خبر « فتح ».. ما بعد الانطلاقة .. مؤمن بسيسو

الساعة 08:01 م|04 يناير 2013

حركة فتح ما بعد انطلاقتها الثامنة والأربعين ينبغي ألا تكون هي ذاتها ما قبل الانطلاقة.

التغيّر الذي يُنتظر أن تستحثّه حركة فتح سوف يكون محوريا ومصيريا على الساحة الفلسطينية الداخلية، وسوف تتحدد، بناء عليه ووفقا له، ملامح المشهد الفلسطيني الداخلي خلال المرحلة المقبلة.

لا نُحمّل فتح المسؤولية لوحدها إزاء دفع جهود المصالحة وإعادة ترتيب البيت الفلسطيني الداخلي، فحركة حماس ومعها بقية الفصائل والشخصيات الوطنية ومؤسسات المجتمع المدني تتحمل –بالمقابل- مسؤوليات موازية بأقدار متفاوتة، لكننا نعتقد أن فتح تملك بيدها مفتاح حلّ الأزمة الفلسطينية الداخلية، وأنها تملك معظم عناصر الانفراج الداخلي خلال المرحلة الراهنة.

حين سمحت فتح لحماس بتنظيم مهرجاناتها في الضفة الغربية، وأوقفت –تقريبا- حملتها الأمنية ضد ناشطي الحركة هناك، أصبح المناخ الوطني العام أكثر إيجابية، ما وجد تجسيداته العملية على أرض قطاع غزة التي تستعد لإحياء المهرجان المركزي لحركة فتح غدا الجمعة، وأرسى الأسس الصالحة لواقع جديد لا زال في طور التشكّل والتبلور لجهة استعادة مفردات التسامح القيمي وأصول التعايش الوطني المشترك التي غابت نهائيا إبان السنوات الأخيرة.

ما يجري يلامس شيئا من الرضى والقبول الوطني، لكننا لا زلنا بحاجة ماسة إلى العديد من الخطوات الضرورية لتفكيك عُقَد الأزمة الداخلية التي تملكها فتح، حصريا، دون حماس.

الحملة الأمنية ضد ناشطي حماس في الضفة يجب أن تتوقف نهائيا، وأن لا تعود الأجهزة الأمنية هناك إلى سياسة الاعتقالات والاستدعاءات تحت أي ظرف كان، وأن تضع حدا للتنسيق الأمني مع الاحتلال الذي أضر بساحتنا الداخلية وأثخن في نسيجنا المجتمعي طيلة المرحلة الماضية.

الطريق إلى الشراكة الوطنية الحقّة ينبغي أن تسلكه فتح بكل جدية خلال المرحلة القادمة، وأن لا تتعامل مع المصالحة في إطار المفاهيم الضيقة المحدودة التي لا تتجاوز تشكيل الحكومة التوافقية وإجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية فقط.

مفتاح الشراكة تمتلكه فتح بشكل حصري، فهي تملك المفتاح الذي يلج بنا إلى منظمة التحرير الفلسطينية وقرار إعادة بنائها على أسس تنظيمية وسياسية جديدة، وهي تملك المفتاح إلى إعادة تشكيل الأجهزة الأمنية في الضفة والقطاع على أساس مهني ووطني، وهي التي تملك قرار إعادة صياغة بنى ومؤسسات النظام السياسي الفلسطيني على أسس سليمة، وهي التي تملك إرساء برنامج القواسم المشتركة سياسيا عبر الاستعداد للتوافق على رؤى وآليات لإدارة الصراع مع الاحتلال.

تحديد سقف تنفيذ المصالحة تمتلكه فتح بشكل حصري أيضا، إذ أن حماس تبدو اليوم في موقع الاستقبال للمبادرات الصادرة عن فتح التي تملك معظم مفاتيح المصالحة، ودورها يتمثل في الرد عليها بأحسن منها، والمبادرة من طرفها بدفع جهود التوافق الوطني عبر المزيد من الخطوات الرامية إلى تهيئة الأجواء لاستيعاب رسالة المصالحة والتوافق والتعايش المشترك.

لا مفر من تفعيل الأدوات الكفيلة بإنفاذ المفهوم الحقيقي للمصالحة الذي يقودنا إلى الشراكة الوطنية الكاملة بين مختلف الأطياف الفلسطينية، ولا مفر من نشر ثقافة التسامح والتعايش المشترك في عموم ساحتنا الوطنية، لأن البديل عن الوضع الكارثي الذي سببه الانقسام البغيض سوف يكون –بالتأكيد-أكثر كارثية.

موروث الانقسام ثقيل للغاية، وعلاجه يكمن في التسلح بالإرادات الوطنية الخالصة من الأجندات الخاصة والخارجية، واجتراح العمل التراكمي لإصلاح الواقع الفلسطيني المأزوم.

هذا السبيل ولا سبيل سواه.