بقلم: ناحوم برنياع
(المضمون: هناك اسباب على الارض كثيرة تحث الفلسطينيين على انتفاضة ثالثة منها تأثير عملية "عمود السحاب" وعمليات اليهود المتطرفين الارهابية الموجهة على الفلسطينيين في المناطق - المصدر).
بدأت الانتفاضة الاولى في النصف الاول من كانون الاول 1987. وهي بخلاف ما ثبت في وعي الاسرائيليين لم تبدأ بحادثة شاحنة ساذجة في جباليا بل بسلسلة أحداث أكثرها – لا كلها – ظاهر. كان الوضع الاقتصادي في المناطق جيدا نسبيا بفضل العمل في اسرائيل. وكان التقدير السائد في الأذرع الامنية انه "لا توجد طاقات" في الجانب الفلسطيني لانفجار عنيف في نطاق واسع، وفجأة ظهرت الطاقات من العدم.
مرت 25 سنة بالضبط منذ ذلك الحين وتغيرت اشياء كثيرة وبقيت عدة اشياء كما كانت. فتقع في الضفة أحداث كل يوم. والتقدير الذي يسيطر على "الشباك" و"أمان" انه "لا توجد طاقات" لانفجار عنيف في نطاق واسع. وقد أُثيرت في مباحثات في الايام الاخيرة في القيادة العليا للجيش الاسرائيلي تقديرات مختلفة ايضا أكثر تشددا. فهناك ضباط يعدون في خوف الايام حتى الانتخابات في اسرائيل. وجهاز اتخاذ القرارات في الحكومة في شلل. ووزير الدفاع يعيد المعدات. ورئيس الوزراء ووزير الخارجية يستخدمان خطابتهما لمنافسة هوجاء مذعورة في اصوات اليمين. ان نتنياهو وليبرمان قاما بانتخاباتهما الاول على نحو ضمني والثاني على نحو معلن: وقد اختارا الوضع الراهن من بين مسيرة سياسية وتأبيد الوضع الراهن؛ واختارا من بين حل الدولتين ومحابس الفصل العنصري، المحابس، واختارا حماس من بين أبو مازن وحماس.
في أجزاء الضفة التي تخضع لسلطة اسرائيل تلقى دوريات الجيش الاسرائيلي كل يوم كمائن فلسطينيين. والفلسطينيون يرجمونهم بالحجارة ويرمونهم بالشُعل ويصورون بالفيديو ويتقهقر الجنود. وهذا ما كان ايضا في الاسابيع التي سبقت الانتفاضة الاولى. وقد دعا طائفة من الساسة من اليمين منهم ليبرمان الجنود هذا الاسبوع الى اطلاق النار من اجل القتل. فالدم والانتخابات كالحمص والرغيف يسيران على نحو جيد معا. وهاجم الساسة أوامر اطلاق النار فقد رأوا أنها منضبطة كثيرا. ولم يخطر ببالهم ان قوات الجيش الاسرائيلي في الضفة تخضع في عملها لأمرين عسكريين متناقضين وهما ان ما يجوز فعله بفلسطيني يرمي جنديا بحجر لا يجوز فعله بيهودي يرمي جنديا بحجر. وكلما تشددوا بالوسائل زاد احتمال ان يقتل جندي يهوديا خطأ. وأين سيكون الساسة حينما يتلون عليه صلاة الجنازة.
الوحيدون الذين لم يتمردوا
قام التنسيق الأمني بين "الشباك" والجيش الاسرائيلي والاجهزة الفلسطينية على ثلاث أرجل وهي: الأفق السياسي والصيانة الدائمة وغريزة البقاء عند مؤيدي فتح وقد قُطعت رجلان اثنتان فلا يوجد أفق ولا صيانة فأصبح التنسيق الآن يقف على رجل واحدة.
نقل قادة الاجهزة منذ وقت غير بعيد رسالة الى قوات أمننا تقول إننا نفهم انه لا احتمال لتجديد المسيرة ولا سيما قبل انتخاباتكم فهل تستطيعون ان تمنحونا أفقا وهميا؟.
وأجاب الاسرائيليون بـ لا. فبعد التصويت على قبول فلسطين دولة غير عضو في الامم المتحدة عزوا أنفسهم بأن أبو مازن حصل على أفقه الوهمي ولولا التصويت في الامم المتحدة لأمكن سقوطه.
كانت اسرائيل تهتم الى ما قبل سنة بالصيانة ومن مرة لاخرى كانوا يزيلون حاجزا أو يُسرحون أسرى أو يمنحون تصاريح عمل. وقوبل كل تفضل باحتجاج صارخ من جهات يمين. وتوقفت التفضلات أو أُنزلت تحت الارض بالتدريج. فكان آخر تسهيل تم تحقيقه ازالة حواجز عند ظهر الجبل في الطرق المؤدية الى غور الاردن. كان جهاز الامن في الماضي يفخر بكل حاجز يزيله وتم الامر هذه المرة بهدوء تحت غطاء رمضان فهم لم يريدوا التعرض لانتقاد سياسي. وكان الوحيد الذي رد واحدا من رؤساء المجلس الاقليمي غور الاردن الذي احتج لأن الفلسطينيين عادوا لفلاحة حقولهم في الغور.
أعلنت حكومة اسرائيل أنها ستوقف نقل الاموال التي هي مدينة بها للسلطة الفلسطينية عقابا على التصويت في الامم المتحدة، والاموال تُحول بالفعل لكن الشعور على الارض بأن المال يُؤخر. تحدثت أول أمس الى عادل شديد من سكان دورة ومن قادة فتح في جبل الخليل فقال: "يسكن منطقتنا 700 ألف فلسطيني. يرتزق ربعهم تقريبا من السلطة. فحينما تؤخرون تحويل المال تمنعون عنا الخبز".
وللغليان على الارض اسباب اخرى سأعدها باختصار:
ان اهود باراك هو الوحيد في قمة الحكومة الذي لا ينافس في الانتخابات، وأصبح تأثيره في قرارات الحكومة أقل مما كان لكن يديه حُرتان في وزارته. كان يستطيع ان يفعل أكثر ليسبق الداء بالدواء. وهو في اثناء ذلك يراقب ما يجري من بعيد من شرفة شقته الجديدة في شارع ابن غبيرول في ركن القضاة.