خبر انتصار سياسي، فشل جماهيري- هآرتس

الساعة 09:09 ص|25 ديسمبر 2012

 

بقلم: تسفي بارئيل

وكأنه حسب سيناريو مقرر مسبقا، يخطط زعماء المعارضة المصرية للمعركة القانونية على نتائج الاستفتاء الشعبي. وادعاؤهم الأساس هو ان نتائج الاستفتاء مزورة، فقد دُفعت رشاوى، واموال الصناديق الخيرية استخدمت لشراء الاصوات، والاخوان المسلمون بعثوا بقوافل الباصات المحملة بالناخبين وأمروهم بكيفية التصويت – وعلى كل هذا، دعوا الى تشكيل لجنة تحقيق قانونية "تثبت الحقيقة".

ومع ان النتائج النهائية للاستفتاء الشعبي لم تنشر بعد، ولكن حتى المعارضة تعترف بأنه رغم نقاط الخلل والتزوير المزعوم، فقد صادق الجمهور المصري على الدستور. فهل فاز بـ 71 في المائة كما يقول الاخوان أم فقط بـ 56 في المائة كما يدعي زعماء المعارضة، هل جاء 30 في المائة فقط من أصحاب حق الاقتراع الى الصناديق  أم 52 في المائة على الأقل كما يدعي الاخوان المسلمون، عن هذا سينشر بيان رسمي عن لجنة الانتخابات العليا، التي ستدرس ادعاءات التزوير ايضا.

في هذه الاثناء تشير النتائج غير الرسمية في جولتي الاستفتاء الى مشاركة نحو 33 في المائة من أصحاب حق الاقتراع، مقابل 46 في المائة شاركوا في الانتخابات للرئاسة في الجولة الاولى و56 في المائة في الجولة الثانية ومقابل معدل مشاركة متوسط بنحو 62 في المائة في الانتخابات للبرلمان التي جرت على ثلاث مراحل قبل سنة.

معدل المشاركة المنخفض نسبيا – وإن كان أعلى بكثير مما كان دارجا في الاستفتاءات والانتخابات في عهد مبارك – قد يشير الى مدى الثقة المتضائل في قدرة الجمهور على التأثير على مبنى النظام، أو الى التعب المتعاظم من المسيرة السياسية الطويلة التي استغرقت حتى الآن أشهرا طويلة ولا تُحدث التغيير المنشود في مستوى المعيشة أو في الأفق الاقتصادي.

وسيكون الاخوان المسلمون من ناحيتهم الآن مطالبين بأن يفحصوا أين فشل جهازهم التنظيمي فأعطى نتيجة تدل على فشل عام رغم الانجاز السياسي. وتلوى أمس ممثلو الاخوان المسلمين حين طُلب منهم ان يشرحوا معدل المشاركة المنخفض والذي استغله، كما هو متوقع، جيدا زعماء المعارضة. فقد سارع هؤلاء الى الادعاء بأنه اذا كان الدستور أُقر بتأييد نحو 10.5 مليون من أصل 52 مليون صاحب حق اقتراع، فانه لا يمثل ارادة اغلبية مواطني مصر ولهذا فيجب تغييره أو الغاؤه.

وقد سُجل معدل مشاركة منخفض على نحو خاص، نحو 24 في المائة، بالذات في المحافظات الجنوبية لمصر مثل سوهاج، أسوان والقنا، التي تتميز بالسكان المتدينين المحافظين حيث توجد مراكز الدعم الهامة للاخوان المسلمين والحركات السلفية. ومع أنه سُجل في هذه المحافظات معدل تأييد هائل للدستور، 76 – 85 في المائة، إلا انه في الاعداد المطلقة، كانت هذه هي المحافظات التي أعطت التأييد النسبي المنخفض. في القاهرة، بالمقابل، سُجل انتصار لمعارضي الدستور حين صوت نحو 57 في المائة من أصحاب حق الاقتراع، أكثر من مليون وربع نسمة، ضد الدستور. ولهذا الانقسام أهمية سياسية هائلة لأنه يوضح بأن مركز المعارضة لحكم الاخوان المسلمين يوجد في القاهرة، مركز قادر على أن يضع تحديات سياسية وعملية في شكل مظاهرات واضرابات في المكان الأكثر حيوية في الدولة.

غير ان حرب الارقام ستنتهي في الايام القريبة القادمة وذلك لأنه في أعقاب نتائج الاستفتاء ستنتقل مصر الى المعركة السياسية التالية – الخلاف الذي سيرافق صياغة قانون الانتخابات للبرلمان والانتخابات نفسها التي ستعقد كما يبدو في غضون شهرين. ومقارنة بالانتخابات السابقة للبرلمان، التي جرت على خلفية النشوة الهائلة التي رافقت اسقاط حكم مبارك والتي اعتبر فيها الاخوان المسلمون كجزء لا يتجرأ من الكفاح الوطني – فان الأجواء الآن مختلفة. ففي الانتخابات السابقة، رأى الليبراليون والعلمانيون في مجرد منح شرعية للحركة الدينية التي كانت محظورة في العهود الماضية، جزءا من الانتصار للثورة. أما الآن فهم يرون في الاخوان تهديدا على الثورة.

فبينما في الانتخابات السابقة تميزت حركات الاحتجاج وحركات المعارضة بالانقسام والخلاف، يبدو ان الصراعات السياسية التي دارت في الاشهر الستة الأخيرة والتي ستتميز بها الساحة السياسية في الاشهر القادمة، نجحت في ان توحد على الأقل جزءا كبيرا منها. وطمست مواد الدستور موضع الخلاف، ولا سيما التخوف من أسلمة مصر، بقدر كبير الفوارق الايديولوجية بين الحركات التي تضع لنفسها كهدف القضم من قوة الاخوان وبذل جهود أكبر في المعركة الانتخابية للبرلمان.

وهكذا مثلا، نجح ثلاثة زعماء جبهة الانقاذ الوطني، محمد البرادعي، عمرو موسى وحمدين صباحي في ان يبنوا كتلة معارضة نجحت مع حركات اخرى في لي ذراع مرسي وإرغامه على الغاء قراراته الرئاسية. بعض من هذه الحركات، التي وافقت على التعاون مع الاخوان المسلمين في المنافسة في الانتخابات السابقة، تركت الائتلاف معهم وهي كفيلة بأن تعمل بشكل مشترك للمس بفرص الاخوان في تحقيق انتصار مشابه لذاك الذي حظوا به في السنة الماضية.

غير أنه قد يكون لتبلور معارضة كفاحية وموحدة آثار متناقضة ايضا. فقد تنافس الاخوان المسلمون في الانتخابات البرلمانية والرئاسية وهم يجتهدون للظهور بمواقف رسمية والنية لتمثيل كل المصريين وليس فقط ايديولوجيتهم الدينية. وانكب مرشحوهم على الابتعاد عن القوائم السلفية وبعد الانتخابات فضلوا دعوة احزاب علمانية ليكونوا معهم في الحكومة وتقليص نصيب السلفيين. ومع ذلك، ففي الانتخابات للرئاسة، ولما لم ينجحوا في تحقيق اغلبية لازمة في الجولة الاولى، تبين لهم أنهم يحتاجون الى مساعدة السلفيين كي يتغلبوا بصعوبة (51.5 في المائة) على المرشح العلماني أحمد شفيق. كل هذا رغم ان شفيق يعتبر كمن يمثل النظام السابق وأثار معارضة في اوساط الحركات الليبرالية.

وعليه، اذا تبين للاخوان بأنه لا يمكنهم ان يُغروا احزابا علمانية بتأييدهم وان الشرخ الديني عميق للغاية فان من شأنهم ان يتوجهوا الى الاحزاب السلفية وان يعرضوا عليها الشراكة. واذا حاكمنا الامور حسب نتائج الانتخابات السابقة، فان من شأن مثل هذه الشراكة الدينية ان تجترف اغلبية حتى في الانتخابات القادمة وتدحر الحركات الليبرالية الى مقاعد المعارضة. مثل هذا السيناريو، اذا ما تحقق، قد يؤثر على طبيعة التشريع الذي يقرر وجه مصر والشكل الذي تتقرر فيه جداول الأولويات في ميزانية الدولة.

من هنا ايضا معضلة حركات المعارضة، التي لا تزال بعضها تفكر بعدم المشاركة في الانتخابات للبرلمان وهكذا نزع الشرعية العامة عن  الاخوان، او ربما المشاركة بالفعل في ظل توحيد القوى وذلك من أصل صد الاخوان. وهذا تردد مصيري، وذلك لان هذه المرة ستجري الانتخابات دون "الاب" العسكري الذي كان يمكنه في الماضي أن يقرر أنظمة الانتخابات، أن يؤثر على الاجواء بل وان يحاكم من يعتبر في نظره "ضارا بالامن القومي" وشطب ترشيحه. فالرعاية العسكرية التي توفرت تقليديا للحركات العلمانية تنزل الان في الثكنات العسكرية، والمجلس العسكري الاعلى يتحفظ في الاعراب عن مواقفه في المواضيع السياسية.

رغم الخلافات والادعاءات ضد الشكل الذي قاد فيه مرسي الساحة السياسية حتى الان، فان مصر تبقي بعيدا وراءها جارتيها ليبيا وتونس. فقد اجتازت هاتان الدولتان ثورتين ايضا ولكنهما لم تصيغا دستورا بعد وحكومتيهما مؤقتتان وتنتظران انهاء اجراءات صياغة الدستور التي تستغرق أشهر عديدة اخرى. اما مصر بالمقابل، فانها تنهي الاجراءات الرسمية التي تقرر طريقة الحكم وطبيعة الدولة وهكذا ايضا ستتحمل "مسؤولية" نجاح ظاهرة الثورة.