خبر شفافية مضللة../ مصطفى إبراهيم*

الساعة 09:14 م|29 ديسمبر 2012

نحو 81 % من الفلسطينيين مقتنعون بأن الفساد ينتشر في السلطة الفلسطينية، وفي المقابل لا معلومات عن مدى انتشار الفساد في حكومة غزة، وتطبيق معايير مؤشرات النزاهة والشفافية ومبدأ المساءلة والمحاسبة، والرقابة في الوزارات والمؤسسات الحكومية، وحجم الموازنة العامة ومصادر تمويلها، وطرق صرفها وآليات الرقابة الحكومية والتشريعية والشعبية والإعلامية عليها، وإطلاع الناس عليها لترسيخ قيم العدالة والشفافية ومبدأ المساءلة والمحاسبة.

المتابع للتصريحات الصادرة عن نائب رئيس الوزراء وزير المالية في حكومة غزة المهندس زياد الظاظا، حول مصروفات الحكومة وأن مصاريفهم النثرية لم تتجاوز مبلغ الـ 150 ألف دولار، وأن عدد الموظفين هو 42 الف موظف وخمسة آلاف آخرين يعملون بنظام العقود، وأن مجموع رواتب كل الموظفين 124 مليون شيكل. وتحدث عن قدرة الحكومة على الحد من نسب البطالة، والإنفاق الحكومي على وزارة الشؤون الاجتماعية، والمشاريع التشغيلية والتعليم والصحة والزراعة وغيرها من الوزارات.

ليست المرة الاولى التي يتحدث بها المهندس الظاظا عن الأوضاع الاقتصادية وقدرة الحكومة على الحد من نسب البطالة، فبتاريخ 11/10/2012، قال: "إن الناتج السنوي للحكومة خلال عام 2011، وصل نحو 2 مليار و 396 مليون دولار، وتوقع أن تلامس خلال عام 2012 الـ 3 مليارات دولار، وأن الحكومة وفرت حوالي 185 ألف فرصة عمل دائمة، وقللت نسبة البطالة من 60% الى 30%، و أن نسبة النمو في غزة وفقاً لتقرير الامم المتحدة وصلت الى 23%، وهذه أفضل نسبة عالمية ونحن تؤكد بأنها أكثر من ذلك".

كلام جميل وجذاب لمن يسمع هذه المعلومات المجردة بشفافية عالية ومن دون تلعثم، ويعتقد السامعين أن ذلك ضمن الحق في الحصول على المعلومات بسهولة، وأن آليات الرقابة والمساءلة والمحاسبة تطبق بحذافيرها، وأننا نعيش في رخاء والناس ينعمون برغد العيش، لا حصار أو أزمات اقتصادية لدينا في غزة، وأن الحديث عن نسب البطالة العالية والفقر وارتفاع الأسعار والغلاء هو مجرد ادعاءات وشائعات مغرضة.

ولم نسمع المهندس الظاظا مرة واحدة يتحدث عن الأزمات التي يعيشها قطاع غزة، وفشل الحكومة في توفير الحد الأدنى من العيش الكريم للناس، وفشلها على سبيل المثال لا الحصر في إدارة ملف الوقود والكهرباء، الأوضاع صعبة، والحكومة يجب أن تعترف بمسؤوليتها عن الناس الذين يشاهدون التناقض في ما تعيشه الحكومة من مبالغة في المصروفات والاهتمام بالمظاهر والسيارات الحديثة التي تكلف الموازنة الكثير من الأموال.

ولم يتحدث نائب رئيس الوزراء بشفافية عن لجان التحقيق التي شكلتها الحكومة في كثير من القضايا المختلفة وانتهاكات حقوق الإنسان، ولم تعلن حتى الآن عن نتائج أي من تلك اللجان، ودائما نسمع عن أنه تم اتخاذ العديد من الإجراءات القانونية "السرية" بحق العديد من أعضائها الذين ارتكبوا أخطاء كما تصفها مع أن هذا الوصف لا ينطبق على الجرائم والانتهاكات التي ارتكبت ومست بحقوق الإنسان الفلسطيني.

الحكومة عليها أن تمارس دورها كحكومة، وليس كفصيل مقاوم خارج الحكومة، بذلك ليس سهلاً إقناع الناس أنها قامت بمحاسبة من ارتكبوا انتهاكات مست بحقوق الإنسان، ولن تكتمل المحاسبة من دون الشفافية بالإعلان عن أسماء مرتكبي الانتهاكات والاعتداءات، وحتى يشكل رادعاً لكل من تسول له نفسه ارتكاب جرائم في حق المواطنين بعيداً عن سيادة القانون.

نائب رئيس الوزراء الظاظا تحدث أكثر من مرة لوسائل الإعلام بمعلومات تلفت الانتباه، لكنه لم يتحدث عن آليات الرقابة والمساءلة والمحاسبة، والإعلان عن مصادر تمويل الحكومة، وموازنتها وطرق صرفها، والعدالة في التوظيف والاختيار وتوزيع المناصب والتنافس عليها.

وفي ظل ذلك من حق الناس أن تطالب بحقها في محاسبة الحكومة، وتزداد قناعة لديهم من غياب النزاهة، وأن ضخ المعلومات بهذه الطريقة شفافية مضللة وغير واضحة، وفي ظل غياب المعلومات الحقيقية ترسخ غياب الثقة في الحكومة، وابتعاد الناس عن المشاركة في العملية الديمقراطية.