خبر يا بيبي إذهب للعلاج- هآرتس

الساعة 09:31 ص|18 ديسمبر 2012

 بقلم: اسحق سيفل يشورون

مخرج سينمائي

ان آثار الاغتصاب – لانسان أو جمهور – لا تُمحى. فمنذ ان تسلب انسانا السيطرة على جسده وتستعمله كاستعمالك شيئا وتفعل به ما تشاء تتغير شخصيته. فيصعب على ذاكرته ان تستعيد الفعل بتفصيلاته ويتحول الحدث الصادم شعوريا الى مجموعة منفصلة عن التفصيلات تثبت في الذاكرة على أنها ممثلة للرعب والعجز والغضب. وبعد الاغتصاب يصبح كل غريب تهديدا محتملا وتصبح نوايا المحب مريبة. وتشوش المخاوف والشعور بالذنب على الحكم وينطوي من تعرض للاغتصاب في عالمه. وبعد علاج طويل فقط يستطيع احيانا ان يُعيد لنفسه الثقة التي أضاعها بالمعالج أولا وبقدرته هو بعد ذلك على ان يُعيد لنفسه ماضيه، ويستعيد ذاكرته ليُموضع عمل الاغتصاب في السياق الصحيح من حياته وليُعيد بعد ذلك بناء ثقته بالبشر.

اغتُصب الشعب اليهودي على مر التاريخ مرات لا تحصى. وقد سُلب ارادته وسيطرته على حياته وفعل به اجانب ما شاءوا. فقد ضربوه وسلبوه أملاكه وطردوه من ارضه وأذلوه وقتلوا منه بلا رحمة. فليس عجبا اذا ان طور الشعب اليهودي وممثله الاسرائيلي شخصية متشككة ومنطوية ومتنكرة ومؤمنة بالقوة. وليس عجبا أننا نتكل على قوتنا فقط وأننا نشك في نوايا الآخر. فلن يغتصبونا مرة اخرى. لن يفعلوا ذلك أبدا.

ان رئيس وزراء اسرائيل الذي وُضع على كتفيه الضيقين حمل التاريخ الثقيل يسلك سلوكا متوقعا من انسان بعد صدمة شعورية يرفض طلب عائلته ان يُعالَج. وهو يخفي عن نفسه فصول تاريخ لا تتساوق مع صورة عالمه بعد الصدمة الشعورية. وهو يعيد كتابة التاريخ بحيث يستطيع معايشته اخلاقيا وعمليا. ان تاريخ الشعب الفلسطيني القريب يُنسّى ويُنسى لأنه لا يُمكّن الضمير من قبول الواقع. ونحن نفسر لأنفسنا وللآخرين قوتنا المستعملة على الدوام بأنها رد على اغتصاب متوقع في المستقبل. وتُعرض قوتنا الضخمة من اجل ان يروا ويُروا، لكننا في نظر أنفسنا دائما ضحية محتملة لقوة شيطانية توشك في كل لحظة ان تستعيد التاريخ. ان رئيس الحكومة مثل قنفذ مذعور ينفش شوكه ويعرضه ردا على كل تحرش حقيقي أو وهمي يثير ذكرى الصدمة الشعورية.

هكذا يبني رئيس الوزراء المغتصب لنفسه عالما خاصا به. في عالمه المغلق المتوهم حيث كل غريب هو تهديد وجودي، تتغير القوانين لتمكينه هو ورعاياه من ان يعيشوا في سلام مع ضمائرهم. وفي هذا العالم لسنا محتلين بل ضحايا عدوان مستمر دائم. والعالم كله عدو عظيم القوة في حين أننا ضحية دائمة حتى حينما يضاعف جيشنا قوته مرتين أو ثلاثا. وكل الطاقة والموارد التي نحن قادرون على تجنيدها تُبذل لمنع الاغتصاب القادم وتُبذل في المستقبل المهدِّد لا في الحاضر غير المُرضي.

إذهب للعلاج يا سيدي رئيس الوزراء مع كل الاحترام لصفتك وعملك. حتى قبل ان تُنتخب مرة اخرى اذا أمكن. وحاول ان تبني ثقة بالمعالِج سواء أكان وزيرة الخارجية الامريكية أو رئيسة حكومة المانيا أو كل انسان آخر برهن بحسب وجهة نظرك على تصور معقول للواقع. وبعد ان تتعلم الثقة بالمعالِج دعه يبسط أمامك أجزاء بازل التاريخ الذي ترفض رؤيته واسمح له بأن يساعدك على تمييز قطع الواقع من خارج عالمك المغلق. واستمع لأصوات اخرى ودعها تصور لك اختيارات اخرى للمستقبل.

هل تعلم انه توجد بلاد لا تشعر فيها حكومات بحاجة الى تخويف المواطنين حتى حينما تكون التحديات التي تواجهها أصعب من ان تُحتمل؟ هل فكرت مرة في الاحتمال الذي يصعب تصوره وهو ان اليهود ليسوا منتجبي الخليقة؟ وهل خطر ببالك ان العدو ليس بالضرورة اسود كله؟ وهل فكرت في احتمال ان تكون نوايا أعدائنا مشتملة على الالوان الرمادية؟ وأنهم ليسوا جميعا يريدون اغتصابنا؟ ونوايانا التي تهتم بأن تُبينها بأعمالك في المناطق أليست تصد حراك التغيير الذي يستطيع ان يعيدنا الى وجود سوّي بين عائلة الشعوب؟.