خبر فلسطين ليست دولة بعد- هآرتس

الساعة 09:29 ص|11 ديسمبر 2012

 

بقلم: ألن بيكر

المستشار القانوني لوزارة الخارجية

مدير معهد الدبلوماسية العامة في المعهد المقدسي للشؤون العامة والسياسية

مع انتهاء الاحتفالات عقب القرار لفرع مستوى مكانة السلطة الفلسطينية، تعود الامم المتحدة الى حياتها الاعتيادية. وفي ترقب لتغيير ثوري عقب القرار، يتوقع المحللون دعاوى في محكمة الجنايات الدولية ضد زعماء وضد ضباط اسرائيليين، ترقبا لقبول المحكمة "فلسطين" كدولة يحق لها، مثل  دول اخرى، رفع الدعاوى.

يبدو أن هذا هو الوقت لوضع الامور في نصابها والتصدي للحقيقة السياسية والمبسطة، دون أوهام وآمال عابثة.

أولا، قرار رفع المستوى لم يقم دولة فلسطينية. ليس للامم المتحدة صلاحية اقامة دول. القرار ببساطة رفع مستوى مكانة الوفد الفلسطيني المراقب الى مكانة دولة غير عضو لاغراض داخلية في اوساط هيئات الامم المتحدة. ولا يمكن لقرارات الجمعية العمومية للامم المتحدة أن تملي قانونا دوليا وهي لا تلزم الدول بقبول قراراتها. فهي ليست أكثر من توصيات غير ملزمة، تعبر عن المواقف السياسية للدول التي صوتت الى جانبها.

قرار رفع المستوى هو توصية اخرى من الامم المتحدة في موضوع الشرق الاوسط، سيضاف الى قرارات عديدة اتخذت على مدى السنين ولم تؤثر عمليا على الوضع على الارض. الوضع على الارض لا يتأثر الا بالمفاوضات المباشرة وبالاتفاق المتبادل.

ثانيا، الفلسطينيون غير جاهزين لاقامة دولة. فالمعايير الدولية لاقامة دولة تتضمن ضمن أمور اخرى ارض موحدة، قدرة حكم مسؤولة واستعداد لتنفيذ التزامات دولية. وتقضي وثيقة الامم المتحدة بان الدولة التي تتطلع الى العضوية ملزمة بان تكون "محبة للسلام" ومستعدة لتنفيذ ما في الوثيقة من التزامات.

عندما تسيطر على غزة حماس وايران، والضفة الغربية تحت سيطرة فتح، وكلتاهما تقاتلان الواحدة الاخرى، وعندما تطلق منظمات الارهاب في غزة الصواريخ بلا تمييز نحو مدن اسرائيل، يبدو أنه لا يمكن لاي مراقب، حتى ولا المؤيد الاكثر تفاؤلا للفلسطينيين ان يوافق على الادعاء بانهم جاهزون لان يعيشوا كدولة. فلا يزال الطريق طويلا الى أن يستوفوا هذه المطالب.

ثالثا، لا يوجد أي اساس لاصطلاح "اراض فلسطينية محتلة"، المنتشر في مئات قرارات الامم المتحدة وفي أوساط الاسرة الدولية. فلم يتقرر في اي اتفاق او وثيقة قانونية بان مناطق غزة والضفة الغربية (يهودا والسامرة) هي بسيادة فلسطينية او تعود للفلسطينيين. قرارا مجلس الامن 242 (في 1967) و 338 (في 1973) طالبا بحل النزاع بطريق المفاوضات. ولاحقا اتفقت الاطراف على أن مصير المناطق لا يحسم الا بالمفاوضات بينها.

للطرفين مطالب بالارض. الفلسطينيون يستندون الى حق تقرير المصير، قرار التقسيم (في 1947) وسنوات من الوجود في المكان. اما الاسرائيليون فيستندون الى حق الشعب الاصيل في المنطقة وسلسلة من الوثائق الدولية التي تثبت حقهم في وطن قومي.

رغم هذه المطالب، فقد تعهد الطرفان في اتفاقات اوسلو، بادارة مفاوضات بينهما على مصير المنطقة. تعبير "اراضي فلسطينية محتلة" في قرارات الامم المتحدة ليست الا قولا سياسيا تعسفيا وغير مسنود، دون مرجعية قانونية. هذه القرارات لم تحدد ولن تحدد مصير المناطق، قبل أن يحسم الامر في المفاوضات بين الطرفين. المكانة القانونية التي سادت بقوة اتفاقات اوسلو ستتواصل بعد رفع المستوى ايضا. الادعاء الفلسطيني الجديد وكأن اسرائيل تحولت بين ليلة وضحاها الى "محتلة لارض فلسطينية سيادية" عديمة كل أساس.

رابعا، التهديد بالمبادرة الى دعاوى ضد اسرائيليين في محكمة الجنايات الدولية مشكوك فيه قانونيا وسياسيا. فهدف مركزي في الكفاح الفلسطيني لرفع المستوى في الامم المتحدة هو التقدم بدعاوى ضد اسرائيليين في محكمة الجنايات الدولية. بل ان هناك من مضى بعيدا وفصل جرائم الحرب التي بسببها يمكن تقديم اسرائيليين الى المحاكمة (مثلا في مقال "مواجهة محتملة في لاهاي" بقلم ايال غروس في "هآرتس" 2/12).

 امكانية كهذه موضع شك لعدة اسباب: محكمة الجنايات الدولية لا تعود الى الامم المتحدة وهي ملزمة بالعمل حسب قراراتها. وهي محددة في اتفاق مع الامم المتحدة بصفتها "مؤسسة قانونية مستقلة ودائمة" ويسمح دستورها بممارسة الصلاحيات من الدول فقط. في العام 2009 طلبت السلطة الفلسطينية من المحكمة بسط صلاحياتها على "ارض فلسطين" ايضا، ولكن المدعي العام امتنع عن القول ان السلطة هي "دولة" ونقل المسألة الى الامين العام للامم المتحدة والى الجمعية العمومية.

ان مكانة الفلسطينيين بعد قرار رفع المستوى لا تختلف إذن عن تلك التي كانت قبل القرار. فهم لا يزالون ليسوا دولة. وعليه فمشكوك أن يتمكن قول جديد للامين العام ومحافل الامم المتحدة، منطقيا وقانونيا، أن يكون خلاف ذلك.

اضافة الى ذلك، كمؤسسة قانونية مستقلة، تتطلع المحكمة للعمل دون تحيز. ومحاولة فلسطينية لاساءة استغلالها وادخال التسييس ضد اسرائيل من شأنها ان تلحق ضررا بمصداقية ومكانة المحكمة.

ان خلق أمل عابث في أوساط سكان المناطق، وان كان لخدمة مصالح القيادة الفلسطينية وأبو مازن شخصيا، سيؤدي الى احباط وخيبة أمل حين يتبين بان أمرا لم يتغير أو لن يتغير. فالعودة الى المفاوضات وحدها بحسن نية وبأجواء عديمة المرارة، ستحدث التغيير والسلام اللذين يتطلع اليهما الجميع.