خبر مسؤولية التهدئة في غزة وحساباتها >>محمد السعيد ادريس

الساعة 12:45 م|27 نوفمبر 2012

أخيراً وبعد ثمانية أيام من العدوان الإجرامي الصهيوني على قطاع غزة، تم توقيع اتفاق التهدئة بضمانة مصرية  أمريكية، وهو الاتفاق الذي اقتصر على وقف متبادل بين الكيان وفصائل المقاومة (لم يذكر أبداً اسم المقاومة، لكن النص اقتصر على كلمتي الفصائل الفلسطينية) وفتح المعابر وتسهيل حركة الأشخاص والبضائع وعدم تقييد حركة السكان (لم ينص على كلمة أبناء الشعب الفلسطيني أو المواطنين الفلسطينيين وكأنهم مستأجرون لوطنهم)، أو استهدافهم في المناطق الحدودية بعد 24 ساعة من بدء سريان التهدئة، وزاد نص الاتفاق على بند إضافي غامض يقول “يتم تناول القضايا الأخرى إذا ما تم طلب ذلك” .

القضايا الأخرى كثيرة، لأن الاكتفاء بتهدئة تبقي أوضاع قطاع غزة على ما كانت عليه قبل العدوان معناه القضاء التدريجي على كل عوامل الصمود والبقاء خصوصاً بعد توريط مصر كضامن للتهدئة أي كضامن لصمت المقاومة إلى ما لا نهاية، وخطورة هذا الموقف تتأكد في ظل الوعي والتدبر بالحقائق الآتية:

1 ـ إن قادة الكيان الصهيوني هم من خططوا للعدوان حسب تصريحات منسوبة لوزير الحرب الصهيوني ايهود باراك الذي تحدث عن قيادة ثلاثية للعملية الجديدة التي حملت اسم “عمود السحاب” تتكون من بنيامين نتنياهو رئيس الحكومة وأيهود باراك وزير الحرب وأفيغدور ليبرمان وزير الخارجية، وقال “نحن لا نعرف التنبؤ بدقة ما هي نقطة النهاية، فهذه ليست هندسة بناء، من الواضح أننا لن ننتهي قبل أن نحقق الأهداف التي استقر رأي المجلس الوزاري المصغر عليها، وهي: تقليل صواريخ القسام، وزيادة الردع، وتحسين الواقع الأمني لسكان الجنوب”، باراك قال هذا واعترف به وزاد متباهياً: “لا مكان للتوقف الآن، إن حماس تتلقى ضربات قاسية جداً بعد أن صُفي قائدها (الشهيد أحمد الجعبري)، ودُمرت أكثر الصواريخ للمدى البعيد . إذا ركعت حماس في الغد وتوسلت لنتوقف فسيكون هناك مكان لنزن التوقف” . الكلام صريح وواضح، العدوان الإجرامي مدبر، والنوايا تجاوزت حدود الانتقام والتدمير وارتكاب جرائم حرب مؤكدة، والتباهي بالنصر وتحقيق الأهداف .

2 ـ إن من تهافت على الهدنة هي تلك “القيادة السياسية الثلاثية” التي كانت تتباهى وتضع شروطها لوقف العدوان، وإن التهافت امتد إلى كل الأصدقاء ابتداء بالإدارة الأمريكية ومروراً بحكومات أوروبية (فرنسا، بريطانيا، ألمانيا على وجه الخصوص)، والأمين العام للأمم المتحدة، وحكومات عربية للأسف أزعجها أن روح المقاومة تجاوزت حدود قطاع غزة إلى الضفة الغربية المحتلة، ومنها إلى الشعب العربي في أقطاره المتناثرة، وأن الوعي بحقيقة العدو بعد زوال الغشاوة أخذ يفرض نفسه على الكثيرين رغم كل أجهزة التضليل الإعلامية التي يصرف عليها المليارات التي لو ذهبت إلى الضفة وغزة أموالاً وسلاحاً لتغيرت معادلة توازن القوى على الأرض جذرياً .

الدور المصري كان رئيسياً في انضاج الاتفاق حرصاً على دماء وأرواح أبناء الشعب الفلسطيني، لكن يبدو أن هذا الدور كان إنقاذياً للكيان أكثر منه بالنسبة للفلسطينيين، وهذا يتكشف من مشاعر الامتنان والغبطة التي أبداها قادة “إسرائيليون” وعبرت عنها الصحافة “الإسرائيلية” .

فتحت عنوان “هكذا طورنا مرسي” كتب رؤوبين بدهتسور في صحيفة “هاآرتس” الصهيونية يقول “أصبحت “إسرائيل” متعلقة بالإرادة الخيرة لمرسي (الرئيس المصري) الذي بقي الأمل الوحيد لإحراز اتفاق وقف اطلاق النار” . أما تسفي برئيل فكتب في “هاآرتس” أيضاً عن دهشة الرئيس “الإسرائيلي” شمعون بيريز بالدور المصري لوقف الاقتتال، ما يؤكد أن وقف المعارك كان طموحاً “إسرائيلياً”، وامتد الأمر للاعتراف بفشل العدوان في تحقيق أهدافه والاعتراف بأن القوة المفرطة لا توفر أمن “إسرائيل” ولا تعزز قوة ردعها على حد اعتراف وزير الحرب “الإسرائيلي” الأسبق موشيه أرينز .

3 ـ إن الفشل الذي واجه العدوان “الإسرائيلي” على قطاع غزة مرجعه الأساس استنهاض روح المقاومة وامتلاك قدرات ردع صاروخية كانت صادمة لكل حسابات قادة الكيان .

التحول في موازين القوة الذي أمن نفسه في هذه الجولة لم يكن تمسك فصائل المقاومة بقواعد وقوانين التسوية الفاسدة، ولكن بالعودة لخيار المقاومة وامتلاك السلاح القادر على فرض توازن الردع هو  أهم الحقائق في هذه الجولة .

4 ـ إن الكيان الصهيوني لم يعد تلك القوة الجبارة التي لا تهزم ولا تقهر، فالواقع العملي يؤكد، عكس الكثير مما يروجه إعلام عربي، وما يكتبه محللون وكتاب الهزيمة الدائمة، أن هذا الكيان لم يكسب حرباً ضد العرب منذ حرب أكتوبر/تشرين الأول عام 1973 .

فقد أجبرت قوات هذا الكيان على الانسحاب من جنوب لبنان عام ،2000 وهزمت إرادتها في عدوانها على لبنان صيف ،2006 وفشلت في قهر المقاومة في غزة شتاء 2008  ،2009 وها هي اليوم تقهر مجدداً في خريف 2012 وفي غزة أيضاً .

مؤشرات العجز “الإسرائيلي” كثيرة، أولها أنهم اختاروا الحلقة الأضعف من وجهة نظرهم لشن عدوان يسهم في إنجاح تحالف نتنياهو  باراك  ليبرمان في الانتخابات المقبلة، فقد اختاروا غزة رغم أنهم يعدون العدة للحرب على إيران، ولم يختاروا لبنان لإدراكهم بتوازن الردع مع المقاومة اللبنانية .

هذه الحقائق الأربع يجب ألا تغيب أبداً عن حسابات ما بعد التهدئة خصوصاً وأن الطرف الثاني يخطط لتوظيف التهدئة إلى مصدر لأمنه على حساب الإقرار بالحقوق الفلسطينية المشروعة ومطالب أهل غزة في ضرورة كسر الحصار بكل صوره وفتح المعابر وإنهاء التعامل مع منظمات المقاومة كمنظمات إرهابية .

انهم يخططون لتوريط مصر كضامن للتهدئة وتحميلها مسؤولية تجدد أي اطلاق للصواريخ، والأهم تحميلها مسؤولية حماية الأمن “الإسرائيلي” على الحدود المصرية  “الإسرائيلية” وتحميلها مسؤولية دخول أسلحة إلى غزة وخاصة الصواريخ من خلال المطالبة بأن “تنشأ آلية دولية تضمن ألا يدخل إلى غزة وألا ينتج في غزة سلاح الصواريخ والمقذوفات الصاروخية” لكن الأخطر هو ما يدعو إليه الوزير المقرب من نتنياهو يسرائيل كاتس إلى التخلص كلية من العبء الغزاوي وإلقائه بالكامل على عاتق مصر . منذ سنوات كان حلم اسحاق رابين رئيس الحكومة “الإسرائيلية” الأسبق إلقاء غزة في البحر، الآن يطالب كاتس بتحويلها إلى مسؤولية مصرية، وهذا ما يجب الوعي به ضمن حسابات التهدئة، لكن ما يجب الإصرار عليه هو انهاء الحصار وتجديد خيار المقاومة، وكذلك المقاطعة العربية الشاملة للكيان، ثم الإعداد لمشروع سلاح جديد يقوم على التوازن ويحمي الحقوق ويفترض بداية وحدة نضالية فلسطينية كشرط أساسي للتوجه نحو كل هذه الحسابات.