خبر بفضل الانشقاق -هآرتس

الساعة 10:45 ص|10 ديسمبر 2012

بفضل الانشقاق -هآرتس

بقلم: ألوف بن

        (المضمون: يُمتحن الساسة على العموم بحسب افعالهم لا بحسب انتمائهم الحزبي وعلى ذلك فليس هناك ما يمنع انتقال الساسة من حزب الى آخر - المصدر).

        انتُخب ونستون تشرتشل أول مرة لمجلس النواب البريطاني في سنة 1900 ممثلا للمحافظين. وبعد ذلك بأربع سنوات "قطع القاعة" الى صفوف الليبراليين وتولى من قبلهم الوزارة في عدة حكومات وبعد ان خسر ثلاث مرات متوالية في الانتخابات عاد الى حزب المحافظين في 1924. "لم يكن تشرتشل رجل حزب"، كتب كاتب سيرته الذاتية بول جونسون. "كان ولاؤه لمصالح الدولة ومصالحه". وقد قال السير ونستون هو نفسه هازلا: "يستطيع كل واحد ان يخون ويُحتاج الى موهبة حقيقية لكي تكرر الخيانة".

        لو كان تشرتشل يعيش في اسرائيل اليوم لسموه "منشقا" و"خاسرا" وأسمعوه مرة بعد اخرى تصريحاته التي قالها بالأمس برهانا على كونه انتهازيا يلاحق الكراسي وليس له قدرة على الصمود. ولكان المحللون السياسيون يصفون تعوجه بأفضل ما لديهم من تشبيهات، لكن من حسن حظ بريطانيا ان تشرتشل كان منيعا في وجه هذا النقد وهكذا حظي البريطانيون برئيس الوزراء الأجل في نظرهم "الشخص الذي أسهم للانسانية أكثر من كل زعيم آخر في القرن العشرين"، كما يقول جونسون، الذي يُقرأ كتابه باعتباره انحناء تشريف لزعيم لم يستسلم لأدولف هتلر.

        ان عمير بيرتس مثل تشرتشل كاد يفقد حياته السياسية بسبب مسؤوليته الوزارية عن فشل عسكري. أما تشرتشل فباعتباره كان وزير البحرية في الحرب العالمية الاولى وأما بيرتس فباعتباره كان وزير الدفاع في حرب لبنان الثانية. وقد رُكل كلاهما من منصبه لكن "بقيا على العجلة"، كما قال اريئيل شارون واستمرا في النضال وانتظرا نوبتهما. وتنقل بيرتس مثل تشرتشل ايضا بين عدة احزاب بحسب راحته السياسية ووجد نفسه الآن في حزب "الحركة" لتسيبي لفني. مر عليه في نهاية الاسبوع كالمتوقع كثير من الاهانة في حلقات التلفاز وتلقى بصقات علنية في الصحف.

        هذه التنديدات سخيفة. لأنه لا توجد أية أهمية للولاء الحزبي الذي يقدسه منتقدو بيرتس، فالحزب هو في الحاصل منظومة سياسية ترمي الى ترتيب انتخاب المرشحين لولاية سلطات الحكم القطرية والمحلية. ويجوز تبديلها كما يجوز التنقل بين شركات الاتصالات والمصارف. ولا يكون هذا دائما لذيذا بل يجب احيانا انتظار عدد من ايام الاعمال أو دفع غرامة خروج لكن لا يوجد سبب لتكبيل سياسي بقيود لحزب لا يريده.

        ان تاريخ جميع الاحزاب في اسرائيل هو سلسلة انشقاقات ووحدات بدأت في الفترة العثمانية. هكذا كانت الحال في اليسار وفي اليمين وفي المركز وفي الاحزاب المتدينة والعربية. وتنقل أكثر الساسة الاسرائيليين في اثناء حياتهم المهنية بين عدد من الأطر السياسية ولم يمنع ذلك انشاء الدولة وتطويرها ونماءها ولم يضر بالنظام الديمقراطي أو بنوعية القيادة. فالذي كان ملائما لدافيد بن غوريون وشمعون بيرس وشولاميت ألوني ويوسي سريد وشارون واهود اولمرت جيد ايضا للفني وبيرتس وعمرام متسناع الذين هم قادة "الحركة".

        ليس الحديث عن اشخاص مفاجئين بل عن ساسة قدماء سجلاتهم معروفة لناخبيهم ويعلم كل واحد ما الذي يمثلونه. ماذا يعني ان يكون الثلاثة قد خسروا في الانتخابات التمهيدية وتركوا احزابهم السابقة؟ هل توجب الخسارة عليهم ان يعتزلوا الى بيوتهم؟ انهم ينصبون أنفسهم لتنتخبهم قائمة اخرى ويدعون الحكم للجمهور. بل انه لا يوجد هنا هجران عقائدي: فبيرتس لم ينتقل من حزب العمل الى الليكود أو الى البيت اليهودي بل الى حزب ذي برنامج حزبي مشابه وجمهور ناخبين يشبه حزبه القديم. تغيرت الورقة فقط لا الشخص ولا مواقفه. ويتقبل الجمهور هذا الانتقال بتفهم ويصوت في استطلاعات الرأي مؤيدا لفني ومعارضا شاؤول موفاز الذي هزمها في الانتخابات التمهيدية وبقي في كديما.

        كان زعماء اسرائيل الكبار – بن غوريون ومناحيم بيغن واسحق رابين وشارون – كانوا عظاما في الأساس لأنهم لم تُخفهم الهزائم والانشقاق والغضب والاهانات. فقد مسحوا البصاق عن وجوههم بعد كل سقوط وبقوا في السياسة الى ان حان أجلهم. وسيُمتحن ساسة اليوم ايضا آخر الامر بحسب افعالهم لا بحسب انتمائهم الحزبي، مثل ونستون تشرتشل بالضبط.