خبر بحث يقول ان صورة اسرائيل هابطة- هآرتس

الساعة 11:09 ص|30 ديسمبر 2012

لكن لا بسبب الدعاية

بقلم: براك ربيد

        (المضمون: ان جهاز الدعاية الاسرائيلي بخلاف الاعتقاد فيه هو في الحقيقة جهاز متطور ناجع أكثر بكثير من الاجهزة المعادية لاسرائيل في العالم كما يقول بحث جديد قام به معهد "مولاد" في القدس - المصدر).

ان سفير اسرائيل في جمهورية التشيك، يعقوب ليفي، عُرضة لحسد أكثر نظرائه في الاتحاد الاوروبي. فحياة ليفي في براغ جنة عدن اذا قيست بالانتقاد القاسي والتنديدات الشديدة التي هي من نصيب سفراء اسرائيليين كثيرين. ان التشيكيا اليوم هي أكبر صديق لاسرائيل في الاتحاد الاوروبي وليس عجبا فقد كانت الوحيدة بين الـ 27 دولة عضوا التي صوتت تعارض الاجراء الفلسطيني في الامم المتحدة.

قبل عشرة أيام جلس ليفي في مكتبه في براغ وكتب برقية قصيرة عنوانها "محاضرات في أنحاء التشيكيا – نجحنا في إبراز موضوع المستوطنات في برنامج العمل". ووصف في خمسة أسطر قصيرة مليئة بالتهكم وخيبة الأمل كيف بدأ الجمهور التشيكي الصديق جدا لاسرائيل يضيق ذرعا بسياستها في الضفة الغربية. "ظهرت في الاسبوعين الأخيرين في تسعة منتديات مختلفة في أنحاء التشيكيا"، كتب في برقية أرسلها الى المدير العام لوزارة الخارجية رفائيل براك، والى قسم اوروبا والى قسم الدعاية. "برغم أنه بقيت نفس الصداقة والتفهم لاسرائيل حتى على أثر عملية عمود السحاب، فانني لقيت لأول مرة في ظهوري منذ اربع سنوات، اسئلة انتقادية تتعلق بالمستوطنات وذلك بسبب التصريحات الجمة في البلاد في شأن E1. نجحنا!".

إن ليفي دبلوماسي قديم ذو تجربة يعتبر سفيرا ناجحا. وهو يبذل غير قليل من الوقت في لقاءات مع صحفيين، وصاغة رأي عام وطلبة جامعات واكاديميين وساسة بالطبع. لكن ليفي مهما يكن ذا موهبة قد قام على ركيزة مكسورة في محاولته ان يُفسر سلوك الحكومة في الاسابيع الاخيرة حتى للجمهور التشيكي المؤيد.

يعتقد غير قليل من الاسرائيليين ومنهم للأسف الشديد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ومستشاروه المقربون ان الانتقاد الكبير في العالم لاسرائيل ولا سيما في الشأن الفلسطيني، ينبع من جهل وعدم فهم للرأي العام الدولي. ونتنياهو هو من اولئك الذين يعتقدون ان عرضا أكثر فاعلية للقضية الاسرائيلية وتطويرا وتحسينا لجهاز الدعاية سيحلان جزءا كبيرا من مشكلاتها في الساحة الدولية. ألم يكن طول حياته رجل مبيعات ودعاية، وكانت اللحظات الأكثر أهمية بالنسبة اليه في ولايته الأخيرة هي خطبه المختلفة في أنحاء العالم.

هل توجهه صحيح؟ إن بحثا جديدا قام به "مولاد – مركز تجدد الديمقراطية" يجيب عن هذا السؤال بـ لا. ان معهد البحث المقدسي الشاب الذي أُنشيء قبل أقل من سنة يريد ان يكون ورشة عمل الأفكار والمزود لليسار الليبرالي في الدولة في مجالات الخارجية والأمن والاجتماع والاقتصاد بالمضمون. والبحث عن جهاز الدعاية الاسرائيلي هو أول ما ينشره "مولاد" في اطار محاولاته إدخال مواقف وأفكار اليسار الى الرأي العام. وعلى هذا النحو سينجحون كما يؤمنون في "مولاد" في المساعدة على إحياء معسكر سياسي أصبح يحتضر.

بحسب البحث تستطيع الدعاية أن تتحسن في عدة مركبات لكن زعم أن الحديث عن جهاز فاشل مُختل بعيد عن الحقيقة. يزعم كاتبو البحث في واقع الأمر أنه منذ كانت الاخفاقات التي ظهرت في حرب لبنان الثانية، أصبح جهاز الدعاية الاسرائيلي واحدا من أكثر الاجهزة تطورا ونجاعة في العالم أكثر من المنظمات المعادية لاسرائيل التي تعمل في الميدان نفسه. ويتفقون في "مولاد" على ان اسرائيل تعاني من تصورا عنها هابطا ومكانة دولية اشكالية لكنهم يرون أن اسباب ذلك لا تتعلق بالدعاية.

إن جهاز الدعاية الاسرائيلي يديره اليوم مقر الدعاية الوطني في ديوان رئيس الوزراء وتخضع لسلطته سائر جهات الدعاية الرسمية في اسرائيل ويوجد منها غير قليل وهي وزارة الخارجية ووزارة الاعلام ومتحدث الجيش الاسرائيلي ووزارة السياحة والوكالة اليهودية وغيرها. ويتم التنسيق بين الرسائل وصوغ الاستراتيجية في منتدى الدعاية الوطني حيث يجلس ممثلو جميع الجهات التي ذُكرت آنفا. والى جانب العمل مع المكاتب الحكومية، يشاور مقر الدعاية الوطني ايضا خبراء بالاتصالات والتسويق من الاكاديميا والقطاع الخاص للحصول على أفكار والاستماع لآراء اخرى. والى ذلك تستعمل الحكومة جهاز دعاية غير رسمي يشتمل على مئات الاسرائيليين والنشطاء من الجماعات اليهودية والمنظمات والجمعيات الخاصة في الخارج، وعلى مؤيدين غير يهود يعملون على الدفع قدما برسائل اسرائيل ولا سيما في الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي.

يعمل جهاز الدعاية مع وسائل الاعلام التقليدية لكنه يعمل ايضا في الشبكات الاجتماعية في الانترنت. ولكل جهات الدعاية الرسمية حسابات تويتر وفيس بوك ويو تيوب وفليكر. وتشجع وزارة الخارجية الدبلوماسيين الاسرائيليين في الخارج على كتابة مُدونات وما شابه بل تستعمل فريقا خاصا من أصحاب المدونات يكتبون ردودا مناصرة للتقارير الصحفية التي تُنشر في وسائل الاعلام في العالم. واذا لم يكن كل هذا كافيا فان وزارة الخارجية تنفق مبلغا لم يسبق له مثيل – نحو من 100 مليون شيكل كل سنة – على مشروع تحسين صورة اسرائيل في العالم، وتستقدم وفودا من المشاهير ومن الاكاديميين وقادة الرأي العام الى اسرائيل وتنظم احتفالات مؤيدة لاسرائيل في أنحاء العالم كالمسيرة السنوية من اجل اسرائيل في نيويورك ومهرجان الافلام الاسرائيلي في باريس.

إن السؤال المركزي في البحث هو لماذا ما يزال يسود رأي أن جهاز الدعاية الاسرائيلي أقل من جهاز الدعاية المضاد الذي يُرى مُحكما ومتطورا برغم نشاط الدعاية المكثف والجهات الكثيرة العاملة والميزانيات الضخمة المنفقة.

يتعلق أحد أجوبة ذلك بنظرية سلب الشرعية التي ثبتت في السنين الاخيرة في كل ركن من جهاز الامن ووزارة الخارجية. ويعتقد كاتبو البحث ان الحديث عن مصطلح اشكالي زاد استعماله الدائم في إغراء تعريف كل انتقاد لاسرائيل بأنه جزء من مسيرة سلب الشرعية، ولهذا يُعرّف كل من يصدر عنه ذلك النقد فورا بأنه معادٍ لاسرائيل. "على حسب هذا التعريف فان كل منظمة حقوق انسان تقريبا تعمل في اسرائيل، حتى تلك التي تُعرّف نفسها بأنها ذات شعور وطني اسرائيلي سافر قد تعتبر جزءا من حملة سلب اشرائيل شرعيتها"، جاء في البحث. "وهذا التعريف يُمكّن الحكومة من الغاء كل انتقاد مهما يكن شرعيا، بزعم أنه جزء من حملة سلب الشرعية ولهذا فهو غير شرعي".

بعد أن فحص كاتبو البحث عن جهاز الدعاية الاسرائيلي استعملوا نفس الوسائل للفحص عن نجاعة الجهاز المعادي لاسرائيل. وكان الاستنتاج الذي توصلوا اليه أن تهديد تلك المنظمات لصورة اسرائيل في العالم ومكانتها أقل كثيرا مما اعتيد اعتقاده. ويقرر بحث "مولاد" أن الجهاز المعادي لاسرائيل فشل في التنسيق بين رسائله وادارتها. ولا تعمل المنظمات المختلفة تحت سقف واحد بل انها مقطوعة احيانا تماما بعضها عن بعض وهي ذات ايديولوجيات متناقضة وهي مختلفة الآراء في أفضل طريقة عمل. ولا يوجد أي جسم معادٍ لاسرائيل يتحمل المسؤولية عن تحديد برنامج عمل موحد ومشترك كالدور الذي يؤديه منتدى الدعاية الوطني في اسرائيل. ودور السلطة الفلسطينية وتأثيرها ايضا في الجهاز المعادي لاسرائيل محدودان جدا. "ان سلوك الأجسام يعبر أكثر من كل شيء عن الفشل المطلق للدعاية المعادية لاسرائيل في توحيد المنظمات العاملة في المجال حول رسالة واحدة ومتسقة ورسمية"، جاء في البحث. "وليس لها اذا استثنينا مباديء عامة فكرة مشتركة أو هدف مشترك فضلا عن سلب اسرائيل شرعيتها".

وحتى حينما يُدير الجهاز المعادي لاسرائيل نشاطا منهجيا موجها على اسرائيل في المجال الاعلامي مثلا، فانه يكون محدودا. فعلى حسب ما يقول كاتبو البحث، ترى المنظمات المعادية لاسرائيل أن الانترنت والشبكات الاجتماعية هي الحلبة الرئيسة لمواجهة اسرائيل لكنها لا تعمل بحسب استراتيجية مُحكمة كما يعمل جهاز الدعاية الاسرائيلي وتكاد تُهمل تماما الاعلام التقليدي المطبوع والمُذاع.

يزعم كاتبو البحث ان اسرائيل نفسها في حالات كثيرة تُفخم شأن المنظمات المعادية لاسرائيل ونشاطها عليها. فعلى حسب البحث فان اسبوع الفصل العنصري الاسرائيلي بخلاف الاستعراض الاعلامي الذي يحصل عليه في اسرائيل هو حادثة هامشية في الجامعات في الولايات المتحدة وحظي بتغطية اعلامية ضيقة نسبيا في وسائل الاعلام الامريكية. وحظيت وقائع "اسبوع السلام الاسرائيلي" في الأحرام الجامعية بتغطية أوسع كثيرا.

أشار البحث الى ميزة مهمة اخرى لجهاز الدعاية وهي ان الجهات الموالية لاسرائيل والتي لها مواقف مؤيدة لاسرائيل هي في الأكثر ناس ذوو شأن عظيم في عالم الثقافة أو الاعمال أو الجامعات. وفي المقابل فان أكثر الجهات المجندة لجهاز الدعاية على اسرائيل هامشية نسبيا في الميادين نفسها. وكم من الناس في العالم يعرفون من هو نوعام تشومسكي وكم يعرفون من هو ستيفن سبيلبرغ؟.

تعمل المنظمات المعادية لاسرائيل بحسب البحث في الأساس مع ناس ذوي صلة عقائدية واضحة بأهدافها ولا سيما اليسار الراديكالي في الغرب، وهي بخلاف اسرائيل تكاد تتجاهل الصحفيين وموجهي التلفاز والفنانين والمفكرين البارزين من المركز السياسي ممن ليسوا بالضرورة يؤيدونها عقائديا. "يأتي تمويل الدعاية المضادة لاسرائيل في أكثره من ناس خاصين، ومن شركات اعمال صغيرة، واذا استثنينا عددا قليلا من الفنانين والأدباء يصعب ان نجد شخصيات عامة بارزة مجندة بصورة سافرة للدفع بهذه الأجندة الى الأمام"، جاء في البحث.

إن أحد الاجراءات التي تُرى نجاحا للمنظمات في السنوات الاخيرة هو حملة الـ "بي.دي.اس" – مقاطعات وإبعاد استثمارات اقتصادية وفرض عقوبات. لكن كاتبي البحث يذكرون ان حملة الـ "بي.دي.اس" لم تُثمر نجاحات استراتيجية للمنظمات المعادية لاسرائيل التي هي نفسها مختلفة فيما يتعلق بجدوى استمرارها. وهم يعتقدون ان المنظمات تُجند صاغة الرأي العام لحملة القطيعة بواسطة التهديدات تعريضا أو صراحة. "حتى لو حظيت هذه الطريقة بعدد من النجاحات فانها محدودة من جهة قدرتها على الدفع قدما بأهداف الجهاز"، ورد في البحث.

إن الرسالة الايجابية هي شيء غير موجود عند المنظمات المعادية لاسرائيل، خلافا لجهاز الدعاية. "إنها تعتمد على استراتيجية سلبية انتقادية تنحصر في الدعاوى والتسويغات والشكاوى والتهديدات وتقلل من المشاركة وانشاء تصور ايجابي لدى الجمهور العريض"، جاء في البحث. "حتى حينما يعمل الجهاز المعادي لاسرائيل في التصنيف فان الحديث عن محاولة تصنيف اسرائيل باعتبارها دولة عدوانية تنقض حقوق الانسان بصورة منهجية".

ان استنتاج كاتبي البحث هو ان الموقف الذي يرى ان اسرائيل تعاني من مشكلة دعاية ليس صادقا وهو ينبع في أكثر الحالات مما يبدو أنه هستيريا لا أساس لها. "ليست مشكلة الدعاية سوى أسطورة... اذا كانت اسرائيل تعاني من عزلة دبلوماسية وصورة هابطة في العالم فليس سبب ذلك فشل الدعاية".

إن المأساة هي ان النقاش المبالغ فيه لـ "مشكلة الدعاية" والاشتغال الذي لا ينقطع بالبحث عن حلول تقنية أو رسائل أكثر اقناعا يصد نقاشا جديا في الحكومة وفي الرأي العام ايضا يبحث عن الاسباب الحقيقية لوضع اسرائيل. "بدل الاشتغال بالعلاقة بين سياسة حكومة اسرائيل وصورة اسرائيل في العالم أخذت تنشأ أسطورة تتعلق بـ "مشكلة الدعاية" "، يُلخص كاتبو البحث. "ان تضخيم الدعاية المعادية لاسرائيل من جهة وانتقاد الدعاية الاسرائيلية من جهة اخرى يصرفان الانتباه العام عن العلاقات السببية بين تدهور صورة اسرائيل ومكانتها الدولية وسياسة حكومتها".

سيُعقد اليوم في وزارة الخارجية في القدس المؤتمر السنوي لسفراء اسرائيل في العالم. وفي المؤتمرات السابقة اعتاد وزير الخارجية السابق افيغدور ليبرمان ان يوبخ السفراء ويُهينهم. وقد زعم ان الدبلوماسيين الاسرائيليين بدل ان يُبينوا موقف اسرائيل ويُصروا على "الكرامة الوطنية" ينطوون ويستكينون للعالم. وفي هذه الاثناء أصبح ليبرمان هو الذي حزم أمتعته وانطوى عن وزارة الخارجية بسبب لائحة الاتهام التي قُدمت فيه. قد يصبح مؤتمر السفراء فرصة جيدة لنقاش استنتاجات بحث "مولاد". وسيُحسن المدير العام لوزارة الخارجية رفائيل براك الصنع اذا وزعه على كل واحد من السفراء يجتاز باب قاعة المباحثات التي سيعقد المؤتمر فيها.