خبر ثمن التحرير- هآرتس

الساعة 09:22 ص|27 ديسمبر 2012

ثمن التحرير- هآرتس

بقلم: آري شبيط

        (المضمون: سيخسر المركز – اليسار الاسرائيلي في هذه المعركة الانتخابية لأنه نام واستسلم للواقع ولم يواجهه وترك لليمين الساحة وهرب فيجب عليه ان يعمل في اصلاح نفسه من الآن - المصدر).

لا حاجة الى انتظار نتائج الانتخابات، فانه يمكن ان نحلل الآن اسباب الفشل الذريع للمركز – اليسار في انتخابات 2013. هل قلنا عدم وجود زعامة؟ قد قلنا. هل قلنا عدم وجود وحدة؟ قد قلنا. هل قلنا عدم وجود إلهام؟ قد قلنا. لكن فوق كل هذه الاسباب الشخصية والشخصانية ينبع الفشل السياسي المعلوم سلفا من فشل فكري.

بعد عشرين سنة لم يتفحص فيها معسكر السلام الاسرائيلي نفسه ولم يُجدد نفسه ولم يواجه الواقع بشجاعة أصبح يقوم على دعامة هشة. وبعد عشرين سنة جمود فكري وعاطفي، كف اليسار الصهيوني عن أن يكون ذا صلة. فالهزيمة المتوقعة في الانتخابات هي هزيمة كتلة سياسية كفت عن الرد على الواقع التاريخي الذي تحيا فيه ولهذا تُرى أنها هاذية.

مات المركز – اليسار الاسرائيلي ثلاث مرات. مات في المرة الاولى حينما أفضت اتفاقات اوسلو الى انفجار الحافلات في مركز القدس ومركز تل ابيب. ومات في المرة الثانية حينما أفضت قمة السلام في كامب ديفيد الى ان ذبح مخربون منتحرون أبرياء في أنحاء البلاد. ومات في المرة الثالثة حينما أفضى الانفصال عن غزة الى أن أطلقت غزة صواريخ القسام وغراد على جنوب اسرائيل.

بعد أن لم تُفض ثلاثة انسحابات اسرائيلية واعدة على أثرها الى هدوء بل الى عنف، كف الجمهور الاسرائيلي عن تصديق وعود السلام والواعدين بالسلام. وبدأ ينظر الى المركز – اليسار بأنه جسم سياسي لا يعلم في أي عالم يعيش ولا يعلم كيف يحمي اسرائيل والاسرائيليين من ذلك العالم.

ومات المركز – اليسار الاسرائيلي في 2011 للمرة الرابعة. فحينما فاض ميدان التحرير وأسقط حسني مبارك وجاء بالاخوان المسلمين، أقنع أكثر الاسرائيليين بأن الحي الذي يعيشون فيه هو حي متدين متطرف لن يُسلِّم بدولتهم. وصرخت الحواس السليمة لشعب غير غبي تقول ان ما كان لن يكون الى الأبد: وإنه انقضى السلام القديم الذي خيّب الآمال. ولا احتمال ألبتة لامكانية تقديم فكرة سياسية صيغت مع بطرس غالي وحنان عشراوي وسري نسيبة، مع محمد مرسي وخالد مشعل واسماعيل هنية الآن. ولا احتمال ألبتة لأن يثور قادة عرب معتدلون يتمتعون بأدنى قدر من الشرعية على روح عصر متطرفة ليُنهوا الصراع العميق مع دولة اليهود. فقد انقضى عهد وبدأ عهد جديد وينبغي التفكير من جديد.

في هذا الوقت كان يفترض ان يوجد المركز – اليسار الاسرائيلي بعد ان مات اربع ميتات، نفسه من جديد. كان عليه ان يفعل ما فعله طوني بلير بحزب العمال البريطاني بعد ان أدرك ان مارغريت تاتشر ليست ظاهرة لا أساس لها. وكان يجب ان يفعل ما فعله بيل كلينتون بالحزب الديمقراطي الامريكي بعد أن أدرك ان رونالد ريغان ليس أحمق من هوليوود. وكان يفترض ان ينظر المركز – اليسار الاسرائيلي نظرة واعية الى الواقع وان يستدخل في نفسه دعاوى اليمين الجدية وان يرد عليها ردا مناسبا.

لكن المركز – اليسار لم يفعل ذلك بل هرب. وتعلق بميدان التحرير نفِسه ليوهم نفسه أن برنامج العمل الاسرائيلي يمكن ان يكون اقتصاديا – اجتماعيا فقط. ولم يُثر أية فكرة سياسية جديدة واقعية تواجه الواقع السياسي الجديد المهدِّد بل تخلى عن الساحة لليمين واستكان لليمين وجعل اسرائيل 2013 تصبح اسرائيل يمين – يمين.

من الممكن اليوم انشاء لجنة التحقيق في داخل الكتل الحزبية. كيف يمكن ان يكون المركز – اليسار مستكينا بهذا القدر عشية قطيعة سياسية دولية مع اسرائيل؟ وكيف يمكن ان يكون المركز – اليسار مهينا بهذا القدر في مواجهة سيطرة الاستيطان على المشروع الصهيوني؟ لكن يجدر انشاء مشروع التصحيح بدل انشاء لجنة تحقيق.

خسرنا في هذه الجولة أيتها الرفيقات والرفاق. ويجب علينا ان نُشمر للاستعداد للجولة التالية كما ينبغي.