خبر انتفاضة تبحث عن اسم... خيري منصور

الساعة 07:16 ص|21 ديسمبر 2012

لا يُنافس التوقعات والتعليقات بشأن انتفاضة فلسطينية ثالثة إلا ما يدور في السر والعلن عن جرب عالمية ثالثة، رغم أن هذه الحرب وقعت بالتقسيط وحَمَلت أسماءً أخرى، لكن التعريف الكلاسيكي للحروب الكونية الذي رسخته الحربان العالميتان الأولى والثانية في القرن الماضي، يتطلب حيثيات ميدانية واضحة المعالم، وتضاريس جغرافية ذات خطوط طول وعرض وإستواء. فمنذ أَجْهَزت "تل أبيب" على أوسلو الذي أبقته خارج الدفن، رغم أن كرامة الميت دفنه، والانتفاضة تظهر وتختفي في الأفق كحصيلة متوقعة لفشل عملية السلام ومواصلة الاحتلال استراتيجيته الاستيطانية التي قضمت الأرض وأفرغتها من أصحابها، خصوصاً في القدس وما حَوْلَها.

آخر ما نُشر في العبرية عن الانتفاضة الثالثة مقال لأليكس فيشمان في صحيفة "يديعوت"، وما جاء في المقالة من مقدمات انتهت إلى الاستنتاج بأن الانتفاضة الثالثة وشيكة، يتلخص في موقفين، أولهما أن المصالحة بين فتح وحماس رغم بُطئها وتَعثّرها غيَّرتْ من المشهد الفلسطيني، فلم يعد طرف يطارد طرفاً آخر سواء من حيث حراكه السياسي أو جمعياته الخيرية، والمقصود بهذا الطرف هو حماس، التي ل تزال ترفع شعار التحرير من البحر إلى النهر، وهو الشعار الذي يُتَرجم فورياً إلى العبرية، وكما قال نتنياهو يعني إبادة "إسرائيل".

والموقف الآخر هو ما بدأت السلطة الوطنية في رام الله تُمارسه على الأرض بعد التصويت على الدولة كمراقب في الجمعية العامة للأمم المتحدة، وهذه الممارسات كما تصفها المقالة هي علامات ورسائل وإيحاءات بأن الدولة الفلسطينية قد أُنجزت! لهذا سارع الاحتلال إلى إجراء عقوباته التقليدية والمتوقعة في مناسبات كهذه، وهي حجب عائدات الضرائب وبالتالي تأزيم المجتمع الفلسطيني وسلطته اقتصادياً، ومنع العمالة الفلسطينية من الدخول إلى المناطق المحتلة العام، 1948وحين تتزامن العقوبتان يكون الحصار قد ازدوج، وبالتالي يصبح تصدير أزمة أخرى إلى المناطق المحتلة مُمكناً، لأن ما تتصوره سلطات الاحتلال هو أن الأزمات الاقتصادية الحادة والخانقة تُغير اتجاه سهم البوصلة ويتوجه الشعب إلى السلطة مطالباً بالرحيل أو بأي شيء آخر بدلاً من مطالبة المحتل نفسه بالرحيل.

وموقف السلطة الفلسطينية من انتفاضة ثالثة عَبّر عنه محمود عباس في مناسبات عدة منها ما هو محلي وإقليمي، وما هو دولي أيضاً، فقد أعلن أنه ضد عَسكرة الانتفاضة، وأنها لكي تصل إلى أهدافها يجب ألا تكون مُسَلحة، لكن ردود الفعل في تل أبيب على كل ما يصدر من رام الله هو التشكيك الذي يصل أحياناً إلى حد التكذيب، لأنها قررت ألا ترى أو تسمع غير ما تريد، لهذا اخترعت فَزَّاعة اسمها غياب الشريك الفلسطيني عن عملية السلام، هذا ما قيل من قبل عن الراحل عرفات، وسيظل يقال إذا تطلب الأمر،لتسويغ ديمومة الاحتلال وترسيخه من خلال الاستيطان.

إن إطلاق الأسماء أو الأرقام على انتفاضات الشعوب في زمن الاحتلال، يبقى عملاً إجرائياً، لكن الانتفاضة المستمرة منذ قرن لا تقبل مثل هذا التَّحْقيب أو الخانات المنقطعة عن بعضها، وكل ما في الأمر أن منسوب الانتفاضة أو المقاومة عبر مختلف الأساليب يعلو وينخفض، ويمتد وينحسر تبعاً لعوامل محلية أو دولية، وما بين الانتفاضين الأولى والثانية لم يكن الفلسطينيون في إجازة أو عطلة قومية طويلة، بل كان رفضهم للاحتلال خافت الصوت بسبب التهميش الإعلامي، أو لأن المقاومة يجب أن تتحول إلى ظاهرة بعد أن تكون عمليات فردية مُتباعدة.

إن من يتوقّعون انتفاضة ثالثة وعارمة أيضاً هم الذين يصنعون بشكل يومي دوافعها وأسبابها، وهذا ما تتجاهله مقالة فيشمان ومن يعزفون على الوتر ذاته.