خبر الشهيد عصام براهمة..خرج من وسط النار بعد 9 ساعات ليلهب قلوب الصهاينة

الساعة 10:13 ص|11 ديسمبر 2012

جنين (خاص)

من جنين يتدفق الفخار شلالاً .. على ترابها الطاهر جبلت دماء الشهداء .. مع نسيمها العليل تعبق رائحة الشهادة .. يشق أمواج العزة فيها فارس شجاع .. يمتطي صهوة الكبرياء .. يشهر سيف الجهاد الإسلامي البتار ..  يزأر معلناً نفير الثأر ..  يزرع الموت في دروب الصهاينة .. فارس متمرد يفيض بالعطاء .. يتوشح بالبطولة .. ويخفق طالباً الشهادة وليس غير الشهادة.

النشأة

في بلدة عنزة  قضاء جنين ولد الشهيد المجاهد عصام براهمة بتاريخ 5/5/1963م لأسرة لها من الأبناء ستة هو الثاني بينهم.

كان عصام ومنذ طفولته ورعاً تقياً خلوقاً ومحباً للناس .. نبيلاً معطاء شجاعاً. أكمل دراسته في البلدة حتى أنهى المرحلة الإعدادية بتفوق ثم انتقل قرية سيلة الظهر ليكمل مشواره التعليمي ويحصل على درجة متميزة في الثانوية العامة. ليبدأ نشاطه السياسي في المرحلة الثانوية.

كانت الجرأة والقوة سمة مميزة لعصام، برز دوره في تنظيم الإضرابات والاعتصامات وتقدم المظاهرات والمسيرات هاتفاً لفلسطين معشوقته الأولى والأخيرة. اعتقل لأيام قلائل على خلفية تنظيمه المظاهرات المدرسية ثم لم يلبث أن أفرج عنه لصغر سنه.

انخرط عصام في صفوف حركة فتح، وتدرب على إطلاق النار فكان ماهراً لا يخطئ هدفاً .. دقيقاً هادئاً جريئاً .. ثم تحول إلى مرتبة أعلى في المقاومة فأخذ ينظم من يقع عليه اختياره من الشبان وينقل لهم خبرته الفذة في دقة التصويب ليكوّن أول خلية مسلحة ضاربة في ذلك الوقت أي في العام 1984 ويكون أول شاب من عنزا ينخرط في العمل العسكري ضد الاحتلال.

التحق بكلية المجتمع العصرية في رام الله لدراسة هندسة الديكور، ويمر عامان على تكوين الخلية ومشاركة عصام بعدة ضربات ضد درويات جيش الاحتلال على تخوم بلدته ومحيطها وصولاً إلى مدن الضفة الغربية المجاورة .حتى اعتقل في العام 1986 وأصدرت المحكمة العسكرية ضده حكما بالسجن لمدة أربع سنوات.

تحول البوصلة إلى الجهاد

في سجنه التقى عصام بقيادات حركة الجهاد الإسلامي ومنهم الشيخ المجاهد ماجد شريم وارتوى من فكر الحركة، ودرس منهج المقاومة فيه، وأعلن انتماءه لها، وبعد انقضاء مدة محكوميته خرج مفعماً بالمقاومة مصراً على الجهاد متلهفاً للشهادة.

كانت الانتفاضة الأولى قد انطلقت وتسارعت وتيرتها وهو خلف القضبان وما أن خرج منه حتى أصر على ترك بصمة مميزة للجهاد الإسلامي تدمغ جباه الصهاينة.

حياته الشخصية لم تتغير فها هو يسوق قطيع الأغنام للرعي في القرية ثم يعود إلى جامعة القدس المفتوحة ليداوم فيها بعد تعذر وصوله إلى كليته تحسباً لاعتقاله ثم يزور خطيبته وفي الليل يتوارى عصام عن الأنظار ليزرع عبوة هنا أو يتمترس في كمين هناك، وبسرية تامة يكون عصام مجموعات أطلق عليها "مجموعات عشاق الشهادة" تنفذ عمليات مؤلمة ضد دوريات الصهاينة.

المطاردة

بعد اعتقال عدد من أفراد مجموعات عشاق الشهادة وإخضاعهم لتعذيب وحشي انكشف أمر القائد المجاهد عصام براهمة. فبدأت المخابرات الصهيونية بمراقبته وتتبع أخباره عبر عملائها، وبتاريخ 5/7/1992م داهمت قوات الاحتلال منزله لاعتقاله لكنها فشلت في ذلك.

ومنذ ذلك التاريخ أصبح عصام مطاردا وبات هدفا مرتقبا لسلطات الاحتلال وعملائها. كان التكتيك المرسوم لعصام هو محاولة بائسة لإيقاف الهجمات البطولية التي يشنها في فترات متقاربة ومحاصرته وتحويل مساره من الهجوم إلى الدفاع لينشغل بالاختفاء عوضا عن التخطيط والتنفيذ في الهجمات البطولية ضدهم.

عاش عصام مطاردا في الكهوف .. يفترش الأرض ويلتحف السماء حتى ألف حياة المطاردة رغم قسوتها. كان يفضل هذا الشتات على الاعتقال أو الوقوع كصيد سهل في أيدي الصهاينة الذي ترددوا على منزله مرارا وتكرارا، ولطالما حاول أهله ومن يحيطون به إثناءه عن طريق المطاردة وتسليم نفسه فكان الرفض القاطع هو رده الوحيد.

ظل صوت عصام وما يزال صداه يردد بإصرار:" لقد اخترت درب الجهاد والاستشهاد لا آبه لأي شيء لا مال ولا بنون ولا دنيا إلا الجهاد في سبيل الله".

الليلة الأطول في عنزا

يوم الخميس 10/12/1992م، ليس كأي يوم شتاء قارس في عنزا.. فقد زار عصام الأهل والأصدقاء وتناول وجبته الأخيرة في الدنيا وعند الغروب توجه للمسجد ليؤم بالناس بالصلاة. بعدها تقدم شاب من عصام وهمس في أذنه ببضع عبارات تحرك على إثرها ليتقي احد المسلحين في بيت مكشوف في وسط البلدة.

ولم تكد قدمه تطأ البيت حتى حاصرته قوة خاصة إسرائيلية كانت قد تسللت للبلدة متخفيةً بزي مدني داخل سيارة محملة بالكراسي وتنك الزيت.

وفجأة اقتحمت قوات معززة بلدة عنزا وأخذت السيارات العسكرية تتدفق إليها بأعداد كبيرة ترافقها سيارات الإسعاف وعدد كبير من سيارات الضباط بالإضافة إلى طائرتين مروحيتين حطت في السهل القريب من البلدة، وفي هذه الأثناء بدأت مكبرات الصوت تطالب أهل المنزل بإخلائه فورا كما تطالب عصام بالخروج رافعا يديه للأعلى ووجهه للخلف مؤكدين له بأسلوب ساخر أنه لا مجال للمقاومة.

وما أن أكمل أهل المنزل الخروج منه حتى جاء رد عصام على هذا النداء الشيطاني اللعين عنيفا وواضحا ومدويا أصيب على إثرها عدد من الجنود .كانت ملحمة بطولية طرفها الأول فارس الجهاد الإسلامي عصام براهمة بكل ما يحمله من قوة وبطولة وجرأة وإصرار على الشهادة وكان طرفها الثاني قوة صهيونية بعدتها وعتادها وآلياتها ومروحياتها، ولكن شتان بين الفريقين.

لم يستطع جيش الاحتلال اعتقال عصام أو حتى إجباره على التوقف عن إلهاب جموعهم بالنيران . فلجأوا إلى طريقة شيطانية همجية وهي إحراق المنزل!! . ذلك المنزل المحتوى على 45 تنكة زيت وبرميل من البنزين التهب كقطعة من الجحيم في مشهد لم تعاينه عيون سكان البلدة . كان الدخان الأسود يتلوى كثعبان ويحول التنفس إلى عملية معقدة . حتى تحول البيت إلى أطلال وبنشوة المنتصر تقدم قائد الوحدة وجمع من جنوده للبحث عن بقايا جثة عصام المفترض أن تكون متفحمة ودون سابق إنذار فتح عصام الذي ظهر من قلب الجحيم النار على الجنود فأصاب عدداً منهم لتسمع البلدة صراخهم وبكاءهم وعواءهم كالكلاب.

ويصاب عصام بوابل من النيران ولكنه يبقى على قيد الحياة. مرت فترة من الصمت تقدمت فيها قوة أخرى تتقدمها الكلاب البوليسية التي انقضت بشراسة على ما كان يعتقد أنها جثة عصام ولكن صراخ صاحبها أيقظ عصام الذي ينزف بغزارة  فألهب صاحبها الذي لم يكن إلا القائد ساسان مردخي بنيران مسدسه وأفرغه في جسده بنيرانه وأرداه قتيلا قبل أن يرتقي إلى العلا شهيدا مرابطا صابرا مقبلا غير مدبرا رحمه الله.

قرابة الساعة الثالثة والنصف من الفجر انتهت "الليلة الأطول في عنزا" كما وصفها كاتب إسرائيلي يدعى داني ياتوم في مقال نشرته صحف العدو عن ملحمة بطولية نادرة لم ير من شاركوا فيها أهوالها في أبشع كوابيسهم بعد تسع ساعات متواصلة من المقاومة الباسلة.