خبر عملية « عمود السحاب »: الآن محاسبة النفس.. اسرائيل اليوم

الساعة 10:22 ص|14 ديسمبر 2012

بقلم: يوسي بيلين

(المضمون: العملية العسكرية "عمود السحاب" قوّت قوة اسرائيل الردعية وأسهمت في تفوقها العسكري لكن هل يعلم الجمهور الاسرائيلي انه كانت تتم قبل العملية محادثات بين اسرائيل والجعبري وأنصاره بوساطة مصرية - المصدر).

في اليوم الذي اغتيل فيه احمد الجعبري الذي كان يشرف على جيش حماس في قطاع غزة، كنت متجها في طريقي الى قاعة التلفاز للحديث عن جهود م.ت.ف الدبلوماسية لاحراز مكانة دولة مراقبة ليست عضوا في الامم المتحدة. وسمعت بالاغتيال في الطريق ولم تكن التفصيلات حتى ذلك الحين معلومة. وسُئلت في المنتدى عما جرى فقلت إنني سعيد من جهة غريزية لأن الحديث عن شخص متطرف أصاب اسرائيليين وكان ينوي ان يصيب اسرائيليين آخرين، بل انه لم يحاول ان يعرض ذلك على انه جزء من محاولة ضغط علينا للتوصل الى تسوية سياسية لأنه لم يكن مستعدا للاعتراف باسرائيل بأي شرط. وقلت آنذاك ان السؤال ماذا سيكون الرد الفلسطيني وما هو الثمن الذي سندفعه عن هذا الاحباط الدقيق.

لم يُجب عن هذا السؤال وهناك حاجة لنيل جواب صادق الى وقت طويل نسبيا. ان تعزيز الردع (إن وجد أصلا شيء كهذا) هو شيء يُقاس في مدى سنين لا في مدى اسابيع. ويمكن في المقابل ان نشير الآن الى غير قليل من نتائج الاجراءات التي تطورت على أثر اغتيال الجعبري.

أول شيء يمكن ان نشير اليه هو ان الجيش الاسرائيلي برهن على انه قادر على ان يقود عملية عسكرية جراحية دون توغل بري ودون ان يصيب عددا كبيرا من غير المشاركين في القتال. وحظي بسبب ذلك بتقدير لا يستهان به في العالم بعامة وفي العالم العربي بخاصة وسهّل هذا على اسرائيل ان تحصل على تأييد الغرب الذي هو ضروري لنا جدا.

والشيء الثاني هو ازدياد قوة القبة الحديدية التي جُربت على الارض. ان "عمود السحاب" وإن لم تكن تجربة للوسائل ترمي الى الفحص عن المنظومة كانت لها أهمية كبيرة في هذا الجانب وأعطت برهانا آخر على قدرة اسرائيل التقنية المدهشة وهي قدرة لها تأثيرات عملياتية واضحة. وأثبت التأليف بين القبة الحديدية والغرف الآمنة لحماس أو لحزب الله ان فاعلية اصابة الصواريخ لنا ليست كبيرة.

والشيء الثالث هو تعرض تل ابيب والقدس لاطلاق الصواريخ. ان الاطلاق وإن لم ينته الى اصابة أثار مرة اخرى الشعور بأن اسرائيل دولة خطيرة على السياحة والاعمال وأدى الى الغاء زيارات للبلاد وانشأ الشعور بأنه لا يوجد في اسرائيل مكان آمن حقا وقد زاد مدى الصواريخ.

والشيء الرابع هو انه لا شك في ان حماس خرجت قوية من المواجهة لا لأنها "انتصرت" فيها بل لأنها ما بقيت موجودة في مواجهتنا فانها تستطيع الفخر بذلك. ان سقوط الصواريخ حول تل ابيب والقدس مهما يكن رمزيا عزز هو ايضا صورة حماس الايجابية بين الجمهور الفلسطيني وفي الرأي العام العربي وعند الزعماء العرب.

والشيء الخامس – كانت زيارة خالد مشعل لغزة في نهاية الاسبوع الماضي برهانا على التغيير الذي حدث لمكانة حماس؛ من ذلك حقيقة ان اسرائيل مكّنت من اقامتها والكلام المتطرف الذي قيل هناك والجموع التي شاركت في الحادثة واحتفلت بنتيجة المواجهة الاخيرة.

والشيء السادس ان م.ت.ف محمود عباس ضعفت في اثناء العملية ونتاجها لأنها لم تكن عاملا ذا صلة في التوصل الى وقف اطلاق النار ولم تكن قادرة على الحديث باسم غزة. ان هذا الضعف زاد تأييد اجراء عباس الدبلوماسي الذي اتجه طالبا ان يحظى بمكانة دولة غير عضو في الامم المتحدة. وتلقت حكومة اسرائيل بسبب ذلك ضربة دبلوماسية أشد مما كانت تتلقاها من غير العملية.

والشيء السابع هو الدم الذي سُفك. وقد خسر الاقتصاد الاسرائيلي ايام عمل وتضرر الاقتصاد بصورة مؤقتة وتضررت السياحة ايضا لأمد أبعد وألغى رجال اعمال كثيرون زيارتهم للبلاد.

والشيء الثامن ان بنيامين نتنياهو خرج للعملية وهو يحظى بتأييد داخلي واسع وأنهاها بصفة القادر على ضبط النفس وتدبير اجراء كهذا في برود أعصاب. وقد مكّن هذا الامر اهود باراك الذي حظي هو ايضا بتقدير الجمهور من اعتزال الساحة السياسية في كرامة.

والشيء التاسع هو ان التقدير الكبير لانجازات القبة الحديدية أعاد عمير بيرتس الى وعي الجمهور وأسهم في نجاحه في الانتخابات التمهيدية في حزب العمل وجعله ذخرا سياسيا.

والشيء العاشر هو ان الشأن السياسي الامني عاد الى برنامج العمل على نحو قوي. وفي ذلك بالطبع ما يضر بمن لا يعرض بدائل عملية عن الوضع الراهن.

لكن النقطة الأكثر اشكالية هي نقطة البدء. يتبين اذا استثنينا الفرح الغريزي لأن واحدا من كبار كارهينا لم يعد موجودا معنا، ان اغتياله قد تم في ذروة تفاوض غير رسمي معه ومع أنصاره تمهيدا لهدنة. كان الدكتور غرشون باسكين الذي أدى دورا مهما في التفاوض في الافراج عن جلعاد شليط مشاركا هذه المرة ايضا في تفاوض تم بمشاركة مصرية. والذين استقرت آراؤهم على الاغتيال عرفوا بهذا التفاوض ولم يولوه كما يبدو أهمية كبيرة جدا. وحينما أُتيحت لهم الفرصة الفنية لاغتياله استغلوها.

لا يعني ذلك أنني لا استطيع تفهم الامر، فأنا أتذكر حالات غير قليلة عرضت فيها لقواتنا فرصة القضاء على "هدف" حينما لم تكن الظروف السياسية أو غيرها تناسب ذلك. والمعضلة التي تواجه متخذ القرارات غير سهلة. يُبين جهاز الامن ان الحديث عن فرصة نادرة وعن اصابة قليلة جدا لأبرياء، أما متخذ القرارات فيعلم أكثر من مرة ما لا يعلمه الجهاز وهو يرفض احيانا برغم انه لا يفهم لماذا يمنعه من تحقيق فرصة ناجحة جدا.

لما كان هدف العملية المعلن احداث ردع ومنع حماس من اطلاق قذائف صاروخية وصواريخ على اسرائيل فمن المحتمل جدا ان هذا الهدف كان سيُحرز بثمن أقل كثيرا، من جميع الجهات لو أن التفاوض مع الجعبري قد مُنح فرصة. وقد يكون التأييد الواسع الذي حظيت به الحكومة في اثناء العملية قد نبع في الأساس من عدم العلم بوجود تحادث كهذا وجديته.