خبر الاحتلال الجديد- هآرتس

الساعة 09:38 ص|03 يناير 2013

الاحتلال الجديد- هآرتس

بقلم: آري شبيط

        (المضمون: ستنشأ الآن في اسرائيل حكومة يسيطر عليها المتطرفون اليمينيون من أسرى حركة الاستيطان في الضفة الغربية - المصدر).

        كان الاحتلال القديم هو احتلال فلسطين، وقد بدأ بالاحتلال العسكري للضفة الغربية مرورا بالاحتلال الاستيطاني للضفة الغربية وانتهى الى أن 360 ألف اسرائيلي يسكنون في الضفة الغربية اليوم. وفي حين فشل الاحتلال الموازي والصغير لقطاع غزة، نجح الاحتلال الكبير للضفة الغربية نجاحا حسنا.

        منع في الماضي اتفاق سلام مع الاردن، وشوش على التسوية المرحلية مع الفلسطينيين، وأغلق طريق الانسحاب من طرف واحد. وقد نجح الاحتلال القديم في جعل الدولة الفلسطينية لا تنشأ، وجعل ارض اسرائيل لا تُقسم، وجعل كيان سياسي واحد يمتد بين النهر والبحر. وبرغم ان الاحتلال القديم كان منذ البدء فوضويا لا أساس له، أظهر حيوية مدهشة وأحرز أكثر أهدافه. وقد مكّنه النجاح المفاجيء من الاستمرار قدما والانقضاض على الدولة اليهودية الديمقراطية المجاورة للضفة الغربية.

        إن الاحتلال الجديد هو احتلال اسرائيل. وليس الحديث هذه المرة عن اجراء عسكري استيطاني بل عن اجراء سياسي. وليس القصد هذه المرة الى سلب الفلسطينيين حقهم في تقرير المصير بل الى سلب الاسرائيليين القدرة على انهاء الاحتلال الاول. وبعد أن نجح المستوطنون في إفشال انشاء الدولة الفلسطينية باحتلال يهودا والسامرة يريدون الآن أن يُفرغوا الدولة الاسرائيلية من المضمون بالاستيلاء على جهازها السياسي.

        إن الهدف العملياتي للاحتلال الجديد هو: تمثيل أكبر للمستوطنين ولمندوبي المستوطنين ولمن يحكمهم المستوطنون في الكنيست التاسعة عشرة. وصورة عمل الاحتلال الجديد هي: تمسك المستوطنين بالحزب الحاكم من جهة، وانشاء حزب مستوطنين قوي من جهة اخرى. والنتيجة المتوقعة للاحتلال الجديد هي: مجلس نيابي منحاز وحكومة منحازة يُخضعان مصلحة دولة اسرائيل المحتلة لمصلحة الاستيطان المحتل.

        كانت الاجراءات التأسيسية التي قام بها الاحتلال القديم في الخليل وسبسطية وعوفره قبل عشرات السنين اجراءات لامعة، فقد حرفت اسرائيل عن مسار تاريخي ونقلتها الى مسار تاريخي آخر. وكذلك ايضا الاجراءات التأسيسية التي يقوم بها الاحتلال الجديد في المعركة الانتخابية الحالية. فقد نجح المستوطنون في البدء في استيطان الليكود وجعله حزبا أسيرا، ونجحوا بعد ذلك في جعل رئيس الوزراء رهينة. وفي النهاية انشأ المستوطنون حزبا دفعوا به الى الأمام، صورته هي صورة هاي تيك لكن جوهره هو التطرف والرفض.

        وهكذا بازاء أعيننا يحتل الاحتلال الجديد السلطة المركزية في اسرائيل، بحركة مقصين مخطط لها تخطيطا جيدا. وهو يعد بأن تكون مصالح الاستيطان لا قيم الحياة الرسمية في مقدمة اهتمامات الحكومة القادمة. وهو يفضي الى أن ليست الأكثرية الاسرائيلية هي التي تقرر مصيرنا بل أقلية صغيرة اتجهت الى قمم السامرة وتوشك ان تحكم منها.

        توجد فروق كبيرة بين السلطة الاستعمارية لفرنسا في الجزائر وبين سلطة اسرائيل في يهودا والسامرة. لكن لا يمكن ألا نرى ما يحدث الآن أنه سيطرة ضاحية استعمارية على عاصمة الاقليم. وإن ضعف الجمهورية الاسرائيلية يجعل المستوطنين اليهود الذين اجتازوا الخط الاخضر ينجحون في ان يفعلوا في قدس 2013 ما لم ينجح المستوطنون الفرنسيون في فعله في الجزائر بباريس 1960. فهم يتجهون الى العاصمة ويحتلون العاصمة ويحولون الدولة الأم الى دولة تسيطر عليها المستعمرة التي كانت هي نفسها تحملها في أحشائها.

        هل ضاع كل شيء؟ لا. إن القوى السياسية التي تحتل اسرائيل الآن هي قوى متطرفة. وستؤدي بالدولة المحتلة إن عاجلا أو آجلا الى مصادمة جدار الواقع. وبعد الصدام ستنشأ في البلاد في نهاية المطاف حركة تحرير تستحق هذا الاسم وستُنهي الثورة التي ستقودها الاحتلال الثاني. والخوف الكبير هو من أنه قد يُسفك الكثير من الدم هنا حتى ذلك الحين، وقد يصبح الاحتلال الاول لا رجعة عنه.