خبر فلسطين دولة.. بصفة مراقب .. عل عقلة عرسان

الساعة 08:58 م|01 ديسمبر 2012

 

 

ثمان وثلاثون ومئة دولة صوتت بالموافقة على رفع فلسطين إلى " دولة بصفة عضو مراقب" في الأمم المتحدة، ومن مجموع المئة والثلاث وتسعين دولة التي تشكل عدد دول الهيئة الدولية صوتت تسع دول فقط بعدم الموافقة على القرار، على رأسها الولايات المتحدة الأميركية الظل العالي للصهيونية العنصرية وراعي إرهاب الدولة الذي تمارسه، والدولة الأعظم التي لا تستطيع رؤية واقع ما في الوطن العربي بما فيه فلسطين التاريخية التي تحتلها " إسرائيل" منذ عام 1948 خارج حدود ما ترسمه وتبلّغه وتقرره الحركة الصهيونية النافذة الكلمة في بلاد العم سام..؟! وهذا عجيب في بابه من بعض الوجوه، ومستهجن وكريه من أبواب عدة، ولكنه ينسجم كلياً مع التكوين الأساس لنشوء دولتين على أساس التمييز العنصري والتطرف التلمودي والنزوع العدواني المغامر وهي عناصر كامنة في ما يسمى " الحلم" أو الأحلام الأميركية التي كلفت وما زالت تكلف العالم الكثير من الدم والمعاناة والخسائر المادية والمعنوية، أي أحلام المغامرين الأميركيين المؤسسين الذين لم يكونوا في أكثريتهم سوى خارجين على القانون بنظر المملكة المتحدة وهاربين من العدالة.

ومن أعجب المواقف المنحازة والمنافية للعدالة والمنطق، مما ظهر ولفت النظر، موقف بريطانيا العظمى من التصويت على قبول فلسطين دولة بصفة مراقب في الأمم المتحدة.. فقد أعلن وليم هيغ وزير الخارجية يوم الأربعاء 28/11/2012 أن بريطانيا ستصوت بالموافقة على طلب فلسطين إذا تعهدت بالعودة إلى المفاوضات مع إسرائيل من دون شروط – أي مع بقاء الاستيطان المستشري مستشرياً -  وعدم ملاحقة إسرائيليين في المحاكم الدولية – أي عدم رفع دعوى أمام محكمة الجنايات الدولية في لاهاي ضد أي إسرائيلي، سواء في قضية تسميم الرئيس عرفات أو في غيرها من الجرائم - ؟! وإذا كان الشرط الأول هو استمرار لدعم بريطانيا الأعمى لدولة إسرائيلية – يهودية على أرض فلسطين بكاملها، وهو ما قامت وتقوم به منذ الانتداب لإنشاء تلك الدولة وحمايتها ورعايتها..إلخ وهو معروف موصوف ويتصل بعداء مستمر للعروب ومناصرة عمياء لليهود، وتلمودية متطرفة.. فإن الشرط الثاني يعد موقفاً من العدالة والقانون، ويضع إسرائيل والإسرائيليين فوق فوق القانون، ويساعدهم على التخلص من العقوب ويحمي جرائمهم ومجرميهم من العدالة؟! وتلك مطالب ذات بع أخلاقي شائن ينبغي ألا تمر هكذا من دون فضح تام وإدانة كامل وشاملة لها، بصرف النظر عن موضوع التصويت.. وهكذا كان شأن الأميركيين والبريطانيين على الدوام، وسيبقى ما لم يضع له العالم حداً بوصفه اعتداء على العدالة ومناصرة للجريمة.

واحدة وأربعون دولة امتنعت عن التصويت لدولة فلسطين أو ضدها، وعلى هذا فقد أعلنت دولة فلسطين بما يزيد على أكثرية ثلثي الأعضاء في الأمم المتحدة، في يوم الخميس التاسع والعشرين من شهر تشرين الثاني/نوفمبر 2012 بعد مرور خمس وستين سنة على قرار التقسيم ذي الرقم 181 الصادر عن الأمم المتحدة، وهو القرار الذي أعطى للفلسطيين، أصحاب الأرض الأصليين، دولة في حدود ما نسبته 44% تقريباً من وطنهم فلسطين، وأعطى للأرهابيين الصهاينة المجلوبين من أصقاع الأرض بمعرفة عصبة الأمم، المغتصبين لفلسطين الذين رعتهم بريطانيا العظمى بصفة خاصة والغرب الاستعماري بصفة عامة، أعطى لهم القرار المذكور ما يقرب من 66% من مساحة فلسطين. ومن المعروف أن ذلك القرار الذي رفضه الفلسطينيون والعرب، وحق لهم أن يرفضوه لأنه يعطي جزءاً من وطنهم التاريخي بناء على "وعد من لا يملك، أي بلفور، إلى من لا يستحق، أي اليهود"، وهو قرار أتى في إطار معاهدة سايكس – بيكو التي قسمت سورية الطبيعية، بلاد الشام، إلى أربع دول لتتمكن من زرع جسم خبيث وكيان دخيل في قسم منها، يفصل القسم الآسيوي من الوطن العربي عن القسم الإفريقي، ويشكل قلعة متقدمة للدول الاستعمارية تضمن مصالحها فيه وهيمنتها عليه، وتحول دون وحدة الوطن العربي ونهضته وتقدمه وقدرته على تحرير فلسطين من الاحتلال الاستيطاني الصهيوني.

اليوم نحن أمام واقع سياسي جديد يتجلى فيه الانهزام والانقسام العربيان اللذين ينعكسان على قضية فلسطين وشعبها بأشكال سلبية عدة، وفي ظله يقبل الفلسطينيون والعرب، فرحين مهللين مكبرين، دولة فلسطينية في حدود 22% من المساحة الجغرافية لفلسطين التاريخية، ملغمة بالمستوطنات وبمخططات لتهويد القدس، تجعل وضعها عقدة العقد بوصفها المدينة المقدسة وعاصمة لدولة فلسطين.. ويطلب التفاوض مع المحتل من دون شروط ليقبل بما قبلت به الأمم، ويوافق على وضع لدولة فلسطين على الأرض التي يحتلها، حيث لسان حاله البائس يقول على لسان نتنياهو" لن يغير من الوضع شيئاً على الأرض."، وهو في صلفه وعنجهيته تلك يهدد ويتوعد معتمداً على الدعم غير المحدود الذي تقدمه له الولايات المتحدة الأميركية وعلى قوتها وقوة حلفائها الغربيين المساندة تاريخياً للاحتلال الصهيوني وإرهابه وممارساته العنصرية وعدوانه المتجدد على الشعب الفلسطيني ودول عربية أخرى ما زال يحتل أراض في بعضها، يشن عليها غارات في أوقات يراها مناسبة، ويهددها كلما طاب له ذلك.

إن قرار الهيئة العامة للأمم المتحدة هذا بشأن فلسطين يفرح الشعب الفلسطيني، ويسجله يوماً تاريخياً مشرقاً في مسيرة نضاله السياسي – الدبلوماسي على الخصوص، وهو يوم يغيظ أعداءه وأعداء الإنسانية الصهاينة ومن يأتمر بأوامرهم من الغربيين، ونحن مع ما يفرح شعبنا الفلسطيني العملاق في صبره وصموده ومقاومته وتضحياته وتمسكه بحقوقه، شعبنا الخارج بنصر على العدوان الصهيوني الأخير في غزة الذي كلف الكثير، ولكنه نصر للحق والشعب والمقاومة والإرادة، وكل نصر وثبات على الحق والمبدأ يكلف صاحبه تكاليف كبيرة، فضلاً عن أن هذا النصر شكَّل مدخلاً لفك حصار ظالم على غزة طال أمده وأضنى في العمق، وشارك في التمكين له بعض عرب من العرب، ما زالوا ينسقون مواقفهم وسياساتهم مع العدو الصهيوني ويرون فيه "نصيراً" لهم على بعض قومهم وبعض أخوتهم في الإسلام.؟!..

إن القرار الدولي التاريخي يمنح فلسطين صفة "دولة غير عضو بصفة مراقب"، ويمكِّن الشعب الفلسطيني الواقع تحت الاحتلال الصهيوني، من خلال دولته المعترف بها عالمياً اليوم، والمعترف بها عربياً منذ الإعلان عنها بلسان الرئيس المرحوم ياسر عرفات في مؤتمر الجزائر عام 1987، يمكِّن الشعب الفلسطيني من:

-          المشاركة بالاجتماعات العامة دون حق التصويت،

-          طلب الانضمام لبروتوكول المحكمة الجنائية الدولية والكثير من الاتفاقيات العالمية. الأمر الذي يجعله قادراً على إقامة دعاوى قضائية دولية ضد الجانب الإسرائيلي على الخصوص.

-           المطالب بقوة معززة بموقف دولي ينهي الاحتلال، لأن الدول المعترِفة بدولته لا توافق على بقاء الدولة التي اعترفت بها تحت الاحتلال.

-          الانضمام إلى هيئات الأمم المتحدة الكثيرة ومنها مجلس حقوق الإنسان، وإلى اتفاقيات جنيف وملحقاتها، لا سيما الاتفاقية الرابعة، والدخول في المواثيق الدولية المتعددة.

وهذه المكاسب السياسية سيرد عليها العدو الصهيوني وحليفه الأميركي على الخصوص بعقوبات ماليه وإدارية واقتصادية منها إلغاء بروتوكول باريس الاقتصادي مع السلطة الفلسطينية، وبمزيد من التهويد والاستيطان والتضييق والضغط السياسي والتعقيد والتهديد الضمني الذي وعدت به الإدارة الأميركية على لسان الناطقة باسم خارجيتها فكتوريا نولاند التي قالت يوم الإثنين الماضي: ".. نعتقد أنه – أي طلب العضوية - سيعقد المسألة وربما يكون خطوة إلى الوراء من حيث الهدف الأكبر وهو الحل التفاوضي." وغير ذلك مما تتفتق عنه قرائح العنصريين الصهاينة.. ولكنها بالمقابل، وعلى المدى القريب والتكتيكي، مكاسب سوف تساهم في تعزيز موقف المفاوض الفلسطيني ذي الدولة في مطالبته بانسحاب المحتل من دولته التي اعتُرِفَ له بها دولياً في حدود المحتل من الأرض الفلسطينية في حزيران/يونية عام 1967، وقد وعد الفلسطيني على لسان الرئيس محمود عباس، وهو يطلب الاعتراف بالدولة في تلك الحدود، بأنه لا يرمي إلى " نزع الشرعية عن دولة إسرائيل التي يعترف بها، ويرغب في التعايش معها"، وعبَّر الرئيس عن " التزام السلطة الفلسطينية "بحل الدولتين" الذي تعيش بموجبه إسرائيل إلى جوار دولة فلسطينية مستقلة في سلام./ رويترز/ إن هذه الخطوة التي تأتي في ظل التردي العربي الراهن تشكل "إنجازاً" للسلطة الفلسطينية بنظر فلسطينيين كثر.. ولكنها في الوقت ذاته والظروف الفلسطينية والعربية ذاتها، تشكل بنظر فلسطينيين مقاومين ومناضلين بوسائل النضال كافة، مرتبطين بالحق والأرض، تشكل قيداً للمقاومة ومصادرة ضمنية لها، فضلاً عن التنازل عن 78% من فلسطين التاريخية، وترسيخ الاعتراف بدول "إسرائيلية" عليها أمام هيئة الأمم المتحدة ووفقاً لميثاقها، الأمر الذي يشكل معطى في القانون الدولي، ومصادرة لأية مطالبة بتحرير فلسطين كلها، ومن ثم تضمر اعتراضاً مستقبلياً نوعياً على المقاومة لأن مسوغات وجودها تنتهي كلياً بعد الانسحاب من الأرض الفلسطينية المحتلة عام 1967 لأن ما يبقى من أرض فلسطين بيد العدو الصهيوني " أصبح" بالاعتراف بالدولتين حقاً له"؟! وهذا يصادر قضية جوهرية نقفز فوقها منذ عام 1964 وهي حقيقة أن نضال الشعب الفلسطيني يجب أن تبقى قضية حق تقرير مصير لشعب فوق أرض وطنه المحتل من النهر إلى البحر" وليست قضية لاجئين أو قضية مطالبين بربع الوطن أو ربع الحق أو ربع تقرير مصير وربع استقلال وحرية وسيادة على الأرض - الوطن.

 لا نريد أن نجرح الشعور بالفرحة، بل نبارك لشعبنا الفلسطيني إنجاز هذه الخطوة.. ولكن لا نريد أن تحجب عنا البهجة حقائق الواقع والمصير والنضال والأهداف التي قضى على طريق تحقيقها شهداء فلسطين والأمة العربية وشهداء من بلدان العالم الإسلامي وأحرار ناصروا قضية عادلة لشعب عظيم.

نبارك للفرحين فرحهم، ونبقى من المتشبثين بحق الشعب الفلسطيني في وطنه فلسطين كل فلسطين من النهر إلى البحر ومعهم، ونبقى نبارك جهادهم، ونذكر في الأوقات كلها، ولا سيما في هذا الوقت بالذات، ومع وقع هذا الحدث التاريخي، حدث القرار الدولي بعضوية مراقب لدولة فلسطين في الأمم المتحدة على الأرض الفلسطينية المحتلة بعد 4 حزيران 1967 الذي سيكون له ما بعده من إيجابي قصير المدى محدود الفائدة وسلبي طويل المدى عظيم الأذى.. نبقى في هذا الوقت وسواه نذكر ونذكِّر بأن فلسطين عربية لشعبها في كل ذرة من ترابها ومفصل من تاريخها الممتد من أوائل الكنعانيين والعموريين العرب وحتى أجيال وأجيال من الأطفال الذين يعبرون عن فرحهم وتباشير رجولتهم وبطولتهم بلبس الحطة والعقال.. وهي ليست بأي حال من الأحوال وطناً ودولة للصهاينة النعصريين ولا بأي شكل وتحت أي عنوان، أياً كان المسوغ أو الاجتهاد أو الفتوى أو الحل.. وأن تحرير فلسطين مسؤولية عربية قومية عامة تقع على عاتق العرب المؤمنين بأمتهم وحقوقها وكرامتها، وفي المقدمة منهم أبناء فلسطين المؤمنون بحقهم التاريخي في وطنهم فلسطين، القائلون بحق تقرير مصير تام وشامل ومشرف، والمتمسكون بحقوقهم كاملة ومنها حق العودة الذي لا يغني – إن تم – عن حق تقرير المصير بحرية على كامل التراب الفلسطيني لشعب فلسطين كله.

إن هذا الوقت بالذات هو وقت الإعلان بملء الصوت وباتساع مداه بأن المقاومة حق وواجب، وأنها يجب أن تبقى وتُدعم وتُعزَّز بوصفها الاختيار الأمثل المؤدي إلى التحرير وتقرير المصير.. وأن دولة فلسطين المنشودة تعني للمقاومين ومن ينصرهم وللفلسطينيين ومن يقف إلى جانب حقهم ونضالهم وقضيتهم العادلة، هي دولة يمليها الحق الطبيعي لشعب وليست منة من أحد عليه، وأنها لا يمكن أن تكون منقوصة السيادة على جغرافية فسطين التاريخية كلها بنسيجها السكاني الغني، فهي دولة الشعب على كامل أرضه.. وهو ما بذل الشهداء على طريقه دمهم، وما ضحى الأسرى والمعتقلون وغيرهم من أجله، وما يجب أن نحفظه لهم من أهداف ونعمل على تحقيقه.        

والله من وراء القصد