خبر المصالحة.. خطوةٌ إلى الأمام وأخرى إلى الوراء..هاني المصري

الساعة 07:51 ص|11 ديسمبر 2012


هل أصبحت المصالحةُ ممكنةً بعد انتصار المقاومة، والحصول على الدولة المراقبة، وبعد الزيارة التاريخيّة لمشعل إلى قطاع غزة؟
هذا السؤال طرح نفسه في ظل الأجواء الإيجابيّة التي انتشرت بعد الوحدة الميدانيّة التي تجسدت في مواجهة العداون الإسرائيلي، وتأييد التحرك الفلسطيني في الأمم المتحدة. وانتشرت موجة التفاؤل بعد مقابلة خالد مشعل مع «السي إن إن» وما طرحه من مواقف معتدلة؛ جعلت العديد من قادة «فتح» يعتبرون أن هناك إمكانيّة لأول مرة للاتفاق على برنامج سياسي مشترك يسد النقص الفادح في اتفاقات المصالحة.
وتواصلت الأجواء الإيجابيّة إلى حد الغزل المتبادل بين «فتح» و«حماس»، كما ظهر في الزيارات الاجتماعيّة لأخت الرئيس الراحل ياسر عرفات في غزة، وأخت هنيّة في نابلس، وفي إطلاق سراح معتقلين، ودعوة ممثلين عن الاتجاه الإسلامي إلى حضور اجتماع القيادة الفلسطينيّة الأخير في رام الله، إلى السماح بحريّة النشاط السياسي ومشاركة «فتح» في مهرجان انطلاقة «حماس»، والسماح بإحياء ذكرى انطلاقة «فتح» في غزة.
إن الأجواء الإيجابيّة لم تحجب الواقع الذي يظهر في أن الخلافات والعراقيل كبيرة وتهدد الفرصة التي تلوح في الأفق لإنجاز المصالحة، ويعززها أن الحكومة الإسرائيليّة تستهدف الجميع من دون استثناء، ولا تفرق بين «فتح» و«حماس»، بين معتدل ومتطرف، بين «أبو مازن» ومشعل، اللذيْن يمارس أحدهما «الإرهاب السياسي» والآخر «الإرهاب العسكري».
بعد موجة التفاؤل أطل الواقع وأدى إلى تأجيل عقد اجتماع الإطار القيادي المؤقت الذي تمت الدعوة إلى عقده أواخر الشهر الماضي، وتراجع الحديث عنه في ظل التصريحات المتباينة التي تؤكد جميعها على الوحدة، ولكن ضمن رؤى مختلفة. فـ«فتح» تركز على ضرورة تنفيذ ما تم الاتفاق عليه سابقا في اتفاق القاهرة و«إعلان الدوحة»، وتركز على ضرورة استئناف لجنة الانتخابات لعملها على أساس أن الانتخابات تسبق وهي مفتاح المصالحة. أما «حماس» فهي تعطي الأولويّة لتشكيل الحكومة وتحقيق المصالحة وتوفير أجواء مناسبة لإجراء الانتخابات، وأصبحت تعرّج مؤخرًا بصورة متزايدة على ضرورة الاتفاق على برنامج سياسي يجسد القواسم المشتركة وإعادة بناء منظمة التحرير، وهذا يقدم مقاربة أخرى للمصالحة؛ يقتضي الأخذ بها تغيير المسار المعتمد حتى الآن.
وجاء خطاب مشعل - أثناء زيارته التاريخيّة إلى قطاع غزة - محيّرًا، فهو طرح موقفاً متشددًا عَرَضَ فيه ثوابت «حماس» وخطها التقليدي المعروف، وبصورة مختلفة عمّا جاء في مقابلته مع «السي إن إن» الذي أبدى فيها استعدادًا للاعتراف بإسرائيل من خلال قوله: «إن هذا الأمر تبت به الدولة الفلسطينيّة بعد قيامها»، و«ليس أمرًا مرفوضًا في كل الأحوال والأزمان» كما جاء في خطابه في مهرجان انطلاقة «حماس».
اعتبر المراقبون خطاب مشعل طبيعيًّا، لأنه يناسب «حماس» في غزة، ونوعًا من الدعاية الانتخابيّة، وسط تزايد المؤشرات على أنه عاد ليكون الأوفر حظًا للفوز مرة أخرى برئاسة المكتب السياسي لـ«حماس». فبعد أن أعلن مشعل منذ عام بأنه لن يترشح مجددًا وتوارى عن الأنظار طوال أشهر طويلة، عاد إلى الواجهة من خلال قيادته لمفاوضات التوصل إلى التهدئة أثناء الحرب الأخيرة على غزة، وزيارته التاريخيّة إلى قطاع غزة، وخطابه الوطني الذي يبدو فيه ليس زعيمًا لـ«حماس» فحسب، بل يستعد لقيادة الشعب الفلسطيني، فهو يحظى بدعم عربي وإقليمي، وإسرائيل والولايات المتحدة تراهنان على أنه يمكن أن يواصل مسيرة «حماس» للابتعاد عن دمشق وطهران والمقاومة، والانضمام إلى محور الاعتدال الذي يدفع المنطقة إلى تحالف، أميركي غربي إسرائيلي إسلامي سني، في مواجهة ما يروجون له بأنه المد الإيراني والشيعي في المنطقة.
ليس من المحتّم نجاح الرهان الأميركي الإسرائيلي، لكن على «حماس» أن تفكر جيدًا في خطواتها القادمة، ومغزى صرف النظر عن زيارة مشعل إلى غزة، والمطالبة الإسرائيليّة المتزايدة بإزالة «حماس» من قائمة المنظمات الإرهابيّة، وإزالة هدف إسقاط «حماس» وسلطتها، ورفض زيارة شلّح ونائبه تحت طائلة التهديد باغتيالهما، وما يعنيه ذلك من انهيار التهدئة.
ما جعل زيارة مشعل ممكنة إلى غزة ليس الضوء الأخضر الإسرائيلي فقط، وإنما الانتصار العسكري والمتغيرات العربيّة، التي لا يجب المبالغة بها أيضًا، بدليل أنها مجرد زيارة مؤقتة. هناك فرص يجب انتهازها ومعارك يجب خوضها والاستعداد لها، وهناك مخاطر يجب التصدي لها، وأفخاخ ينبغي الحذر من الوقوع فيها.
لقد أكد مشعل في خطابه في غزة على أهميّة المصالحة، وما تعنيه من وحدة النظام السياسي، وعلى أهميّة الانتخابات، ولكنة شدد على أهميّة الاتفاق على برنامج سياسي يقوم على المقاومة، وإذا أضفنا إلى ما سبق أن انتخابات «حماس» لم تستكمل حتى الآن، و«حماس» لن تكون قادرة على إنجاز المصالحة قبل استكمال انتخاباتها،
وأن الراعي المصري مشغول هذه الأيام بصورة تمنعه من استغلال الفرصة السانحة حاليًا لتحريك المصالحة، بالرغم من أنه الآن في مسيس الحاجة إليها، ويتخذ موقفًا متوازنًا يساعد على تحقيقها، على الرغم من تحالفه مع «حماس».
ومطلوب التحرك لإنجاز المصالحة فورًا قبل فقدان قوة الدفع التي لن تستمر طويلا، خصوصًا أن جماعات الانقسام هنا وهناك تغذيه، إضافة إلى عوامل وأطراف عديدة على رأسها إسرائيل، التي ستعمل كل ما في وسعها على منع تحقيق المصالحة.
في هذا السياق ليس من المستبعد أن نشهد محاولات حثيثة تستهدف إبقاء القيادة الفلسطينيّة في دائرة الانتظار لنجاح المحاولات الرامية إلى استئناف المفاوضات بعد الانتخابات الإسرائيليّة، على أساس ترويج خدعة جديدة عن أن إدارة أوباما في فترة رئاسته الثانية ستمارس الضغط على حكومة نتنياهو القادمة، وتصفي حسابها الطويل معها.
لا بديل عن المصالحة، ولكنها لن تتحقق من دون مغادرة مربع الرهان على إمكانيّة نجاح المفاوضات في ظل ميزان القوى المختل لصالح إسرائيل، ومن دون الكف عن الرهان المبالغ فيه على الربيع العربي الذي سيؤدي - إذا لم يخض الفلسطينيون معاركهم الخاصة، بما فيها معركة فرض دولتهم على الأرض من دون انتظار المفاوضات. فالدول تقام ومن ثم تتفاوض، ولا تولد بالمفاوضات - إلى تهميش القضيّة انتظارًا لنهوض المارد الإسلامي، وتبرير استمرار حالة من التهدئة والتعايش مع الاحتلال حتى يقضي الله أمرًا كان مفعولاً.
إن المصالحة الحقيقيّة تتطلب الكف عن البحث عن محاصصة فصائليّة ثنائيّة أو جماعيّة. فالمصالحة التي لا تستند إلى رؤية إستراتيجيّة جديدة قادرة على مواجهة التحديات والمخاطر القائمة والمحتملة، وانتهاز الفرص والوعود المتاحة بعيدًا عن الأوهام والمراهنات الخاسرة محكوم عليها بالفشل، سواء من خلال بقاء الانقسام على حاله، مع بعض المسكنات ما بين فترة وأخرى، التي تهدف إلى امتصاص الغضب الشعبي من الانقسام والأطراف التي تغذيه، أو من خلال تطبيق أعرج وانتقائي لاتفاقات المصالحة، بحيث تبقى معرضة للانهيار أمام أي اختبار.
المصالحة الحقيقيّة ممكنة إذا تم النظر إليها والتعامل معها في سياق العمل لإنقاذ القضيّة الفلسطينيّة، من خلال إحياء المشروع الوطني، وإعادة تشكيل المنظمة على أسس وطنيّة وديموقراطيّة، وشراكة سياسيّة، وبصورة يتم فيها استيعاب الدروس والعبر السابقة وأخذ المستجدات والتطورات والتغييرات القائمة والمحتملة بالحسبان.