خبر كتب د. أيوب عثمان : وماذا بعد؟ إن كان نصراً، فللنصر تبعات ..

الساعة 10:09 ص|05 ديسمبر 2012

بقلم: الدكتور/ أيوب عثمان

                                                      كاتب وأكاديمي فلسطيني

                                                         جامعة الأزهر بغزة

 

في قاعة مؤتمرات جامعة الأزهر بغزة، نظم الاتجاه الإسلامي في قطاع العاملين بالجامعة، يوم أمس الاثنين 3/12/2012، ندوة حول انتصار غزة كان لي شرف المشاركة فيها، متحدثاً من خلال جمهور الحاضرين، حيث حددت مداخلتي في بموضوع واحد وصفته بأنه الأهم على الإطلاق من بين كل المواضيع المطروحة التي تبلغ أهميتها مبلغاً كبيراً. ماذا بعد الحرب العدوانية الأخيرة ذات الأيام الثمانية ضد قطاع غزة؟! ما المطلوب منا، شعباً ومقاومة؟! ما المطلوب من المقاومة ومن حماس تحديداً؟! فعلى الرغم من كل ما قيل وما يقال وما سيقال وما لم يقل بعد، أيضاً، إلا أن الأهم على الإطلاق، كما أرى، هو: "ماذا بعد؟! وعليه، فإنني أرى أن النقاط التالية يبلغ إدراكها والتنبه لها مبلغاً كبيراً على مستوى الشعب والمقاومة وفي صدارتها حماس:

 

1)  ألا تصاب حماس بالمرض العربي القاتل الذي اسمه في علم النفس Euphoria وهو مرض الانتشاء بالظفر فتركن إلى حائط القعود والخمول مكتفية بانتشاء مرضي بما تقوله هي عن نفسها في وسائل إعلامها، وبما يقوله الشعب عنها، وبما يقوله أعداؤنا عنها، وبما يقوله إعلام المحبين وغيرهم عنها، فكل ذلك لا يجدي عند المنازلة فتيلا، وكل ذلك لا يصنع مجدا، ذلك أن الذي يصنع المجد هو الاستمرار في العمل والإنجاز والتدبير والتفكير والبناء بصمت، ولنعلم جميعنا، ولتعلم حماس قبلنا وبعدنا أن المعركة القادمة هي الأشرس وأن دولة الاحتلال عاكفة الآن على تدبير ما هو أقسى وأقوم أثراً وأشد مرارة وإيلاما...

2)  ألا تؤخذ المقاومة – وحماس تحديداً – بنشوى الظفر فتتصور إسرائيل على غير حقيقتها، ذلك أنه ينبغي لنا أن نعلم يقيناً أن إسرائيل تملكك ما لا نملك وما لا يملك العرب والمسلمون المتفرقون المبعثرون وإن مدنا هذا بغذاء وذاك بشربة ماء وثالث بدواء ورابع بشيء من كساء. وارتباطا بهذه النقطة أقول: على أننا نشكر لأولئك جميعاً غذاءهم وماءهم ودواءهم وكساءهم، إلا أننا – وحماس في صدارتنا – لا ينبغي لنا أن نظل غارقين في عزف منفرد لا ينقطع على سيمفونية الشكر والشكر والشكر فقط لأولئك، لاسيما مصر وقطر وتونس وغيرها. لقد أتوا إلينا بالعواطف والمساعدات الإنسانية مؤيدين، فألف ألف شكر لهم، غير أن علينا – وعلى حماس تحديداً – أن نفهم أن دولة الاحتلال تراقب ذلك كي تصل إلى نتيجة مؤداها أنه إذا كانت نجدة العرب ومصر في مقدمتها لشعبنا في غزة لا تتجاوز حد زيارة رئيس وزراء مصر، وزيارات أخرى ترى ما تراه في غزة وتبكي لبكاء غزة ثم يقفلون عائدين، فأنعم بهذه الزيارات وبهذه البكائيات! هكذا تقول إسرائيل. لقد رأينا هشام  قنديل، رئيس وزراء زعيمة العرب مصر، وهو يحمل بيديه هو ورئيس الوزراء، هنية، ذلك الطفل الذي كان قد أتى للتو شهيداً! ولكن، إذا كان ذلك كذلك ثم يعود رئيس الوزراء إلى مصر وكفى الله المؤمنين القتال، فلا بأس، كما تقول دولة الاحتلال، ولتستمر هذه الزيارات ولتستمر هذه القوافل! إن على حماس اليوم أن تتحدث بقوة عما يجب فعله دون أدنى خوف أو خجل أو وجل من أخت العرب وزعيمتهم الشقيقة الكبرى مصر... لتعلم مصر أنها ليست بما رأيناه حتى اليوم، لكن مصر هي بما ينبغي لها أن ترينا إياه.

3)   إن على المقاومة وأولها حماس أن تعرف كيف توجه الإعلام حول عربية المعركة وإسلاميتها وإنسانيتها، حيث كثير من الندوات على الفضائيات يجب أن تنظم على مستوى يومي. وطالما أننا في المحور الإعلامي، فإنني أطالب حماس – تحديداً – أن تجري ترشيداً واعياً واعداً لإعلامها ليبتعد عن الإسراف في امتداح الذات على نحو يظهر الآخرين وكأنهم زخارف، حتى وإن كانوا هم في الحقيقة كذلك، وآية ذلك أن الأفعال تتحدث بصوت أعلى من الأقوال وقبل الأقوال لأن من يملك قوة الفعل ينبغي له أن يحجم عن القول، ذلك أن ما لديه من فعل دفع حناجر الآخرين إلى القول، الأمر الذي يعفيه من مسؤولية القول: الفاعل يفعل والناس تقول.

4)   التركيز على ثقافة "ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة". إنها ثقافة المقاومة التي عمودها وركيزتها وهدفها وغايتها هو إحياء الأمة واستعادة وعيها وثقتها بذاتها وبإمكانياتها. وعليه، فإنني أطالب المقاومة – وحماس تحديداً – أن تبذل جهداً يومياً على مدار الساعة والدقيقة لإبعاد صورة المفاوض لتحل محلها صورة المقاوم، دون تقييد لمفاوض يقاوم أو مقاوم يفاوض، ودون أن ننسى أو نتناسى أن المفاوض الذي استمر عشرين عاماً وهو يفاوض ويفاوض ويفاوض ثم يفاوض لم ينتج إلا اليأس والخيبة والفشل، ودون أن ننسى المقاوم الذي صمد وصبر وفكر ودبر لأربع سنوات بين حربين ضاريتيين على غزة الصغيرة المحاصرة الفقيرة فأنتج الأمل والتطلع بعد أن جعلت صواريخه ثلاثة ملايين إسرائيلي مغتصب يهرعون إلى مخابئهم. يتجلى الفرق هنا بين مفاوضة ظلت عبثية طوال عقدين من الزمان ومقاومة أوصلت صواريخها إلى عمق المحتل على بعد 85 كيلومتراً. إنها صواريخ أثبت الميدان أنها ليست عبثية!!! إنها صواريخ أثبتت صحة مقولة جدي وجدك، أبي وأبيك، أمي وأمك، أنه بقدر ما تصل رصاصتك المقاومة بقدر ما تستطيع أن تفرض شروطك في المفاوضة. وهنا لا بد لي – وإياكم – أن نترحم على القائد الفتحاوي المفكر، هاني الحسن، ونحن نتذكر قوله: "العمل العسكري يزرع والعمل السياسي يحصد"، الأمر الذي يدفعني إلى أن أطالب حماس بأن تعمم – بعقل وحكمة ورشاد وموضوعية – ثقافة مفادها التمييز بين نوعين من أصحاب التسوية: نوع ضعيف مستسلم مستكين تنبغي مقاومته ونوع قوي مؤمن وموضوعي ودبلوماسي ومرن يشكل رافعة للمقاومة، بل إنه خادم لأهدافها وتابع لها حتى وإن كان يوجهها أو يؤخذ برأيه في توجيهها.

5)  الذهاب إلى المصالحة بقوة وبسرعة على قاعدة الثوابت الوطنية، واستناداً إلى وثيقة الوفاق الوطني، وذلك استجابة للمزاج الفلسطيني في الشارع الغزي والشارع الضفاوي والشارع الفلسطيني في الشتات العربي والخارجي. هذا، وإن هناك مبرراً ودافعاً قوياً للإسراع في المصالحة بغية الإسراع في التوجه نحو محكمة الجنايات الدولية.

6)  أن تعيد المقاومة – وحماس والجهاد في الصدارة – النظر في ذلك التصرف غير السوي: فبعد أن عقدت فصائل المقاومة مؤتمراُ صحفياً موحداً أعلنت فيه عن تشكيل غرفة عمليات موحدة، انفرط العقد فصار كل يعقد مؤتمراً صحفياً خاصاً ببطولاته، حتى أن حماس والجهاد، أصحاب نصيب الأسد في المقاومة، خرج كل منهما بمؤتمر صحفي خاص يحكي عن بطولاته، وهذا يجعلني أقول بحسرة عميقة: متى أرى راية فلسطين ولا أرى غيرها من الرايات؟! وإن كان البعض يرى – لسبب عنده لا أفهمه – أن هذا غير ممكن، فمتى أرى راية فلسطين هي الراية المائزة بين كل الرايات وفوق كل الرايات؟! ولو افترضنا أن شعبنا كله قد صار عن بكرة أبيه حمساوياً أو فتحاوياً، فهل هذا يعني أن تنتشر راية حماس أو راية فتح ليختفي علم فلسطين؟! ليس هذا من الوطنية في شيء؟!

7)  على حماس – دون غيرها – أن تفكر ملياً في حالة ونقيضها: منتقدون لحماس وكارهون لها انقلبوا – بعد انتصار غزة – على رأيهم الناقد والمهاجم والكاره، الأمر الذي ينبغي له أن يدفع حماس لتسأل نفسها: لماذا كان أولئك الناس منتقدين لها وكارهين ثم لماذا تغيروا. إن أرادت حماس أن تنطلق إلى الأمام، فإن عليها أن تعطي من كانوا ينتقدونها ويهاجمونها الحق والمبرر، وعليها أيضاً أن تعطيهم الحق والمبرر في تغيير وجهة نظرهم. لقد كانوا في نقدهم محقين ثم صاروا في تأييدهم محقين أيضاً. إذاً، على حماس أن تستقر الآن على أسباب التأييد فيما تبتعد عما كان عند الناس من مسوغات النقد والهجوم.

8)  وللنأي بالنفس عن الكبر والتيه والغطرسة، لابد من التسليم بأنه لا مقاومة بلا حاضنة شعبية، الأمر الذي يوصلنا إلى حقيقة مفادها أنه لولا احتضان الشعب على اختلاف انتماءاته للمقاومة، لما كان هناك نصر ولما كانت في الأصل مقاومة، وآية ذلك أن الشعب لو ارتعد خوفاً فولى الأدبار هارباً، فإن العدو سينفرد بالمقاومة وينهال بحممه عليها حيث لا حاضنة له ولا مدافع عنه ولا حام لكره وفره. أما شعبنا فلم يثبت فقط، وإنما احتضن المقاومة أيضاً، فحرسها وحماها ولفعها بدعائه إلى الله أن يحفظها ويرعاها ويسدد رميها. إذاً، فالنصر للشعب الذي احتضن المقاومة ولم يغادرها فانتصر لها ونصرها.

9)  أن يعرف جميعنا كيف نقرأ تساؤل صحيفة معاريف – على سبيل المثال لا الحصر – عن إمكانية تغير العلاقات الفلسطينية الداخلية. إن على المقاومة – وحماس تحديداً – أن تعرف كيف تجيب عن هذا السؤال عملياً وفي الميدان بحيث يتمكن شعبنا كله من استثمار نتائج الحرب العدوانية علينا لتعزيز التطرف ضد الاحتلال، الأمر الذي يعيدنا إلى الحاضنة الشعبية التي على حماس أن تحسن الاهتمام بها وتعمل على توسيعها وتمتين قاعدتها.

10) أن نؤمن جميعنا – وحماس في صدارتنا – بحق الاختلاف لتأمين عدم الاشتباك مع من ينكر انتصار الشعب ومقاومته، ذلك أنه مهما بذل من جهد لإقناع من لا يريد أن يقتنع، فإنه لن يقتنع لا لشيء إلا لأنه مبرمج على عدم الاقتناع، الأمر الذي يؤكد على الحكمة من ضرورة تركه وشأنه، ذلك أنه وإن كان مقتنعاً في داخله، إلا أنه ربما يرى من الضعف أن يبوح بما في داخله معترفاً بانتصار الشعب ومقاومته.

11) أن تدرس الأوضاع التي مررنا بها فنقيِّم ونقوِّم ما كان لننتهي إلى أن ما تحقق من نصر ما كان إلا نتيجة لمقدمة، ذلك أن النصر لا يتأتى من فراغ، كما أن الهزيمة لا تسقط على الناس من عدم، الأمر الذي ينبغي له أن يحرضنا على معرفة عوامل النصر وأسباب الهزيمة، بغية الوقوف عليها لأخذ العظات والعبر منها، مصداقاً لأمره تعالى: "واعتبروا يا أولي الألباب".

12) أن نبذل من الجهد كثيراً لا ينقطع بغية زيادة تفعيل العوامل العربية والإسلامية والإقليمية والدولية لتعزيز المقاومة وتشكيل ضغط سياسي وشعبي ونفسي على دولة الاحتلال.

13) أن نتحلى بالثقة في النفس وروح الاستمرارفي زجرها وتوجيهها وإصلاحها، وألا نؤخذ بعبارات الإرجاف وإحباط المعنويات وتثبيط العزائم فننحرف عن الجادة إلى غيرها مما هو مسيء أو تافه أو مستشنع ومستبشع أو ما لا لزوم له.

14) أن نسلم جميعنا ومقاومتنا – وحماس في الصدارة منا – على النحو العملي والميداني والقلبي والضميري والديني، أن النصر كله من عند الله سبحانه، ذلك أنه لولا فضل الله لما كان لنا ما كان، مصداقاً لقوله سبحانه: "وما النصر إلا من عند الله"، وقوله: "وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى"، وقوله: "وما بكم من نعمة فمن الله". وعليه، فلنكن أكثر تواضعاً فلا نؤخذ  بالكبر والتيه والغطرسة والعجرفة، ذلك أن التواضع واجب علينا لأنه من مقتضيات الشكر لله على نعمته، وهو ما فعله رسولنا الكريم حينما دخل مكة فاتحاً حيث دخلها متواضعاً لا متكبراً أو مختالاً، فقد قرأنا في كتب السيرة أنه دخل مكة على دابته خافضاً رأسه إجلالاً وتعظيماً لله الذي أنعم بالنصر، وهو الشيء ذاته الذي فعله عمر بن الخطاب حين فتح بيت المقدس ليتسلم مفاتيحها من قساوستها، حيث دخلها بثيابه المرقعة سائراً إلى جوار دابته التي كانت حاملة إياه ورفيقه له في السفر. لم يدخل بيت المقدس متكبراً مختالاً متغطرساً بل دخلها متواضعاً لله شاكراً له وحامداً.

 

أما آخر الكلام، فإذا كان ما كان نصراً، فلنع أن هذا النصر ليس آخر المشوار، بل إنه أوله. إنه لا يعني – في أي حال – القعود والراحة والاسترخاء، بل إنه يحتم علينا أن نستجيب لما له من استحقاقات وأن نلتزم بما له من تبعات وأن نفي بما لهذه التبعات من أولويات عرضنا لها أعلاه.