياداتها ونشطائها لحملات اعتقال لم تتوقف خلال السنوات الخمس الأخيرة.

وعكست الانتخابات الداخلية في «حماس» والنقاشات التي صاحبتها، تزايُدَ ثقل قيادة الحركة في غزة في الحركة. وتعززت مكانة قيادة غزة وثقلها في الحركة عقب الحرب الإسرائيلية التي نجحت فيها «حماس» في توجيه ضربات في العمق الإسرائيلي وصل الى مدينة تل أبيب.

وتتشكل قيادة «حماس» من انتخابات تجري في ثلاث دوائر هي الضفة وقطاع غزة والشتات. ويحظى كل من هذه الدوائر بحصص متساوية في مجلس الشورى وفي المكتب السياسي. ويتألف مجلس الشورى من 54 عضواً منتخباً يضاف اليهم أعضاء من مؤسسات الحركة ليبلغ العدد النهائي نحو 60 عضواً. أما المكتب السياسي، فيتألف من 19 عضواً، 6 أعضاء لكل دائرة من الدوائر الثلاث، بينما يجري انتخاب رئيس المكتب السياسي في انتخاب عام في مجلس الشورى.

وليس من الواضح متى ستنتهي انتخابات المكتب السياسي للحركة، ذلك أن أصواتاً عديدة تطالب بتأجيلها لحين التوصل إلى توافق داخلي على بقاء مشعل على رأس الحركة. ويتوقع، في حال إصرار مشعل على عدم خوض الانتخابات، أن يفوز نائبه أبو مرزوق برئاسة المكتب السياسي للحركة.

ويحظى أبو مرزوق بدعم واسع من ممثلي الحركة في قطاع غزة، ليس فقط لأنه ينحدر من القطاع، وإنما أيضاً لوقوفه إلى جانب مطالب قيادة القطاع ومواقفها، خصوصاً في ملف المصالحة.

ولا تختلف الرؤية السياسة لأبو مرزوق كثيراً عن رؤية مشعل، لكن يتوقع، في حال فوزه في رئاسة المكتب السياسي، أن يتخذ سياسة براغماتية تراعي الثقل النوعي لقيادة غزة في الحركة، فهو يدرك أن قيادة «حماس» في غزة، والتي لا يزيد تمثيلها العددي عن قيادة الضفة أو الخارج، تمتلك في يدها مفاتيح الحرب والسلام والمصالحة، كما أن في يدها الملفات الأكثر ثقلاً في الحركة، مثل الحكومة و «كتائب عز الدين القسام» والأمن الداخلي.

وفي حال إصرار مشعل على عدم الترشح، فإن مصادر في «حماس» تؤكد أنه سيواصل لعب دور مهم في الحركة. وتوقعت هذه المصادر أن يتولى مشعل موقعاً مهماً، مثل رئيس مجلس شورى الحركة. وترى أن مشعل، الذي يمتلك شخصية قيادية، سيعمل على تحويل هذا المنصب الى منصب مركزي مؤثر في الحركة.

وثمة من يتوقع أن يحتل مشعل موقعاً مهماً في منظمة التحرير الفلسطينية في حال حدوث تقدم في ملف المصالحة، وهو الملف الذي تعمل جهات اقليمية عديدة مهمة، مثل قطر ومصر وتركيا، على تحريكه بهدف تحقيق مصالح إقليمية حيوية.