خبر ليس صاحبا ولا سياسيا بل هو استراتيجي.. هآرتس

الساعة 12:25 م|27 نوفمبر 2012

بقلم: الوف بن

(المضمون: أدرك وزير الدفاع الاسرائيلي اهود باراك ضعفه السياسي واستوعبه واستنتج من ذلك الاستنتاج المطلوب فترك السياسة - المصدر).

فهم اهود باراك انه لا أمل له في ان يجتاز نسبة الحسم في الانتخابات القريبة، فاستقر رأيه بدل ان يُدير حملة انتخابية تنتهي الى تحقير معلن وديون مالية، على بت الأمر والتخلي عن المنافسة على رأس كتلة "الاستقلال". اذا أراد بنيامين نتنياهو ان يُبقيه في مكتب وزير الدفاع في الولاية القادمة ايضا فسيضطر الى ان يُعينه وزير دفاع "مختصا". واذا استغل الاثنان الزمن الباقي من ولاية الحكومة الحالية وهاجما ايران في الاشهر الثلاثة القريبة، كما أشار باراك الى ذلك باعلان وداعه – "أعدكم بأن تكون تحديات أمنية كثيرة" – فستكون هذه نهاية مُدوية لحياة سياسية عاصفة كثيرة التقلبات وضعت باراك في موقف "الشخص الذي يحب الجميع ان يكرهوه".

أثر باراك أكثر من آخرين في التفكير الاستراتيجي لاسرائيل في الجيل الأخير وكان بقدر كبير صائغه الرئيس مثل موشيه ديان في خمسينيات وستينيات القرن الماضي. وقاد الثورة التكنولوجية في الجيش الاسرائيلي وشجع التسلح بسلاح موجه دقيق وبوسائل طيران من غير طيارين تتحمل اليوم جزءا كبيرا من المهمات القتالية. وقد بادر وقاد الانسحاب من جنوب لبنان في 2000 والذي كان بعد ذلك مُلهما للانفصال عن قطاع غزة.

يعتبر اقتراحه السلمي الفاشل على ياسر عرفات في كامب ديفيد والذي تُرجم بعد ذلك الى "معايير كلينتون"، يعتبر منذ ذلك الحين هو الحل المعقول لتقاسم البلاد بين اسرائيل ودولة فلسطينية، وكان أساسا لاقامة جدار الفصل في الضفة الغربية. وأصبح تصريح باراك في نهاية القمة عن انه "لا يوجد شريك في الجانب الفلسطيني"، أصبح منذ ذلك الحين مواضعة سياسية في اسرائيل وهو شيء جعل باراك مكروها من اليسار المتقلص. ان تصور "وسائل الضغط والضغوط" عند باراك في مواجهات مع منظمات مسلحة كحزب الله وحماس والذي أساسه استعمال قوة نيران كبيرة من بعيد، تم تطبيقه لأول مرة في عملية "تصفية الحساب" (1993)، وفي الفترة الاخيرة في عملية "عمود السحاب" (2012)، ولم يقترح أحد تصورا مختلفا أو أكثر نجاحا.

ان باراك بخلاف نتنياهو الذي يتحدث الى كتب التاريخ يُقدر القوة ويفحص عن الحياة من موقع مراقبة مستثمر في السوق المالية ينظر الى الأمام ويفكر في الربح أو الخسارة المتوقعين. ان تحليلاته الطويلة للتهديد من طهران لا تذكر المحرقة أو خطب تشهير محمود احمدي نجاد بل تعرض تقديرا باردا لتأثيرات القنبلة الذرية الايرانية في توازن القوى الاقليمي.

لكن كلما نجح باراك بصفة مبادر ومخطط وصاحب أفكار فشل بصفة سياسي وصعب عليه ان يُجند تأييدا من الحكومة والكنيست. وقد فاز بأكثرية كبيرة لرئاسة الحكومة في 1999 ليُركل من منصبه بعد عشرين شهرا عاصفا فقط وهي أقصر ولاية لزعيم اسرائيلي بل انها أقصر من ولاية موشيه شريت. ولم ينجح منذ ذلك الحين في العودة الى القيادة الوطنية مثل اسحق رابين ونتنياهو اللذين حظيا بالعودة الى الحكم. وكانت خطيئته العامة الكبرى شراء الشقة الفخمة في أبراج أكيروف التي جعلته يبدو في مظهر ثري متكبر مقطوع عن الواقع. صحيح انه كان لساسة آخرين ايضا مزارع مثل اريئيل شارون أو فيلا مثل نتنياهو، لكن قصر باراك موجود في الشارع الرئيس يراه الجميع لا في النقب أو في زقاق بعيد في قيسارية.

تمتع باراك في الولاية الحالية بمنزلة صاحب سر نتنياهو والمقرب منه، وعمل مبعوثا لرئيس الوزراء لمحادثات مع الادارة الامريكية وعامل توازن في مواجهة المواقف المتطرفة والمُهيجة لوزير الخارجية افيغدور ليبرمان. وتعاون الاثنان على اعداد الجيش الاسرائيلي واعداد الرأي العام الاسرائيلي والمجتمع الدولي لحرب ايران. لكن باراك لم ينجح في اقناع رئيس الوزراء باظهار مرونة واعتدال مع الفلسطينيين أو الاعتذار لتركيا. وعلل باراك فشله بضعفه السياسي: "لا استطيع ان أُسقط الحكومة مثل ايفيت ليبرمان"، اعتاد ان يُبين للصحفيين.

استوعب باراك الآن ضعفه السياسي واستخلص منه الاستنتاج المطلوب وهو توفير وقته في المعركة الانتخابية وانه يجدر ان يستمر في حياته العادية في الكرياه – وهي مكان عمله في أكثر ايام حياته البالغة. وستُحسم مسألة مشاركته في الحكومة القادمة بحسب نتائج الانتخابات والعوامل القسرية السياسية التي ستُستعمل على نتنياهو بعدها. من الواضح فقط ان باراك يستطيع باعتباره وزيرا "مختصا" ان يؤثر أقل من تأثيره في الولاية الحالية – وستتجه سياسة الحكومة الخارجية والامنية منذ الآن الى الاتجاه اليميني والقومي المعارض لكل تنازل ومصالحة بصورة أكبر.