خبر الجيش الاسرائيلي ونتنياهو والحرب القادمة- هآرتس

الساعة 10:14 ص|23 ديسمبر 2012

الجيش الاسرائيلي ونتنياهو والحرب القادمة- هآرتس

بقلم: أمير أورن

        (المضمون: أصبح هدف اسرائيل في حروبها كما بيّنت "عمود السحاب" ان تكون الحرب قصيرة قدر المستطاع وان تبدأ بضربة جوية مفاجئة مع تأخير جمع الاحتياط لضربة برية، لكن هل يصبر العالم على أخطاء اسرائيل وعلى رفضها للسلام أكثر من ذلك؟ - المصدر).

        اذا كان يجوز ان نتعلم من عملية "عمود السحاب" في غزة درسا عاما، فان الجيش الاسرائيلي قد عاد يفضل النار الجوية على المداورة البرية وأضاف تفضيلا آخر الى ذلك هو تفضيل المفاجأة على الاستعداد. اذا استمرت عمليات كهذه أياما قليلة فقط وعانى الجمهور المدني قليلا وفي ضبط للنفس، فهي وصفة لانجازات عسكرية توفر جرحى بين المحاربين؛ بيد ان النتيجة عكسية في السياق السياسي المقرر. ان اسرائيل لا تكسب زمنا بل تستدينه بفائدة مضاعفة لأنه ينتظرها عند أعلى محور الزمن عالم أشد عداءا لسياسة بنيامين نتنياهو.

        كانت الضربة التي بدأت بها عملية "عمود السحاب" ترمي الى قطع رأس حماس. فقد هوجم القائد العسكري للمنظمة أحمد الجعبري، الذي كان مُهيأ ومن غير محيط مدني يحميه. وكان من الممكن بنفس القدر ولنفس الغاية محاولة اصابة واحد من اربعة أو خمسة مسؤولين كبار آخرين في حماس. بعد دقائق قليلة من اصابة الجعبري هوجمت الذراع الاستراتيجية لحماس والجهاد الاسلامي، أعني صواريخ فجر.

        عند سلاح الجو قدرة مميزة على التخطيط (اعتمادا على معلومات استخبارية ونظرية قتال وتدريب) وتحقيق تخطيطه في ساعات قليلة بل في أقل من ساعة احيانا منذ لحظة اتخاذ الوزراء للقرار وترجمته الى أمر عسكري في سلسلة قصيرة لرئيس الاركان – قائد سلاح الجو – قسم العمليات – وحدات الطيران. ان الآلة العسكرية الاخرى غير منظمة كثيرا لاستغلال فرص عابرة.

        تقتضي المفاجأة ان تُفصل العملية عن الضجيج الخلفي المنبيء بها. لهذا ينبغي ألا تُقرن بعملية تظاهرية يشاهد الجميع ردا اسرائيليا عليها وتزيد الاستعداد في الجانب الآخر. ولهذا الفصل ثمن دعائي هو صعوبة اقناع مواطني اسرائيل ودول العالم بعدل الانقضاض على القادة ووسائل القتال من غير تحرش سابق وفي موعد ملاصق مباشر للهجوم.

        هناك خصيصة اخرى لتلك المفاجأة الجوية وهي تأخير كل الاستعدادات البرية للمرحلة التالية من المعركة. فتجنيد قوات الاحتياط ونقل المركبات المدرعة وفتح مستودعات الطواريء لا يمكن ان تُخفى اخفاءا مطلقا. وهي في نظر العدو علامات شاهدة؛ فيحسن لذلك ان يعطي عدم وجودها تفسيرا خطأ ووادعا.

        ان القرارات الحاسمة الميزانية صعبة، في بنية القوة العسكرية: فزيادة بطاريات القبة الحديدية تأتي بالضرورة على حساب منظومات عملياتية أو لوجستية اخرى. وتكون نتيجة استعمالها التضحية بالاستعداد البري لوحدات احتياط لم يسقط الصدأ عنها بعد والاضرار بمرونة اجهزة مختلفة، وحركتها في المتوالية التي يسميها الجيش الاسرائيلي شاحم – الروتين والطواريء والحرب. وما يمكن فعله قبل بدء اطلاق النار وهو تقريب الأدوات وشحذ القوات، يتم تأخيره الى صافرة البدء الجوي من اجل عدم الكشف عن النية. هذا هو الفرق البارز بين طُرز الحرب في الايام الستة ويوم الغفران – ثلاثة اسابيع لاعادة بناء الجاهزية، في مقابل ارتجالات التسرع الى الجبهات (وفي الطراز الثالث في لبنان 1982 كان هناك استعداد ومبادرة واختيار توقيت – ثم فشل).

        كان القرار المعلوم في عملية "عمود السحاب" المهاجمة من الجو أولا – وفي المقابل ومن غير ان يلاحظ أحد أن تُنشر بطاريات اعتراض تحمي القواعد الجوية والبنى التحتية الحيوية وأن يكون في المكان الثالث فقط التجمعات السكانية – وأن تُعد للانطلاق القدرة البرية بعد بدء اطلاق النار فقط. ولهذا تبين للناظر جميع الاختلالات البنيوية في هذه القدرة. فالشيء الأساسي ان تكون جولة العنف قصيرة – وهذا أمر يتعلق باستعداد سياسي للكف عنها – وأن تأتي الجولة التالية في أبعد وقت ممكن.

        ان مشكلة نتنياهو وشركائه في الفكر هي ان العالم وعلى رأسه امريكا قد ضاق بهم ذرعا وهم يرون ذلك، فقد أخذ يقل الجيل الذي غفر لاسرائيل أخطاءها. وكلما تأخر مجيء الحرب كبُر عدم صبر العالم على رفض اسرائيل للسلام مقابل الارض. ولن يغطي أي مجد عسكري على هذا التوجه الذي يزداد حدة الذي لا رجعة عنه.