خبر الرجل الذي دمر اليسار من الداخل.. هآرتس

الساعة 12:25 م|27 نوفمبر 2012

بقلم: جدعون ليفي

(المضمون: تحول الأمل الكبير الى خيبة لا تقل كبرا. فقد أصبح باراك دودة فيروس تسللت الى اليسار الاسرائيلي ودمرته من الداخل، فنشر بنجاح مذهل أب كل الاكاذيب: لا شريك. واليسار، الهزيل على اي حال، لحقه ولم ينتعش حتى يومنا هذا - المصدر

ايهود باراك يضرب من جديد. قبل بضع دقائق من المؤتمر الصحفي أطلق المحللون تنبؤات مختلفة – وها هي وقعت القنبلة: اعتزال الحياة السياسية. ولكن حتى هذه القنبلة ليست قنبلة حقيقية: في اسرائيل كل اعتزال يبشر فقط ببداية العودة "الكبرى" التالية. في البوابة المستديرة للسياسة الاسرائيلية، يدخل الناس ويخرجون المرة تلو الاخرى، وكأن ليس لهؤلاء الاشخاص الرائعين اي بديل. وعندما يعودون فانهم يرتكبون ذات الاخطاء المصيرية، لا يتعلمون شيئا ولا ينسون شيئا. فقط موشيه دايان وحده، الذي تطلع باراك لان يشبهه، عاد كي يكفر ويحدث تغييرا.

باراك بالطبع لم يستبعد أن يعود. ظاهرا، رجل مسن، شبع بالافعال، يذهب الى بيته في ذروته نسبيا، يبعث على العطف وهو يقول انه يريد أن يبدأ "قضاء الوقت" على حد تعبيره وان يكون مع العائلة. عمليا، ايهود هرب من جديد – من الدوائر المنزلية الصغيرة، التي عن مصيرها اشتكى في المؤتمر الصحفي، يترك زملائه، بمن فيهم اوريت نوكيد يتأوهون.

منذ ان تجول في ساحات بيروت بملابس إمرأة وتسلق جناح طائرة "سبينا" بملابس الفني، فان باراك هو فنان الخداع، التمويه والدهاء – نجم حفلة التنكر الاسرائيلية. غير أن باراك لم يخدع العدو فقط، بل خدعنا جميعنا، وهو لم يخفِ أبدا متعته بذلك: انتبهوا لبارقة الابتسامة الداهية التي رافقت أيضا المؤتمر الصحفي. أنا أيضا، الصغير، وقعت في شباكه. في 1998، سألته ماذا كان سيحصل لو ولد فلسطينيا. فأجاب المرشح لرئاسة الوزراء في حينه باستقامة وشجاعة أثارت انطباعي في حينه: "لو كنت فلسطينيا في العمر المناسب، لدخلت في مرحلة معينة الى احدى منظمات الرفض"، واسرائيل تفجرت بالانسانية.

بعد أن انتخب وأطلق "فجر يوم جديد" له، ذهب الى شبردستاون لصنع السلام مع سوريا والى كامب ديفيد الى صنع السلام مع الفلسطينيين. السلام؟ تقريبا. بضعة أمتار وحفنة شجاعة فصلت بينه وبين السلام مع سوريا. والى كامب ديفيد ذهب، كما شهد لاحقا، كي يكشف الوجه الحقيقي للفلسطينيين – وكانت الخدعة كلها على حسابنا.

الان، مع اعتزاله، ليس الاول وربما ليس الاخير، أراجع قليلا ما كتبته عنه على مدى السنين، وتبدو واضحة علامات الخداع وخيبة الأمل. لقد تحول الأمل الكبير الى خيبة لا تقل كبرا. فقد أصبح باراك دودة فيروس تسللت الى اليسار الاسرائيلي ودمرته من الداخل، فنشر بنجاح مذهل أب كل الاكاذيب: لا شريك. واليسار، الهزيل على اي حال، لحقه ولم ينتعش حتى يومنا هذا.

غير أن باراك بالذات هو الذي اثبت الضعف الفظيع للدهاء. فشيء لا ينقصه كي يصبح سياسيا ذا أبعاد تاريخية: ذكاء حاد، ثقافة واسعة، لسان قاطع، حضور بل وحتى وحشية، وهي البضاعة المطلوبة للسياسي الاسرائيلي. ولكن الدهاء وحده كان في طالحه.

فقط لو كان يقول الحقيقة البسيطة ويسير في أعقابها، لاصبح السياسي الأهم بعد بن غوريون. لو أنه فقط سار في الطريق المستقيم، لعله على الاقل أصبح رابين. ولكنه كان منشغلا بالاحابيل وبالخدع، من أفضل تقاليد الوحدة العسكرية. ثعلب ماكر مثله، لم يتحول ابدا ليصبح أسدا، رغم أنه كان يستطيع. ولكن ما هي هذه كل التأبينات؟ في الشتاء سيعود الينا، الى ذات الطريق، الى ذات الخدعة – فقط اذا ما استدعي لخدمة العلم.