خبر مقابلة خاصة مع رئيس « الشباك » يوفال ديسكن ..يديعوت

الساعة 11:33 ص|04 يناير 2013

أجرى المقابلة: درور موريه

          (المضمون: ديسكن رئيس المخابرات السابق يتهم نتنياهو بالجبن والتذبذب وعدم المسؤولية. ويشخص الحالة بانها أزمة قيادة، ازمة قيم، استخفاف تام بالجمهور. ويقول للجمهور انه عن كثب يبدو الامر حتى اسوأ من ذلك – المصدر).     

"كنا نجلس في تباحث مهم في شأن ايران، حلقة حساسة اشتملت ايضا على مجموعة من الوزراء وعلى قادة جهاز الامن ومساعديهم ايضا، وكان يجلس ثلاثة وزراء: رئيس الوزراء نتنياهو ووزير الدفاع باراك ووزير الخارجية ليبرمان، ويُدخنون السيجار في حضور الحلقة كلها. نهض وزير الدفاع واتجه الى المشرب في تلك الغرفة التي هي غرفة ضيافة لاحدى المنظمات، وبدأ يصب لنفسه بين آن وآخر كأسا صغيرة من الشراب من احدى الزجاجات التي كانت موضوعة هناك. في منتصف تباحث حساس جدا ومهم كان يقف حاملا كأس الخمر مع السيجار في يده أمام ضباط من الجيش الاسرائيلي وناس من الجماعة الاستخبارية، وكان هذا هو المشهد الذي يراه المشاركون في ذلك التباحث.

          "أقول لك انها صورة تساوي أكثر من ألف كلمة. فقد كان بازاء عمق التباحث وأهميته شيء من الاستخفاف المطلق بالناس جميعا. بل إنني لا أعرف كيف أُفسر الشعور الذي شعرنا به في تلك اللحظة. وليس وزير الدفاع باراك مجرد انسان من الشارع بل انه شخص كان مقاتلا وضابطا في الجيش وقائد دورية هيئة القيادة العامة ورئيس اركان. وهو واحد يفترض ان يعرف ما هو المثال المحتذى وما هي القيادة والناس. ماذا ظن ان يشعر الناس في تلك اللحظة التي فعل فيها ذلك، وكنت ترى الجميع ينظر بعضهم الى بعض وبدأ بعضهم يراسل بعضا.

          "لا أعلم هل أنجح في أن أنقل اليك الرسالة التي تُبين مبلغ هذيان كل ذلك الامر.

          "كان يجلس في الغرفة واحد من وزراء الحكومة يعاني مشكلات تنفس وهو شخص يجلس معهم في مباحثات كثيرة اخرى. وكنت اسأله: قُل لي ألا يضايقك ذلك؟ وكان يجيب: "يضايقني جدا" وكنت أقول له: "ألا تُنبههم الى ذلك؟" فكان يجيب: "نبهتهم لكنهم لا يصغون".

          "قلت في مرحلة ما إنني سأكف عن الجلوس في مباحثات يدخنون فيها السيجار وإنني سأخرج من هذه المباحثات اذا استمروا في التدخين. وانضم إلي في ذلك يوحنان لوكر، أمين السر العسكري، وأصررنا على ذلك ببساطة اصرارا شديدا وتم الكف عن ذلك في الحلقات التي جلسنا فيها. من أين يأتي كل هذا الاستخفاف بالبيئة المحيطة كلها؟".

          لم تسكن نفس رئيس "الشباك" السابق يوفال ديسكن الى اليوم من تلك الجلسة في "فيلا" الموساد في غليلوت. "يجمع بيبي هذه الحلقة في الموساد لأنه يوجد للموساد غرفة ضيافة، وهو يفعل ذلك بالطبع تحت غطاء السرية. لكن في الخارج يقف طُهاة ذوو قبعات بيضاء على رؤوسهم ويُعدون غداءا فخما في حين يتم في الداخل تباحث حساس جدا في قضية ايران. فامض الآن لتفسر هذا للناس. حتى إن المواطن في الشارع لا يستطيع ان يفهم مبلغ هذيان هذا الامر. قد يبدو هذا للناس شيئا تافها ومجرد تباحث مع سيجارات وشيء من المشروبات يشربها وزير الدفاع وعدد من النادلين مع قبعات بيضاء على رؤوسهم".

          لا يمكن ان نخطيء فهم نغمة لغة يوفال ديسكن، فهي خليط ساخر مُر من الاشمئزاز والقلق والتزعزع يميز الشخص الذي ربما كان يعتبر أبرز رئيس "شباك" وأكثره تأثيرا في العقود الاخيرة. فقد خدم ديسكن 38 سنة باخلاص وولاء في جهاز الأمن. خدم وسكت. وهو يشعر الآن بأنه لم يعد يستطيع السكوت. وهذه أول مقابلة يجريها مع الصحف منذ تم تسريحه من الخدمة في "الشباك" أو هي أول مقابلة أجراها منذ كان.

          التقيت مع ديسكن أول مرة في مكتبه إذ كان رئيس جهاز الامن العام وكان ذلك في أواخر 2010. وقد جئت لأطلب أن يشارك في فيلم كنت أُعده يشارك فيه رؤساء "الشباك" وهو "حُماة الحمى"، وكان ذلك بعد ان أنهيت الجولة الاولى من المقابلات المصورة مع خمسة من رؤساء الجهاز سبقوه. وكان يوفال ودودا وموضوعيا وسألني بعد الترحيب: "لماذا تريد ان تُعد هذا الفيلم خاصة من وجهة نظر رؤساء جهاز الأمن؟".

          وكان الجواب بسيطا: "لأنكم أكبر الخبراء بالصراع الاسرائيلي الفلسطيني وهذا ما تقومون به في كل يوم. فاذا كان يوجد شخص ما يستطيع ان يُبين عن هذا الصراع في أوضح صورة فأنتم اولئك. فقد جربتم الصراع على أجسادكم ورأيتموه من أصعب الاماكن وأكثرها ايلاما وكنتم هناك مع متخذي القرارات في اللحظات الحرجة وتستطيعون ان تقدموا شهادة من مصدر أول على ما اختل على مر السنين".

          وابتسم يوفال ووافق.

          أصبح من الصعب علي أن أنام بعد المقابلة الاولى معه. فالفرق بين الصورة التي استقرت في ذهني قبل اللقاء عن "والد نظرية الاغتيال المُركز" و"رئيس الشباك الأكثر صرامة وجدوى في العقود الاخيرة" وبين الرجل الحائر والشكاك والمعذب الذي تبين لي، ضربتني بقوة ضربة مادية.

          فمنذ ذلك الحين قابلته مرتين أخريين للفيلم. كان ذلك مرة اخرى إذ كان رئيس الجهاز وكانت المرة الاخيرة بعد ان أنهى عمله بثلاثة أشهر، والتقينا منذ ذلك الحين بضع مرات لأحاديث لكنه لم يُسمع في جميع أحاديثنا الطويلة قلقا وغاضبا كما سُمع هذا الاسبوع.

          الكثير جدا من الأنا

          "منذ سنة 1994 تقريبا أُتيح لي ان أعمل قريبا على نحو ما من المستوى السياسي الأرفع في دولة اسرائيل – رؤساء الوزراء ووزراء الدفاع – ورأيت أنواعا مختلفة من القادة. رأيت رابين وبيرس وبيبي وباراك وشارون واولمرت وبيبي مرة اخرى رئيسا للوزراء وباراك وزيرا للدفاع. وحينما آخذ هذه الطائفة من القادة الذين أُتيح لي ان أعمل تحت إمرتهم استطيع ان أقول إنه وُجد قادة كان عندي شعور دائما بأنهم سيفضلون المصلحة القومية على كل شيء في لحظة الحسم حينما تقف مصلحة الدولة بازاء مصلحتهم الشخصية.

          "أستطيع أن أقول هذا عن رابين وبيرس وشارون بل عن اولمرت. لا يعني هذا أنهم اتخذوا دائما القرار الصحيح لكنهم جاءوا من المكان حيث مصلحة الدولة قبل كل شيء آخر. ويؤسفني ان شعوري وشعور كثيرين من كبار مسؤولي جهاز الامن حينما كنا نتحدث عن نتنياهو وباراك ان المصلحة الشخصية، والانتهازية والحالية عندهما هي الشيء الذي يسبق كل شيء آخر. واؤكد أنني أعبر هنا عن شيء لا أشعر به وحدي بل يشعر به كثيرون من الزملاء في مستواي تحدثت اليهم".

          - هل توجد أمثلة تُبين لماذا يثور هذا الشعور عندكم بالنسبة لنتنياهو وباراك؟

          "انها سلسلة أمثلة كثيرة جدا. وأشياء كثيرة تتصل بالتفاعل الحميم جدا الذي يتم بينك وبين هؤلاء الناس – في العمل الذي توجد فيه وفي المباحثات واللقاءات والأحاديث بأربع عيون، واجراءات اتخاذ القرارات ورغبتهم في تحمل مسؤولية أو عدم تحمل مسؤولية عن اشياء وصورة سلوكهم ومثالهم الشخصي. انه بازل من اشياء كثيرة صغيرة تنشيء كلها عندك شعورا بعدم الثقة وعدم الأمن في السير وراء هؤلاء الناس.

          "إن الذي حثني على التطرق الى هذا الشأن حقيقة أنهما تحدثا طوال ذلك الوقت عن القضية الايرانية وسألا في الأساس هل من الحكمة أم ليس من الحكمة ان نهاجم ايران. وهل توجد قدرة عملياتية أو لا توجد قدرة عملياتية. وعندي رأي في هذا الشأن لكنني أعتقد ان الشيء الأكثر تركيبا والأكثر جوهرية والذي يهمني جدا أن أثيره حول التباحث العام هو سؤال هل اولئك الذين يمسكون بمقود الدولة قادرون على ادارة حدث بهذا الحجم؟.

          "من السهل نسبيا دخول هذا الحدث فكل ما تحتاج اليه ان تقرر فتقول تعالوا نهاجم ايران. لكن اذا دخلنا حدثا كهذا فهل سيكون هذان الاثنان، بيبي وباراك، قادرين حقا على اخراجنا منه مع النتائج التي تريدها دولة اسرائيل؟ ولما كنت قد رأيت هذين الشخصين في غير قليل من الموافقة على خطط وعمليات وأحداث مختلفة في الولاية الحالية وفي الماضي فانني أنا وغير قليل من زملائي لم نشعر بثقة في قدرتهما على قيادة اجراء كهذا. ولم نشعر بثقة ببواعث هذين الشخصين.

          "كان شعور كثيرين منا بأن حب الذات عند باراك، حتى في مباحثات حساسة تمت في عهد اولمرت وفي فترة نتنياهو، قد يدفع الى قرارات أو توصيات هاذية احيانا. ولا استطيع أن أفصل أكثر من هذا لكن هذه التوصيات تركت المشاركين في تلك المباحثات فاغري الأفواه لا مرة ولا مرتين".

          - ما الذي تشعر به باعتبارك انسانا لا باعتبارك رئيس "شباك"، حينما تلقى توصيات كهذه ترى الباعث عليها التفكير فيمن سينال حُسن السمعة؟

          "أشعر باعتباري انسانا بالشوق الى فترات اخرى وأشعر بالشوق في الأساس الى زعماء آخرين. إنتبه أنا لست ساذجا فأنا أفترض أن لكل زعيم نقاط ضعفه ونقاط قوته لكن انطباعي ان زعماءنا منذ زمن بعيد ما عادوا قدوة شخصية وهذه في نظري من الصفات الأهم للزعامة وهي صفة تجعل الناس في نهاية الامر يسيرون وراء الزعيم.

          "حينما أنظر الى نتنياهو لا أرى فيه شيئا من القدوة الشخصية باعتباره زعيما، وحينما أنظر الى اهود باراك لا أرى فيه شيئا من القدوة الشخصية باعتباره زعيما. ولست ساذجا فيما يتعلق بشارون وما يتعلق باولمرت وغيرهما – فقد اخطأ كل واحد أخطاءه، وكان عند كل واحد نقاط ضعفه. لكن ما يزال شعوري وشعور زملائي بأن رابين وبيرس وشارون واولمرت استطاعوا ان يضعوا المصلحة القومية قبل كل شيء آخر. ولم أشعر بنفس الشعور مع نتنياهو وباراك وأعتقد ان آخرين كذلك".

          - ما الذي يحثهما في رأيك؟

          "لا أعرف أن أدخل هنا في تحليل نفسي متخصص لكنني أعتقد أنه الكثير جدا من الأنا. عندي شعور عميق جدا بأن نتنياهو في القضية الايرانية مطارد بمناحيم بيغن الذي هاجم المفاعل الذري في العراق واولمرت الذي زُعم في اماكن عديدة انه هاجم المفاعل الذري في سوريا. يريد بيبي ان يدخل التاريخ باعتباره فعل شيئا ما عظيما كهذا. وأُتيح لي أكثر من مرة ان أستمع اليه وهو يستخف بما فعله أسلافه قائلا إن مهمته – ايران – هي شيء ذو قَدْر يختلف تماما.

          "من حسن حظنا ان بيبي على نحو عام أسير جدا لمخاوفه وخشيته اذا لم يكن شخص ما الى جانبه يمكن ان تُطرح المسؤولية عليه اذا اختلت الامور. وتعال نقُل انه يصعب عليه كثيرا ان يتخذ قرارات مهمة من غير رئيس هيئة اركان ووزير دفاع قويين الى جانبه".

          - في برنامج أمنون ليفي الذي تناول الهجوم على المفاعل الذري السوري، أُجري لقاء مع صحفي اجنبي قال انه حينما حل باراك محل عمير بيرتس في وزارة الدفاع كانت قد أصبحت توجد خطط للهجوم لكن باراك عارض، ولم ينجح أحد في أن يفهم لماذا. وتم الاعتقاد ان باراك اعتقد ان اولمرت سيسقط على أثر تقرير فينوغراد وانه سيُنتخب رئيسا للوزراء وحينها سيكون حُسن أُحدوثة تدمير المفاعل الذري من نصيبه. اذا كان هذا صحيحا فمعنى ذلك ان باراك أراد ان ينتظر ويتعرض لخطر الهجوم على مفاعل ذري قد يكون ساخنا وقد يلوث الفرات ودجلة من اجل حُسن السمعة فقط؟.

          "لن أتناول ذلك بصورة محددة، لكن قلت لك من قبل انه يوجد ناس مستعدون في حالات ما لتفضيل اعتبار حسن السمعة أو الحظوة بشيء ما آخر على اعتبارات اخرى من الطراز الاول. وليفهم العاقل".

          - هل يشمل ذلك تلويث نهر بالاشعاع الذري؟

          "قلت لك إنني لا أنوي ان أتناول كل ذلك الامر. لكن صاحبنا دائما شعور بأن مصلحته الشخصية هي التي تحثه في ساعات الحسم أكثر من غيرها. والآن هل يؤثر فينا ذلك أو أثر حينما كان يجب علينا التفكير في الخروج في عمليات مختلفة أو مهمات أو خطط ضخمة مختلفة؟ نعم بيقين".

          مُحزن ومُخجل

          خدم يوفال ديسكن 38 سنة في الجيش الاسرائيلي وفي جهاز الامن العام أمضى أكثرها في جبهة محاربة الارهاب. وكان نحوا من 20 سنة وبخاصة حينما تولى رئاسة "الشباك" من أيار 2005 الى أيار 2011، كان مشاركا في اجراءات اتخاذ القرارات في قضايا أمنية وسياسية احيانا. وفي مقابلات أجريتها مع رؤساء "الشباك" من اجل الفيلم، كُشف لي أكثر من مرة تعقيد عمل الجهاز ورئيس الجهاز وبخاصة بازاء مستوى سياسي منتخب تحركه في الأكثر مصالح سياسية.

          - يا يوفال من أنت؟

          "أنا أُعرف نفسي أولا بأنني وطني اسرائيلي وأنا من اولئك الذين يؤمنون بما أوتوا من قوة بأنه "ليست لي ارض اخرى". وأنا ايضا "صقر أمني" عن معرفة عميقة بأنه لا مكان للضعف والضعفاء في المنطقة التي نعيش فيها، لكن بعد كل السنين التي حاربت الارهاب فيها ورأيت الكثير من الموت والقتل في ميادين القتال وفي شوارع المدن في اسرائيل، وفي أزقة مخيمات اللاجئين والقرى في الضفة والقطاع ولبنان، توجد لحظة تدرك فيها انه يجب ان نفعل كل شيء، كل شيء من اجل ان نجد طريقا آخر، طريق محادثة ومصالحة كي نحاول ان نضمن احتمال مستقبل أفضل لأبنائنا. وما أقوله لا يأتي من موقع يمين أو يسار سياسي، على الاطلاق.

          "كنت طوال الوقت الذي كنت فيه في الجهاز وأدرته أو كنت في مناصب رفيعة، كنت مشغولا في الأساس بالمسؤولية اليومية التي لا نهاية لها، وهي علاج التهديدات والتحذيرات، والعمليات والعمليات العسكرية وادارة الامور والاشراف عليها للتحقق من تنفيذها ونجاحها، وبرغم أنني اشتغلت كثيرا جدا في التفكير الاستراتيجي وبشؤون سياسية معقدة بدأ يؤرقني أكثر فأكثر بعد ان تركت الخدمة وبدأت أجلس كثيرا مع العائلة، سؤال أي دولة ستكون لأولادي وأحفادي. هل أسهمت حقا في ان تكون هذه الدولة مكانا يريدون العيش فيه ومكانا يفخرون به؟.

          "واليوم حينما أرى القيادة الحالية يقلقني ما بقي لهم هنا. سيصبح عندي منذ هذا الاسبوع ولدان في الجيش وبعد سنة كما يبدو سيكون لي ثلاثة اولاد في الجيش في الوقت نفسه، فمن الواضح اذا أنني قلق جدا".

          - ما الذي ينقصك فيهما، أعني نتنياهو وباراك؟

          "إنهما يحبان جدا استعمال عبارة "نحن نتخذ القرارات"، لكنك لا تراهما هناك حينما يصلان الى امتحان النتيجة، أنظر حتى في أمر السيطرة على سفينة "مرمرة". كان للمستوى المختص في واقعة "مرمرة" في الحقيقة تقصيرات وأنا أرى أنها تقصيرات شديدة – فقد كان التخطيط للاستيلاء عليها فاشلا – لكن مع كل الاحترام كان يوجد هناك خريجا دورية هيئة القيادة العامة، نتنياهو وباراك، اللذان يحبان ان يعرضا أنفسهما على هذا النحو دائما وان يقصا علينا قصص البطولة عن أعمالهما في الدورية. وتتوقع أنت أنه حينما يسمعان بخطة عسكرية فاشلة فسيعرفان كيف يُنبهان عليها أو يوافقان عليها.

          "لكنهما وافقا على تلك الخطة. وماذا كان رد رئيس الوزراء نتنياهو على تقرير مراقب الدولة؟ لم يكن أي تحمل حقيقي للمسؤولية. بالعكس كان شيء على صورة: "تجري مباحثات جدية جدا في الحكومة الحالية في قضايا أمنية وسياسية..." لكن ماذا عن المباحثات في قضية "مرمرة"؟ هل كانت جدية؟ وماذا عن النتائج؟ وما هو نصيبك من الاخفاقات باعتبارك رئيس وزراء؟.

          "وانظر ماذا حدث لوعود بيبي حول قانون طال وتجنيد فتيان المعاهد الدينية – لم يحدث شيء. برغم تصريحات بيبي ووعوده للجمهور طول الوقت الذي كان فيه الاحتجاج قويا. لكنه عاد سريعا جدا الى عادته واستكان لضغط الحريديين السياسي وضغط سلامة الائتلاف.

          "وانظر الى الحريق في الكرمل مع كل التمثيلية على الشرفة هناك، وفي نهاية تلك المسرحية المحزنة المخجلة حينما كان دان كنار يمتدح رئيس الوزراء في بدء كلامه الذي رأى وتوقع وبادر. كان من المزعزع في نظري ان أرى شيئا كذاك  في حادثة كهذه. هل فقدنا الحياء؟ قُتل 44 انسانا ثم تأتي وتقيم شخصا ما يثني عليك ويُبين مبلغ انقاذك للوضع؟ يبدو هذا وكأننا في جمهورية موز في العالم الثالث. بعد قليل سيعلقون صوره في الشوارع.

          "قد فعلوا بنا ذلك في الحقيقة. أنت تذكر حملته الانتخابية التي كانت فيها كل الشوارع مع لافتات ضخمة لرئيس الوزراء نتنياهو والوزير كاتس اللذين يجب علينا جميعا ان نشكرهما لأنهما يبنيان الشوارع لنا في البلاد. كانت الدولة كلها غارقة في هذه الصور كمصر في عهد مبارك وكأن النفقة من جيوبهما الخاصة لا من جيبي وجيبك. ان ما يحدث هنا أمر هاذٍ.

          "ومحاولة بيبي سرا بخلاف القواعد ان يغير تركيبة ملف استثماراته. أو القصة مع نتان ايشل الذي مضى الى بيته بتسوية بسبب "سلوك غير مناسب" – وهذا تليين لعبارة تحرش – فما يزال رئيس الوزراء بلا أي حياء يستعمل خدمته على مرأى ومسمع من الجميع ولا أحد يفتح فمه هنا في دولة اسرائيل.

          "هذه ازمة زعامة وهذه ازمة قيم، وهذا استخفاف مطلق بالجمهور. قد يظنون أنني أرى ذلك بصورة متطرفة جدا. وأقول لكم إن ذلك يبدو اسوأ من قريب".

          - هل يوجد ناس آخرون في الجهاز في رتب توازي رتبتك يشعرون بذلك بنفس قوة شعورك؟

          "يمكن ان تأتي وتقول إسمعوا، ان يوفال ديسكن قد جُن في هذا الشأن. لكن يوفال ديسكن جُن ومئير دغان جُن ايضا وأقول لك انه يوجد ناس كثيرون آخرون كبار الشأن في الجهاز استقالوا وآخرون ما زالوا يخدمون فيه، فهل جُنوا هم ايضا؟!.

          "إن رأيي معزز بعشرات الأحاديث مع ناس كثيرين ذوي رتب أعلى أو أدنى من رتبتي".

          بواعث مسيحانية

          بدأت عملك في الجهاز مستخدما للعملاء. وكان عملك ان تتبين بواعث الناس وان تنظر وتحلل جيدا ما الذي يحرك الشخص الذي يجلس بازائك في أعمق مكان فيه. فما الذي شعرت به بازاء نتنياهو من خلال نظارتي مستخدم العملاء؟.

          "تؤثر في نتنياهو في رأيي بصورة مختلطة الايديولوجية والشعور العميق بأنه أمير من "العائلة الملكية" والنخبة المقدسية، الى جانب عدم الثقة بالنفس والخوف العميق من القرارات وتحمل المسؤولية. ليس عنده طبيعة قوية ولا عنده تلك النواة الصلبة التي تجعلك تقول إنني استطيع في الازمات ان أسير خلفه واستطيع الاعتماد عليه.

          "رأيته في أكثر المرات يتلوى يتجه الى الأمام ثم يرتد الى الخلف ويمتنع عن الحسم، وتؤثر فيه آخر الامر مصلحة لحظية حالية انتهازية. ولهذا شعرنا أكثر من مرة بأنه يجب ان نقف حراسا كي لا نُجر الى اماكن غير مسؤولة بالنسبة للدولة لتقديرات غير موضوعية أو في سبل لا تجوز.

          "خُذ حتى عملية "عمود السحاب" التي يمكن ان تكون مثالا لما سيحدث حينما نخرج لمحاربة ايران. انها تشبه "نموذجا رطبا" قبل الشيء الحقيقي الذي اعتاد بيبي وباراك الحديث عنه صبح مساء الى ما قبل شهرين. فها هما هذان يخرجان في عملية بدأت بصوت بطولي مع تصريحات متفجرة ومع وعود بأن العملية لن تقف الى أن ... ووقفنا آخر الامر وصفقنا لكن لمن؟ للقبة الحديدية التي أُطري حقا من أعماق قلبي مطوريها ومقاتليها لكنها ليست الحل والجواب عن الوضع الذي نوجد فيه.

          "ولماذا؟ لا لأننا لا نملك القدرة العسكرية على ان نقوم بعمل يغير الصورة في غزة. صدقني ان دولة اسرائيل كانت قادرة في "الرصاص المصبوب" وفي "عمود السحاب" على استعمال اجراءات عسكرية كانت ستغير صورة الوضع من غير احتلال غزة كلها. لكن بيبي وباراك ضعيفان جدا عن قيادة اجراءات كهذه.

          "لا يتم الانتصار في الحروب بالانفعال والتصريحات، وأقول حقا انه لا يوجد منافسون لبيبي في ذلك. والحديث هنا في الحاصل العام عن حماس وبضع منظمات اخرى في غزة. ففكر فيما سيحدث حينما تتجه الى مهاجمة ايران – ربما يطلق حزب الله عليك الصواريخ وربما يطلقها الجهاد الاسلامي في القطاع ايضا والايرانيون سيردون بالطبع اذا هاجمناهم وحينما يحدث ذلك يجب عليك ان تحارب الصواريخ من لبنان وايران وقطاع غزة. وأنا اسأل الآن: هل نثق حقا بقدرة هذين اللذين لا يكادان يُدبران أمر عملية عسكرية لمواجهة الصواريخ من غزة، هل نثق بقدرتهما على ادخالنا في ذلك الحدث مع ايران واخراجنا منه ايضا؟ بل إنني لم ابدأ الحديث بعد عن منطق الاجراء العسكري.

          "لست ضعيفا في الجانب الامني لكنني أعتقد انه يجب على كل دولة ان تعرف اتخاذ القرارات في حُسن تقدير ومسؤولية مع فهم قدراتها وحدودها لا عن بواعث أسميها مسيحانية.

          "وأقول لك فوق ذلك وإن لم يكن ذلك ذا شعبية كبيرة انه حتى لو أصبح للايرانيين قنبلة، لا سمح الله، وهذا شيء لا أريده جدا جدا، فانه لا يحدث بذلك اسوأ شيء بالنسبة لدولة اسرائيل، انه سيناريو سيء جدا ويجب بذل أكبر الجهود لمنعه لكنه ليس الاسوأ في نظري بل توجد اشياء اسوأ منه. فأنا أرى ان انحلالنا الداخلي اسوأ من القنبلة الذرية الايرانية، هكذا أرى ذلك".

          - هل أنت على يقين من ان نتنياهو وباراك يقودان الى حرب مع ايران؟

          "هناك من يقولون انه يوجد هنا تدبير عبقري خطط له هذان الرفيقان من دورية هيئة القيادة العامة يستعملان به ضغطا على العالم للهجوم على ايران. ولا استطيع بالطبع ان أرفض احتمال انه توجد هنا حيلة ماكرة لكنني من اولئك الذين يؤمنون جدا بمقولة "المسدس الموضوع على المائدة في الفصل الاول يطلق النار في الفصل الثالث". إن كتاب "مسيرة الغباء" للمؤرخة بربارة توخمان مليء بأمثلة لأكثر القرارات غير عقلانية مما اتخذ لاعتبارات هي الأكثر بعدا عن الواقع وجرت دول العالم الى أكبر الازمات أو أعظم الحروب".

          - في برنامج "عوفداه" (حقيقة) الذي تناول القضية الايرانية وصفت ايلانا ديان وضعا يُعد فيه نتنياهو وباراك بعد نهاية جلسة الثمانية، الجهاز للحرب.

          "لم يكن ذلك حلقة الثمانية بل كانت جلسة شاركت فيها. لم اشأ الحديث عن هذه القضية لكن لأن الامور نشرت على هذا النحو أو ذاك فأقول انه كانت جلسة في حلقة ضيقة جدا حاولا في اثنائها ان يجرانا الى اعداد الجهازين العسكري والامني للخروج في عملية عسكرية. في حين كان من الواضح ان تلك العملية هي دخول في الحرب واضطررنا هناك الى ان ننهض نحن الثلاثة وقلنا قولا حادا جدا يعارض التوجيه ويعارض سلامته وكان هناك جدل شديد جدا مع بيبي ومع باراك".

          - من هم الثلاثة؟

          "رئيس الموساد ورئيس "الشباك" ورئيس هيئة الاركان. وأعتقد ان رئيس "أمان" كان هناك ايضا. قمنا وقلنا انه قرار غير قانوني. ولا يمكن ان نُعطى أمرا كهذا لأن معناه هو أنك تُعد الجيش في الحقيقة للخروج للحرب، والخروج للحرب هو قرار خُولت الحكومة وحدها لاتخاذه. وكان عندنا شعور بأنهما يحاولان سرقة شيء ما من وراء الستار وتحت الرادار. والى هذا بالضبط قصدت قبل ذلك حينما تحدثت عن شعور قادة المنظمات في جهاز الامن بأنه يجب القيام على الحراسة".

          - يقول باراك ان ذلك من صلاحيتهما.

          "اذا أمرت الجيش ان يكون مستعدا بعد زمن ما للعمل فان ذلك ليس استعدادا يتم في غرف المباحثات، بل يجب على الجيش ان يقوم بمختلف الاعمال الفعالة – تجنيد قوات الاحتياط واعداد المعدات وأنواع التدريبات واشياء اخرى مهمة وبارزة جدا. ومن الصعب جدا الحفاظ على سرية ذلك زمنا طويلا، وحينما تُعد جهازا كبيرا بهذا القدر فانه مكشوف كثيرا وقد تكون لذلك تأثيرات. لا يعني هذا أنني أهاتف عددا من الرفاق في الدورية وأقول استعدوا. بل الأمر هنا هو اعداد جهاز كامل لعمل لا جدل في ان نتيجته ستكون حربا باحتمال عال جدا. فليس من صلاحية وزير الدفاع ولا رئيس الوزراء وحدهما ان يصدرا توجيها كذلك.

          "ولهذا كانت مواجهة كلامية شديدة جدا شهدها سائر وزراء الثمانية وأصبحت أكثر شدة لأن الوزراء ايضا شعروا بأنهما حاولا ان يسرقا من وراء ظهورهم. لماذا لم يُشركاهم في حلقة المشاورة التي يتباحثون فيها في أكثر الاشياء حساسية. ولماذا لم يُبحث ذلك فجأة في حلقة الثمانية. انبعثت رائحة سيئة جدا من ذلك وحينما بدأنا نثور واشترك في ذلك وزراء الثمانية بعد ذلك علا الصراخ بالطبع".

          - وماذا حدث في نهاية الامر؟

          "يمكن ان نقول مرة اخرى ان ذلك كان تحايلا على المجتمع الدولي ايضا. ربما لكنني لم أر أحدا من المجتمع الدولي يجلس في الغرفة في تلك المباحثة السرية، ولذلك لا أعرف كيف أُفسر ذلك.

          "وهذا أحد الاسباب الذي يدعوني الى الخوف من وجود مراحل يمكن ان تجرنا "أنا" هذين الشخصين ومختلف الافكار الوهمية والمسيحانية فيها الى اماكن لم نكن نقصدها. بل انهما ربما لم يقصدا الوصول الى هناك لكنك تستطيع فجأة ان تجد ان دولة كاملة تُجتذب الى هذا الشأن. والحقيقة التي يصعب ان نجادلها هي ان ذلك الاجراء قد أُلغي. فربما كان فيه كما يبدو شيء غير سوي".

          - ألا يرى هذه الامور ناس تُجلّهم مثل بوغي يعلون ودان مريدور وبني بيغن على سبيل الافتراض؟

          "أنظر، ليس دوري أن أتحدث بأسمائهم. استطيع ان أشهد بأن مريدور وبيغن ويعلون ناس تواطيء ألسنتهم قلوبهم. وقد قالوا في المباحثات التي حضرتها كلاما صادقا جدا وموضوعيا جدا وإن لم نوافق دائما على آرائهم. ولم أسمعهم يتلاعبون في صورة عرضهم لمواقفهم".

          - على أي شيء تدل هذه الواقعة؟

          "لا أتذكر في كل السنوات التي شاركت فيها في اجراءات اتخاذ القرارات في المجال الامني والسياسي وضع عدم ثقة بارزا جدا من قادة الجهاز بزعمائهم. وهذا شيء يحسن ان يصرف الناس انتباههم اليه في هذه الايام. وأقول انه يوجد عند كل المواطنين في دولة اسرائيل سبب جيد وعميق للقلق.

          "يجب على الجمهور ان ينتبه الى حقيقة ان ناسا مثل مئير دغان ويوفال ديسكن – ومن المؤكد ان سجلنا ليس سجل حمائم في المجال الامني بل بالعكس فقد هاجمونا دائما لأننا عنيفان جدا – وناسا ايضا مثل غابي اشكنازي وأوري ساغي وأمنون لبكين شاحك، وهم رجال أمن من الطراز الاول، أن هؤلاء الناس جميعا عبروا عن خشية من كل ذلك الاجراء. فهل أصبح الجميع فجأة جُبناء؟ لا، بل جاء ذلك من مكان عميق جدا هو عدم الثقة بهذين الشخصين وبالاجراءات التي يُدبرانها".

          بخار وقود في الجو

          في حين دُفع ديسكن في الشأن الايراني الى خط النار برغم أنفه باعتباره شريكا في جهود زميليه رئيس الموساد مئير دغان ورئيس الاركان غابي اشكنازي، الى كف جماح ما كان يبدو انه الاصبع الخفيفة لقادة الدولة على الزناد، كانت خيبة الأمل في المجال الفلسطيني مختلفة. فها هنا، في ساحة "الشباك" الطبيعية كان قلقه الرئيس وما يزال هو عدم الفعل والجمود المتعمد الذي يهدد بالافضاء بنا الى انتفاضة ثالثة الآن. "لا استطيع ان أقول هل ستكون الانتفاضة الثالثة مثل الثانية أو مثل الاولى، لكن تركيز بخار الوقود في الجو عال"، يقول مُحذرا.

          - كان اولمرت كما زُعم طوال الوقت مستعدا لاعطاء أبو مازن كل شيء وأُجيب بالرفض آنذاك ايضا.

          "في تلك المدة من عام 2007 حظينا بأفضل تهدئة كانت لنا في يهودا والسامرة. وهناك حوار أمني خصب جدا سبقه بين يديه محادثة سياسية بين رئيس الوزراء اولمرت وأبو مازن.

          "لن أدخل الآن في تفصيلات التفاوض السياسي، لكن سأحاول أن أُبين لماذا لم ينجح: كان السبب الرئيس هو ان اولمرت جرى بعكس ساعة رمله السياسية التي أخذت تنفد سريعا، ولم يشعر أبو مازن بالثقة بأن اولمرت هو في الحقيقة الشخص الذي يستطيع معه ان يُتم الامور – لا لأنه لم يعتمد شخصيا على اولمرت، فقد رأى ان اولمرت يعني ما يقول حقا – لكنه لم يؤمن في رأيي بأن اولمرت ستكون عنده القدرة والوقت لاتمام العمل، في وقت يجب فيه على أبو مازن ان يقود الى قرارات حاسمة جدا في الساحة الفلسطينية وعنده الى ذلك ايضا المشكلة غير المحلولة وهي ماذا يفعلون بقطاع غزة الذي لا يسيطر عليه أصلا. ولهذا استقر رأيه على الانتظار.

          "وآنذاك جاءت حكومة جديدة هي حكومة نتنياهو وصحيح ان نتنياهو خطب خطبة بار ايلان، لكن تبين سريعا جدا ان ذلك كلام كان يرمي الى نيل الرضى من المجتمع الدولي. وليست "دولتان للشعبين" هي الرؤيا التي نسمعها بالضبط في هذه الايام في أروقة الليكود.

          "لا يعني هذا انهم لم يحاولوا في تلك الفترة فتح مختلف القنوات لاجراء نوع من التفاوض مع الفلسطينيين أو لاحداث انطباع أنهم يحاولون، لكن ذلك لم يتم بصورة جدية ومتصلة، وأقول ان ذلك كان متعمدا. وهكذا رأينا كيف سُحق ذلك الامر وتلاشى رويدا رويدا. وفي مقابل ذلك أخذنا نرفع حماس رويدا رويدا.

          "إنتبه الى الحقيقة التالية: ان حكومة نتنياهو من يوم أُنشئت الى هذا اليوم كان معظم قوتها في جمودها. ستبقى هذه الحكومة والائتلاف ما بقي الجمود في كل مجال تقريبا، وهذا هو هدف نتنياهو الرئيس، لكن نتنياهو يخشى ان يتجه الى مسار الدولتين، من جهة عقائدية، وهو فوق ذلك غير مهيأ بشخصيته لاتخاذ قرارات تبلغ الى مستوى القرارات التي اتخذها بيغن أو رابين أو شارون.

          "والأخطر في نظري هو انه محاط بناس يحرفون الليكود أكثر الى اليمين وبائتلاف يُعوقه. ويؤسفني ايضا ان الامريكيين لا يستعملون تأثيرهم لجعل الطرفين يتقدمان وهكذا وصلنا الى حيث وصلنا.

          "لكن الامور لا تقف هنا. فقد بدأنا نرى في الاشهر الاخيرة الغليان الذي أخذ يقوى في الشارع الفلسطيني في يهودا والسامرة، وحينما تشتعل الارض يجب علينا ان نقوم باجراءات لقمع ذلك الغليان، والاجراءات العنيفة ستولد ردودا عنيفة وهكذا سينشأ مسار يخرج الانتفاضة عن السيطرة.

          "قلت في هذه اللعبة في أكثر ايام حياتي البالغة. وفي النهاية يجب على قوات الامن ان تقوم بالعمل الصعب الذي يكون احيانا قذرا غير لذيذ. لكن عمل قوات الامن هو ان تخلق ظروفا يستطيع المستوى السياسي ان يفعل بها شيئا ما، والهدوء الذي تم احرازه في السنوات الاخيرة هو فرصة ما كان يجوز للمستوى السياسي ان يضيعها. يمكن اذا ان نسمي أبو مازن رافضا للسلام. وأقول لك انه ليس رافضا للسلام. لن يكون شريكا سهلا في السلام لكن تعال نعترف بالحقيقة. هل نحن أنفسنا شركاء سهلون؟".

          - اذا مكّنت قوات الامن المستوى السياسي من شروط اجراء تفاوض سياسي بهدوء وبدل ذلك أصبحنا نبني في المستوطنات.

          "أنظر، لن يستطيع أبو مازن وفياض وقادة اجهزة الامن الفلسطينية ان يتم تصويرهم على الدوام بأنهم يدافعون عن مصالح دولة اسرائيل، في حين تسلبهم اسرائيل بحسب رأيهم كل يوم اراضي في يهودا والسامرة وتبني مستوطنات اخرى وتُبعد أكثر حلمهم بدولة وتقطع الارض أجزاءا سيكون من الصعب جدا الربط بينها حتى بخطة نفتالي بينيت التي تتحدث عن المنعطفات والمقطوعة عن كل منطق. لا أعلم هل يمكن احراز سلام لكن من المؤكد أننا بهذه الاجراءات نُبعد الاحتمال حتى الصغير الذي بقي الى الآن.

          "يقلقني أننا أخذنا ننشيء هنا ما يشبه "قبضة الموت" حيث سيكون الطرفان ممسكا بعضهما ببعض بصورة لا يمكن بعدها الفصل بينهما، ومع افتراض هذا السيناريو نكون محكومين بما لا ينتهي من المواجهات العسكرية والتطرف عند الطرفين، وقد أخذ الفرق الكبير بين الطرفين يزداد ودخلنا في حلقة مواجهة ثم مواجهة لا تؤدي بنا الى أي مكان.

          "إننا ببساطة ننشيء وضعا ما سيكون غير قابل للحل لأنه لن يكون الحسم ممكنا. لا يمكن. وإن وهم ان تستطيع دولة اسرائيل ان تسيطر على عدد كبير جدا من الناس وتقمع مطامحهم وحريتهم زمنا طويلا مخيف. صدقني أنني كنت هناك وأعرف الامور من أقرب مكان ممكن. حتى لو أسكنا في المناطق 200 ألف يهودي أو 300 ألف أو 500 ألف، ستزيد المشكلة فقط لأن الفلسطينيين يكثرون ايضا في خلال ذلك.

          "اعتقد ان الحل الذي يجب ان تسعى اليه دولة اسرائيل هو اتفاق مع الفلسطينيين ينشيء دولتين للشعبين، ولا يجوز لنا ان نبقى في وضع الجمود هذا لأنه لا يوجد في الحقيقة شيء كهذا، فالامور تحدث طول الوقت. يوجد اذا "جمود سياسي" لكن المستوطنات مستمرة وخيبة الأمل الفلسطينية مستمرة والغليان يقوى وفتح تضعف وحماس تقوى وما يزال الامر يزداد تعقيدا طوال الوقت. وما تزال الامور تحت السطح تشتعل وتغلي".

          - أعلن نتنياهو انه يلتزم بحل الدولتين في خطبة بار ايلان، هل تحدثتم في ذلك حينما كنت رئيس "الشباك"؟

          "أُثير ذلك في نقاشات كثيرة لكن لم يوجد عندي قط شعور بأن بيبي ينوي ان يفعل ذلك حقا، انه "كلام فاضي". كان منه اشتغال كثير بالتفصيلات التقنية مثل من يحادث من ومن لا يحادث من وأي قناة يفتح وأيها يغلق لكن كان القليل جدا من المضمون في الكلام، في الحقيقة. ولم أشعر الى نهاية ولايتي على الأقل بوجود رغبة في الحقيقة.

          "ربما كانت مرحلة ما اعتقدت فيها ان بيبي يستيقظ. فقد طلب إلي بعد لقاء عمل بيننا عرضت فيه الحاجة الى المبادرة الى اجراء سياسي مع الفلسطينيين، ان أحضر مباحثة للثمانية وان أعرض تصوري عن الموضوع. وجئت وعرضت وكان الكثير من الاسئلة والمعارضات، ورأيت بيبي في اثناء النقاش ينطوي على ذاته ولم يكن بالطبع يؤيد الكلام الذي تحدثنا فيه في اللقاء بيننا. بل كان يجلس صامتا في الأساس، وانتهى ذلك آخر الامر الى تلخيص بيبي الدائم لما لا يحصى من النقاشات حيث يقول سنجري نقاشا آخر للقضية. ماذا حدث في النقاش الآخر، أدع لك تخمين ذلك وحدك".

          - وماذا يحدث اليوم؟

          "إننا نجعل أبو مازن أكثر ضعفا كل يوم ونظن ان هذا نجاح. أعتقد انه يجب علينا ان نقرر مع من نريد اجراء تباحث هل مع حماس أم مع أبو مازن. اذا كنا نريد ان نجري مباحثة مع أبو مازن فتعالوا اذا نتحدث معه. لكن ما يفعلونه بالفعل هو أنهم لا يكادون يتحدثون الى أبو مازن بل يُذلونه في أكثر الوقت.

          "وذروة التناقض أننا اذا نظرنا الى ذلك طوال السنين رأينا ان بيبي نتنياهو هو أحد الاشخاص المركزيين الذين أسهموا في تقوية حماس منذ كانت ولايته الاولى لرئاسة الوزراء. كان ذلك مرة بسبب تعقد العملية في عمان حيث أفرج عن الشيخ أحمد ياسين، وبعد ذلك أفرج عن جميع الأسرى في صفقة شليط التي كانت دفعة اخرى لحماس، ومكّن آخر الامر من دخول خالد مشعل كملك الى قطاع غزة على أثر عملية "عمود السحاب".

          "اذا نظرتُ الى حيث كانت حماس قبل اغتيالنا لاحمد الجعبري وخروجنا لعملية "عمود السحاب" وأين أصبحت اليوم أرى أنها أصبحت في مكان أفضل من جهة سياسية.

          "إن حماس في نشوة لأنه يوجد عند الجمهور الفلسطيني شعور بأنها نجحت في تحويل ذلك الى نصر لها مرة اخرى. أطلقت حماس الصواريخ على تل ابيب وعلى ريشون لتسيون وعلى القدس ودفعت عن ذلك ثمنا زهيدا نسبيا. وهذا انجاز ضخم من وجهة نظر المواطن الفلسطيني العادي في الشارع لأنه لم يتجرأ أحد على فعل امور كهذه في الماضي.

          "ترى حماس ان اسرائيل فاوضتها؛ ودخل الى القطاع زعيمها خالد مشعل الذي لم يكن قادرا على دخوله؛ وزادت الشرعية التي حصلت عليها حماس دوليا؛ وبرغم جميع هجمات دولة اسرائيل صُورت أنها خشيت دخول قطاع غزة.

          "حسّنت اسرائيل منزلة حماس وزادت في ضعف أبو مازن لأن سهم حماس قد ارتفع الآن في يهودا والسامرة ايضا. وقد رأينا المظاهرات التي قامت بها حماس في يهودا والسامرة، فلماذا ذلك؟ لأن أبو مازن أدرك ان طاقة الجمهور وحماس قوية وهو لا يستطيع الآن ان يواجههما فليس له مناص سوى ان يجلس في هدوء. وحينما يجلس في هدوء تضعف فتح وتقوى حماس".

          - الى أين تتجه الامور من هنا في تقديرك؟

          "أقول لك ما هو رأيي في هذا الشأن. يوجد عدم وضوح كبير في وسائل الاعلام حينما نسأل هل ستنشب انتفاضة ثالثة. لا يوجد تعريف واضح للانتفاضة ولم يعتقد الذين بدأوا الانتفاضتين السابقتين أنهما ستستمران سنين. لأنه توجد أحداث يمكن تقدير كيف تبدأ لكن من الصعب تقدير كيف ومتى تنتهي.

          "إن الشيء المركزي الذي يسبب انتفاضة، وأقول هذا من خبرتي، هو خيبة أمل عظيمة لدى الجمهور مع شعور بعدم الأمل وعدم المخرج. وهذا ما ولد انتفاضتين في الماضي وهو ما ولد الربيع العربي.

          "حينما يبدأ الناس في الشارع الفلسطيني يفقدون الأمل – حينما لا توجد مسيرة سياسية وحينما يتدهور الوضع الاقتصادي وحينما لا توجد حرية تنقل وحينما يزداد عدد المستوطنات – ينشيء ذلك شعورا بأنه لا مخرج وهو الشيء الذي ينشيء أكبر قدر من الضغط. وأُذكرك من جهة ثانية بأن الفلسطينيين ايضا يرون ما حدث في الدول العربية التي انفجر فيها الربيع العربي وهم يدركون انه يمكن محاولة تقليد ذلك النموذج. ولهذا أومن بأن تركيز بخار الوقود في الجو عال جدا في هذه الايام. ويوجد الآن سؤال ما الذي سيفضي الى الاشتعال والتفجير. تكون تلك احيانا شرارة واحدة وتكون احيانا سلسلة شرارات تسبب الانفجار.

          "أنا أتحدث الى فلسطينيين وأشعر بأن هذا المسار قد بدأ منذ زمن. وأنا أشعر بخيبة الأمل وبعدم الأمل عندهم في أنه يمكن تغيير شيء ما مع حكومتنا وائتلافنا الحاليين، ولا أعلم كم من الوقت سيستمر مسار التدهور، أي متى سيبدأ في حشد تأثير أقوى ولا أريد ان اقول ان ذلك لا رجعة عنه، بل اعتقد ان ذلك ممكن حتى الآن. والسؤال ماذا نفعل كي لا يصبح ذلك لا رجعة عنه.

          "ويجب علينا في اثناء ذلك ان نفهم ما يحدث الآن لفتح. فكلما لم تنجح في تحقيق أجندتها السياسية سيحدث لها شيئان: إما ان تضطر الى تغيير برنامجها السياسي والى ان تقول انه يجب تحرير فلسطين بالقوة، وإما ان تختفي وتصبح قلة. يبدو ان حماس لن تستطيع في يهودا والسامرة ان تسيطر ماديا على الارض، لكن هذا لا يعني أنها لن تسيطر على القلوب.

          "كلما استمر عدم الأمل وكلما أظهرت حماس قدرتها على الثبات في قطاع غزة بازاء العجز الذي نظهره، فان احتمال ان تبقى الضفة جزيرة لفتح في وسط الاخوان المسلمين قد أخذ يتضاءل. يُحتاج الآن الى شرارة فقط أو حادثة تبدأ الخروج عن السيطرة كي يحشد هذا الامر زخما كبيرا جدا".

          - هل تعتقد ان نتنياهو لا يرى ذلك؟

          "أنظر، لم أجلس في السنة ونصف السنة الأخيرين في النقاشات الامنية والسياسية، وأنا أفترض ان يكون ناس جهاز الامن مدركين وعندهم قدر أكبر من المعطيات أمام أعينهم مما أملك أنا الآن، فأنا أحيا على المشاعر وعلى خبرتي سنين طويلة. كنت مرات كثيرة جدا في تلك الاوضاع وأنا أعتقد ان الانتخابات في اسرائيل يمكن ان تكون حافزا لهذا الشأن.

          "قال لي الفلسطينيون عدة مرات في الماضي انهم ينتظرون نتائج الانتخابات. وقلت لهم: "ماذا تعتقدون أن تروا في الانتخابات؟" فقالوا "سنرى أي ائتلاف سيكون ونفهم من ذلك الى أين تتجه اسرائيل". انهم واقعيون ويفهمون السياسة الاسرائيلية بصورة جيدة جدا".