خبر عندما تهتز الأرض.. معاريف

الساعة 10:59 ص|07 ديسمبر 2012

بقلم: عمير ربابورت

(المضمون: من الشمال يوشك الاسد على الانهيار. من الشرق تضعف الجهات المعتدلة، أبو مازن وعبدالله. من الجنوب يضطر مرسي الى مواجهة الجموع الغاضبة والجوع. اسرائيل فقد حلفاءها الاقليميين والولايات المتحدة ايضا لا تسارع الى التدخل. ولكن هنا ينشغلون في سيناريوهات قديمة وفي الاساس في سياسة التعيينات - المصدر).

كان هذا اسبوعا جسد الميزة المركزية للشرق الاوسط في 2012: عدم الاستقرار. ولكن في الوقت الذي تنشغل فيه الساحة السياسية عندنا في الانتخابات، فان مكتب وزير الدفاع ايهود باراك ينحل، وقيادة الجيش الاسرائيلي توجد على شفا الانفجار بسبب اعتبارات شخصية.

في مثل هذه الاجواء لا غرو أن القليل جدا من الاشخاص في جهاز الامن ينشغلون في مسألة هل يرد الجيش الاسرائيلي كما ينبغي على التطورات الدراماتيكية الاقليمية أم أنه يواصل بناء قوته وفقا لسيناريوهات تصبح اقل فأقل ذات صلة. هل الجيش أسير المفهوم المغلوط الجديد؟

الاسد ينهار

وضع الرئيس السوري بشار الاسد الميؤوس منه كفيل بان يكون مشجعا من ناحية اسرائيل. فقد كان هذا هو الاسبوع الذي فقد فيه الرئيس بشكل عملي السيطرة على بلاده. فقد تبقت للاسد امكانيتان: إما الفرار (الاسد فحص خيار اللجوء الى روسيا، دبي او فنزويلا)، أو التمترس في جيب لطائفته العلوية، ليدير من هناك حربا أهلية يمكن أن تستمر بضع سنوات اخرى، ولكن نهايتها (ونهايته) واضحة. في هذه الاثناء يواصل القتال.

من ناحية عسكرية، وقعت في الايام الاخيرة عدة أحداث تدل على انهيار بشار الاسد. فالجيش السوري، أي القسم الذي لا يزال مواليا للرئيس (وبالاساس ذاك الذي يستند الى القيادة العلوية)، فقد معسكرات ووسائل قتالية قرب حلب ودمشق، والاخطر من ذلك – السيطرة على الطرق المؤدي الى المطار العسكري قرب دمشق والمطار الدولي للمدينة. وأدى هذا التطور الى الوقف التام للرحلات الجوية من والى سوريا.

ميل تعاظم قوات المعارضة ("الجيش السوري الحر") واضح، وليس صدفة أن الثوار يحظون بتموين سخي من السلاح. ولشدة المفارقة من ناحية الاسد، فان معظم السلاح يصل الى الثوار عبر لبنان، على ما يبدو من مخازن الجيش المتفكك في ليبيا، بتمويل قطري وسعودي. وللغرب ايضا مصلحة واضحة في تسليح الثوار. فالرئيس السوري يدفع الان ثمن سنوات من تسليح حزب الله، ولعضويته في المحور الايراني.

ولكن الدراما الاكثر أهمية لهذا الاسبوع كانت في مسألة السلاح الكيماوي. يبدو أنه يوجد ما هو حقيقي في المنشورات في الايام الاخيرة في وسائل الاعلام العالمية بان الجيش السوري الموالي للاسد شوهد وهو يعد مخزونات السلاح الكيماوي لاستخدام محتمل ضد الثوار. وبالمقابل، النشر بان اسرائيل نسقت مع الاردن هجوما على مخزونات السلاح الكيماوي لسوريا، عبر أراضيه، هو هراء. لو كانت اسرائيل تريد أن تقرر الهجوم فهي لا حاجة بها الى التنسيق مع الاردن في أي شيء. فلديها حدود مشتركة طويلة بما يكفي مع سوريا، يمكنها من خلالها ان تبعث بطائرات سلاح الجو.

ماذا نعم؟ للامريكيين توجد قوات في الاردن بقيت بعد مناورة اقليمية كبيرة. وفي اثناء الاشهر الاخيرة كانت اسرائيل شريكة في نقل رسائل الى قيادة النظام السوري، بموجبها يعتبر سقوط مخزونات السلاح الكيماوي في أياد غير مسؤولة (بالترجمة الحرة: نصرالله) هو خط أحمر.

يبدو أن الرسائل التي نقلها الغرب مؤخرا في القنوات الدبلوماسية القليلة التي لا تزال مفتوحة مع دمشق المقصوفة، وهي تترافق وحرب نفسية صاخبة، قامت بالعمل. مخازن السلاح الكيماوي اغلقت حاليا. وحتى لو طاب للاسد او لرجاله ان يبيدوا بعضا من أبناء شعبهم بواسطة السلاح الكيماوي، فان نزعة البقاء الفوري لديهم أقوى.

والان بات ممكنا القول انه في المناطق الاقرب الينا، بمحاذاة الحدود في هضبة الجولان، فقد بشار الاسد السيطرة منذ قبل نحو اسبوعين، في تلك المعارك التي ترافقت والنار الطائشة نحو اسرائيل، والتي استجيبت بقصف الجيش الاسرائيلي لاهداف داخل الاراضي السورية. وترافقت المعارك قبل اسبوعين بهجوم على معسكرات الجيش السوري ادى الى فرار قسم من القوات وقتل العشرات من الموالين للاسد. وفي الاسبوع الاخير ساد الهدوء في المنطقة. الجيش الاسرائيلي جاهز لاستيعاب لاجئين من الطرف الاسرائيلي لجدار الحدود في هضبة الجولان، في حالة عودة الجيش السوري الى الجبهة لتهريب السكان المحليين.

وفي هذه الاثناء تتراكم المؤشرات على أن كل الاطراف باتت تتعامل مع بشار الاسد بصفته حصانا منتهيا: الروس يواصلون اخلاء رجالهم من قواعدهم في سوريا، بما في ذلك القاعدة البحرية الوحيدة لهم في البحر المتوسط، في اللاذقية؛ الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، ورئيس تركيا، رجب طيب اردوغان، يديران محادثات على مستقبل سوريا؛ وحتى الزعيم الاسلامي اللبناني، سعد الحريري، الذي لا يزال يرتعد خوفا من تصفية ابيه بتكليف من الرئيس في العقد الماضي، يتجرأ على فتح فمه ضد بشار والوقوف ضده في تصريحات حماسية. لقد انتقلت الحرب الاهلية في سوريا مؤخرا الى منطقة طرابلس في شمالي لبنان ايضا، حيث تجري معارك بين مؤيدي بشار الاسد ومعارضيه.

من لم ييأس هم الايرانيون الذين يواصلون نقل السلاح والوقود لبشار الاسد. قسم كبير من التموين يصل في رحلات جوية تمر فوق اراضي العراق الحر. الرئيس العراقي، المالكي، يسمح بهذه الرحلات الجوية، ولكنه أمر مؤخرا باعتراض بعض هذه الرحلات، ولكن فقط في طريق عودتها من سوريا الى ايران. وكانت الطائرات بالطبع فارغة.

عبدالله ومحمود

لا يمكن لاحد في الشرق الاوسط ان يحسد بشار الاسد، ولكن وضع الزعماء الاخرين ليس لامعا ايضا. بنيامين نتنياهو يمكنه أن يرى نفسه محظوظا إذ لم يعاني الا من كتف باردة من انجيلا ميركيل في اثناء زيارته في المانيا، ومن ضغوط رافقت تشكيل قائمة الليكود بيتنا للانتخابات.

اثنان من المكتئبين التقيا في نهاية الاسبوع في رام الله: ملك الاردن عبدالله ورئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس (ابو مازن). عبدالله يتصدى لمشاكل عديدة في الداخل اساسها اقتصادي. وبقيت المساعدات التي يحصل عليها من الامريكيين مستقرة، ولكن الدعم السنوي من دول الخليج هبط في العام 2012 من 1.4 مليار دولار الى 45 مليون فقط. ويمكن للمشاكل الاقتصادية أن تؤدي الى "ربيع اردني" والذي هو بتعبير آخر، نهاية طريق عبدالله.

كما يتصدى عبدالله ايضا لمشكلة 120 الف لاجيء سوري في أراضيه ولوقف توريد الغاز من مصر. ولكن اذا كان كل هذا لا يكفيه، فلديه على رأسه ايضا استياء وجهاء العشائر البدوية الذين يعززون جيشه ويتعاملون مع الملكة رانية بانها "سارة اردنية" – اي يتهمونها بانها هي التي تمسك بالخيوط حقا في المملكة وتفضل بشكل واضح ابناء شعبها الفلسطينيين على البدو. وحاول عبدالله ارضاء زعماء البدو مؤخرا بعدة مكرمات بما في ذلك رفع الرواتب في القيادة العسكرية.

المشترك بين عبدالله وابو مازن هو الاحساس بانهما فقدا ما تبقى من مكانتهما الاقليمية. فحملة "عمود السحاب" انتهت بمفاوضات اسرائيل مع حماس، دون أن تأبه مصر بهما. الرئيس السجين مبارك، بالمقابل، كان درج على اشراك ابو مازن في كل خطوة، وشكل سندا اقليميا هاما لعبدالله.

رغم احساس الاردن وفتح بان اسرائيل مضت بعيدا جدا نحو حماس، فان التنسيق الامني بين اسرائيل والسلطة الفلسطينية والاردن محفوظ. وكما كتب هنا الاسبوع الماضي، فقد قرر ابو مازن ان يشجع مؤخرا "احتجاجا شعبيا" وتكثر المؤشرات على عودة موجة ارهاب في يهودا والسامرة، موجة ستكون معتدلة ولكن طويلة. وهذا الاسبوع وجد الميل تعبيره في عملية هجوم مخرب مع بلطة على سيارة عسكرية في السامرة فاطلق النار عليه رجل من المخابرات الاسرائيلية وأرداه قتيلا.

مرسي في مشاكل

وماذا في مصر؟ الرئيس المصري ايضا، رجل الاخوان المسلمين، محمود مرسي، في مشاكل عويصة في أعقاب محاولته فرض دستور، في ظل استغلال نجاحه الدبلوماسي في حملة "عمود السحاب" – النجاح الذي هناك من يقول انه نفخ رأسه.

ظاهرا، مسألة الدستور هي السب للهجوم الجماهيري على قصر الرئيس من جانب العلمانيين والليبراليين الذين كانوا المحرك الحقيقي للثورة. أما عمليا، فان احباط الجماهير ينبع أولا وقبل كل شيء من أن القرآن الاسلامي لم يجلب بعد تحسينا للوضع الاقتصادي، ولم يجد السبيل لاطعام 88 مليون فم في مصر.

ومع نهاية الاسبوع بدا وكأن مرسي سيضطر الى ايجاد سبيل لارضاء الجماهير والتخلي عن الصلاحيات العليا التي أخذها لنفسه، بشكل مؤقت على الاقل. من الزاوية الاسرائيلية مهم ايضا الاشارة الى أنه في الوقت الذي تشتعل فيه القاهرة، استمرت هذا الاسبوع ايضا المداولات على تفاصيل التفاهمات بين اسرائيل وحماس في أعقاب حملة "عمود السحاب". هذه المداولات عديمة الجدوى، وذلك لانه من اللحظة التي هدأت فيها النار في اسرائيل وفي غزة، فقد الطرفان الدافع الاساس ليهما للتنازل عن مطالبهما. وسيبقى الوضع الراهن حتى الجولة التالية. هذا الوضع الراهن ليس سيئا من ناحية اسرائيل، حاليا على الاقل. اداء حماس في فرض النظام على طول الجدار ومنع الاعمال المعادية من "المنظمات العاقة" تفوق توقعات قيادة المنطقة الجنوبية.

المفهوم المغلوط 2

الدراما الاقليمية تواصل التجسيد، لشدة القلق، لانعدام الرغبة أو انعدام القدرة لدى الولايات المتحدة لفرض اراداتها في المنطقة، مثلما كانت ذات مرة، وحقيقة أننا فقدنا، بحكم الامر الواقع، حلفاءنا الاقليميين. ما نشر عن استئناف الاتصالات لتنسيق البث بين اسرائيل وتركيا في اعقاب أحداث مرمرة هو صحيح، ولكن احتمالات ايجاد صيغة حل وسط متدنية. فاردوغان يواصل الاصرار على اعتذار اسرائيلي، تعويض عائلات القتلى وازالة الحصار عن قطاع غزة تماما. اما اسرائيل بالمقابل، فتواصل الموافقة فقط على "الاعراب عن الاسف" ونقل أموال تعويضات لصندوق انساني دون أخذ المسؤولية عن الكارثة في قلب البحر في ايار 2010.

لو كان الجيش الاسرائيلي جيشا مثقفا، لكان العديد من قادته قلقين ليل نهار من آثار التغييرات الاقليمية على الشكل الذي يبني فيه الجيش قوته على المدى البعيد. ولكن الجيش الاسرائيلي بمفاهيم كثيرة، هو جيش مناهض للثقافة. في الامور الجارية، معظم رجاله منشغلون بارضاء القادة بحيث يترفعوا في الرتب باسرع وقت ممكن. قلة فقط تقلقهم مسائل استراتيجية ويكلفون أنفسهم عناء قراءة المواد ذات الصلة بعمق.

كما أن حقيقة أن الجيش الاسرائيلي يتصرف على مدى ولاية رئيس الاركان، الفريق بيني غانتس، دون خطة متعددة السنين لا تقلق حقا أحدا تقريبا. لقد أعد غانتس في عهد ولايته خطتين متعددة السنين ولكنهما لم تقرا ولم تمولا ابدا. عمليا لم يجتز الجيش الاسرائيلي تغييرا استراتيجيا في السنوات الاخيرة رغم التغيرات الاقليمية الهائلة. ولاسباب تتعلق بالميزانية تبقى القوة تبنى وفقا لسيناريوهات ثابتة لا يضمن أحد أن يكون الواقع اكثر خطورة منها. فاذا ما وقعت لا سمح الله مصيبة ظهر فيها أن قوة الجيش ليست كافية، فاننا يمكن أن نسمي هذا الامر في نظرة الى الوراء بانه "المفهوم المغلوط 2". هذه المسؤولية للقيادة السياسية على المفهوم لا تقل عن مسؤولية القيادة العسكرية بل وربما أكثر.

بالمناسبة، فان بعضا من نقاط الخلل الفكرية والبنيوية في الجيش الاسرائيلي تجسدت في الاشهر الاخيرة في مناورة القيادات الكبرى لهيئة الاركان وفي المناورة مع الجيش الامريكي. ولاسباب مفهومة لا يمكن أن نفصل نقاط الخلل هنا. يمكن فقط القول انه كجزء من الدروس تبنى لرئيس الاركان غرفة جديدة داخل "البئر" في وزارة الدفاع. طوبى لغانتس.