خبر مكانة « فلسطين » في الأمم المتحدة -نظرة عليا

الساعة 10:44 ص|26 نوفمبر 2012

مكانة "فلسطين" في الأمم المتحدة -نظرة عليا

بقلم: عوديد عيران وروبي سايبل

        (المضمون: نقطتان سلبيان كأثر للخطوة الفلسطينية في الأمم المتحدة: قبول صلاحيات محكمة الجنايات الدولية يعني ان يخضع الفلسطينيون الذي يخرقون القانون الدولي لها أيضا. وبعد إقرار مكانة الدولة سينظر الرأي العام العالمي للنزاع ليس من زاوية الفلسطينيين عديمي البيت بل كنزاع حدود بين دولتين شرق أوسطيتين عاديتين - المصدر).

        وثيقتان فلسطينيتان نشرتا مؤخرا جديرتان بالاهتمام. الطلب الفلسطيني للحصول على مكانة دولة غير عضو في الجمعية العمومية للأمم المتحدة، والخطاب الذي ألقاه رئيس السلطة الفلسطينية أبو مازن في 11 تشرين الثاني 2012، بمناسبة احياء الذكرى الثامنة لوفاة ياسر عرفات.

 

        سيتم البحث في الطلب الذي سيرفع الى الأمم المتحدة، أغلب الظن، في 29 تشرين الثاني 2012، ولا ريب أن هذه محاولة من الفلسطينيين لتعزيز موقفهم في المفاوضات، من خلال تجنيد الدعم الدولي. وبدلا من البحث مع إسرائيل في مسألة الحصول على مكانة دولة، يأمل الفلسطينيون بالحصول على هذه المكانة بدعم واسع من الأسرة الدولية، دون أن يضطروا الى التفاوض على ذلك مع إسرائيل، او الموافقة على اي تنازلات لها. هذا الوضع يتناقض مع رغبة إسرائيل في أن ترى في منح مكانة دولة نتيجة نهائية للمفاوضات مع الفلسطينيين. في الخطاب الذي ألقاه في 11 تشرين الثاني 2012 شرح ابو مازن بان التوجه الى الأمم المتحدة جاء، ضمن امور اخرى، لسحب البساط من تحت حجة اسرائيل في أن اراضي الضفة الغربية موضع خلاف، والقول ان هذه اراض محتلة.

        وشرح ممثلون فلسطينيون مقربون من ابو مازن في حديث خاص، بان الاهمية والاعتراف ينبعان من قرار بهذه الروح في الجمعية العمومية للامم المتحدة يسمحان لابو مازن بالشروع في مفاوضات مع اسرائيل دون الشرط المسبق المتمثل بتجميد المستوطنات، والذي كان أعلن عنه في البداية. هذا التفسير يتناقض والتشديد الذي وضعه ابو مازن في خطابه على مسألة المستوطنات وقوله المتكرر ان المستوطنات غير قانونية. ولا بد أن مسودة الطلب الفلسطيني من الجمعية العمومية للامم المتحدة للحصول على مكانة دولة غير عضو في الامم المتحدة هي وثيقة مصوغة على نحو جيد. فبينما يذكر في مقدمة المسودة عدد كبير من القرارات المناهضة لاسرائيل التي اتخذت في الجمعية العمومية، فانها تلمس أيضا كل "الازرار الصحيحة"  في محاولة لتجنيد تأييد غربي اوروبا. وتعيد المسودة تأكيد قرار مجلس الامن للامم المتحدة رقم 242، تتناول اتفاق اوسلو بين اسرائيل وم.ت.ف في العام 1993 وكذا مبادرة السلام من الجامعة العربية، التي اقرت في قمة بيروت في العام 2002. وتتناول المسودة بشكل صريح "دولة فلسطين التي تعيش الى جانب دولة اسرائيل بسلام وأمن، على أساس حدود ما قبل 1967". وهذه صيغة كل دول غربي اوروبا تؤيدها.

        كما أن المسودة الفلسطينية تتضمن، على نحو مقصود أغلب الظن، عدة عبارات ملتبسة. فهي تتناول القرار رقم 181 للجمعية العمومية للامم المتحدة للعام 1947 حول مشروع التقسيم. ويمكن تفسير هذا كتذكير يدعو الى اقامة دولتين غربي فلسطين، واحدة منها مذكورة بصراحة في قرار الامم المتحدة كـ "دولة يهودية". وبالمناسبة، فان اعلان استقلال دولة اسرائيل تناول هو ايضا قرار 181. ومع ذلك فان التفسير الاكثر تشددا كفيل بان تكون ايضا الحدود التي ذكرت في المشروع من العام 1947 لا تزال موضوعة على طاولة المفاوضات. وتتناول المسودة الفلسطينية الحدود "على أساس حدود ما قبل 1967"، وفي خطابه تناول أبو مازن الدولة "داخل حدود 1967". ومعنى هذه التعابير "على أساس" أو "داخل" كفيل بان يكون أن الفلسطينيين يقبلون حقيقة أن العودة الكاملة الى حدود 67 غير ممكنة؛ ومع ذلك، فان تفسيرا اقل سخاءً كفيل بان يلمح بان الفلسطينيين ستكون لديهم مطالبات باراضٍ داخل دولة اسرائيل قبل 1967.

        وتحظى مسألة القدس بالذكر ثلاث مرات في هاتين الوثيقتين. فمقدمة مسودة القرار تشير الى شرقي القدس كجزء من المناطق التي احتلت في العام 1967. وتواصل المقدمة فتتناول قرار 1866 في الجمعية العمومية للامم المتحدة من العام 2011، والذي يشدد على الحاجة الى تسوية مكانة القدس كعاصمة للدولتين. الفقرة العملية في المسودة تتناول دولة فلسطين على اساس حدود ما قبل 1967، ولكنها لا تتناول القدس على الإطلاق. في خطابه في 11 تشرين الثاني ذكر ابو مازن القدس كعاصمة عدة مرات، دون ان يميز بين غربي القدس وشرقيها.

        إذا ما اعترفت الجمعية العمومية للأمم المتحدة بفلسطين كدولة، فان من المتوقع للوكالات المختلفة في الأمم المتحدة كمنظمة العدل الدولية (ILO)، منظمة الصحة العالمية (WHO)، منظمة الغذاء والصحة للأمم المتحدة (FAO) ومنظمة الطيران المدني العالمي (ICAO) ستعترف هي ايضا بفلسطين كدولة، ولن يكون للولايات  المتحدة حق النقض الفيتو لمنع قبول فلسطين كدولة عضو كامل في مثل هذه المنظمات. ومع ذلك، فان قبول فلسطين كدولة عضو في الامم المتحدة سيجر وقفا تلقائيا للتمويل الأمريكي لتلك المنظمات. وقد سبق لمنظمة اليونسكو أن جربت ذلك على جلدتها بخسارتها أموال التبرعات الأمريكية التي تبلغ نحو 60 مليون دولار، عندما وافقت على قبول فلسطين كدولة عضو كامل في المنظمة. معقول الافتراض بان منظمات اخرى ستبدي عدم استعداد، على أقل تقدير، لاجراء انتحار مالي فقط كي ترضي طموحات الفلسطينيين السياسية. محكمة الجنايات الدولية في لاهاي هي مثال على منظمة من الامم المتحدة، التهديد بوقف التبرعات الامريكية لها غير ساري المفعول. فالولايات المتحدة لا تشكل طرفا في الاتفاق الذي كان الاساس لقيام المحكمة، وبالتالي فانها لا تمول نشاطها. ومع ذلك، في حالة قبول فلسطين الصلاحيات القضائية للمحكمة، فالمعنى سيكون ان كل الفلسطينيين الذين يرتكبون جريمة حرب في المستقبل، بمن في ذلك الذين يسكنون في غزة، كفيلون بان يجدوا أنفسهم خاضعين للصلاحيات القضائية في هذه المحكمة. والقيادة الفلسطينية كفيلة بالتأكيد أن تتردد قبل اتخاذ خطوة "شجاعة" كهذه. تجدر الاشارة الى أنه لم تقبل اي دولة عربية باستثناء الاردن، ومؤخرا تونس ايضا، الصلاحيات القضائية لمحكمة الجنايات الدولية في لاهاي.

        موضوع يبدو أنه لم يحظَ باهتمام جماهيري هو أن مسودة التوجه الفلسطيني تسعى الى منح "فلسطين" "مكانة" دولة مراقبة. منح "مكانة" دولة لا يشبه بالضرورة الطلب الموجه للجمعية العمومية للأمم المتحدة الاعتراف بفلسطين كـ "دولة". في هذا السياق من المشوق الاشارة الى أنه عندما منحت الجمعية العمومية للأمم المتحدة مكانة دولة مراقبة للفاتيكان، فقد كانت الصياغة التي اتخذت هي "تعترف بذلك بالكرسي المقدس، بقوة مكانته كدولة مراقبة". وقد اعترف أبو مازن نفسه بان نيل مكانة دولة مراقبة لن يشكل "العامل الذي ينقذ الوضع" (dues ex machina) بحيث تنشأ بواسطته دولة مستقلة.

        إذا ما مضى الفلسطينيون قدما في مبادرتهم في الجمعية العمومية للأمم المتحدة، فالنتيجة المعروفة مسبقا هي أنهم سينالون أغلبية كبيرة والقرار سيتم تبنيه. قرار من الأمم المتحدة بهذه الروح كفيل بان يمنح الفلسطينيين احساسا بالرضى وان يفسر كمحاولة ناجحة لتدويل النزاع. ومع ذلك، فستكون لهذا القرار نتيجة قد لا نكون توقعناها مسبقا – تغيير في الرأي العام العالمي بالنسبة للنزاع العربي – الاسرائيلي. فبدلا من أن يروا فيه نزاعا بين اسرائيل والفلسطينيين عديمي البيت ممن يطلبون الحصول على وطن خاص بهم، قد ينظر اليه كنزاع حدود شبه هامشي بين دولتين شرق اوسطيين. هذه مسألة من غير المتوقع أن تثير حماسة دولية شديدة.

        على اسرائيل أن تفكر جيدا في كيفية الرد على الخطوة الفلسطينية. فقد تحدثت الصحف الاسرائيلية بتوسع عن أن اسرائيل كفيلة بان تقرر الغاء اتفاق اوسلو وضم المستوطنات الاسرائيلية. ومع ذلك، فقد أكد مسؤولون كبار في وزارة الخارجية الاسرائيلية أمام كاتبي هذا المقال بانه لم يتخذ اي قرار بهذه الروح، وان التقرير يستند الى احدى أوراق الخلفية التي رفعت الى الوزير . للفلسطينيين مصلحة في مواصلة التمتع بالفوائد الاقتصادية لاتفاق اوسلو، والتي بدونها يصعب على السلطة الفلسطينية دفع الرواتب. ولاسرائيل، من جهتها مصلحة في مواصلة أداء أجهزة الامن الفلسطينية، والتي تتمتع سلطات الامن الاسرائيلية بتعاون هام من جانبها في مكافحة الارهاب. أجهزة الأمن هذه ايضا تعتمد على الرواتب التي تدفعها السلطة الفلسطينية.

        يجمل باسرائيل أن تفكر برد فعل مدروس ومحسوب، بحيث لا يضر بمصالحها وبمكانتها الدولية بدلا من أن ترد بغضب.