خبر قراءة في المشهد الإسرائيلي بعد الحرب.. بقلم /سمير حمتو

الساعة 11:43 ص|25 نوفمبر 2012

قراءة في المشهد الإسرائيلي بعد الحرب.. بقلم /سمير حمتو

كاتب ومحلل سياسي

بعد أن وضعت الحرب أوزارها وانتهت انتصار كبير لحركة  المقاومة الإسلامية حماس ومعها فصائل المقاومة وفشل نتنياهو وحليفه باراك في تحقيق أي هدف من الأهداف التي وضعوها خلال ثمانية أيام من الحرب على غزة ثمة ما يدعو للتساؤل حول مستقبل نتنياهو وحليفه في الحرب .

لقد بدا واضحا ومن خلال حالة العصف الذي يدور في الحلبة السياسية الإسرائيلية قبل وبعد إعلان وقف إطلاق النار أن الجبهة الداخلية الإسرائيلية وصلت إلى اضعف حالاتها وكانت ستصل حد الانهيار الكامل لو استمرت هذه الحرب عدة أيام أخر .

وباعتراف كتاب الأعمدة الثابتة في الصحف العبرية في وصفهم لخطاب الهزيمة الذي ألقاه نتنياهو والذي حسب قولهم تبجح بانجازات العملية لكنه عرف في داخله بأنها ليست النتائج التي تمناها أو كان يصبو لتحقيقها ".

وقد سادت أجواء الانقسام والخلاف داخل الحلبة السياسية الإسرائيلية بشان الحرب والتهدئة ففي حين طالب ليبرمان بمواصلة القتال بطريقة ستؤدي بالضرورة إلى دحرجة العملية نحو حرب برية طلب نتنياهو مدعوما بموقف وزرائه باراك وبيغن ومريدور بضرورة قبول وقف إطلاق النار تحت وطأة  الخسائر  الكبيرة  التي منيت بها الجبهة الداخلية وحالة الذعر والخوف التي أجبرت ملايين الإسرائيليين للنزول إلى الملاجيء وشل حركة الطيران وغيرها من الآثار السياسية والاقتصادية التي خلفتها الحرب.

ولعل ابرز الأهداف التي وضعها نتنياهو ضمن البرنامج الانتخابي في القائمة الائتلافية مع باراك  إنهاء حكم حماس"  ووقف إطلاق الصواريخ في حين وصل  باراك إلى قناعة بان تحقيق هذا الهدف لن يتم الا باحتلال غزة وهذا مستحيل .

ويجمع ابرز الكتاب والمحللون على أن ما حدث هو فشل كبير لجيش الاحتلال وتعزيز لقوة حماس وتحويلها إلى جهة لم يعد بإمكان المجتمع الدولي تجاهلها والأخطر من ذلك هو إضعاف السلطة الفلسطينية ".

يقول المحلل العسكري الإسرائيلي المعروف "امير اورن" أن ثلاثية "نتنياهو – ليبرمان- باراك" ظهرت في محاولة يائسة لتحويل الهزيمة إلى نصر لكن نتنياهو سيجد نفسه بعد عدة اشهر جلعاد شاليط حماس الجديد بالمفهوم السياسي ولا يحتاج إلا لصاروخ واحد على تل أبيب ليجد نفسه في ذات المكان الذي أرسل إليه عام 1996 شمعون بيرس".

بدورها قالت الكاتبة والصحفية الإسرائيلية "عميرة هس" في مقالة حملت عنوان "انجاز لحماس" هذه المرة وحتى من يعارض حماس يقدر الانجاز السياسي الذي حققته الحركة إضافة لتقدير قدراتها على مواصلة اطلاق الصواريخ تحت ظل هجوم جوي لا يتوقف ما يشير الى قدرات تنظيمية وتخطيطية كبيرة ".

وعلى ضوء الفشل الكبير الذي حققته "إسرائيل" في عملية "عامود السحاب"التي استوحت اسمها من التوراة، تتعالى الاصوات لدى غالبية الأحزاب الصهيونية لتشكيل لجنة تحقيق في اسباب فشل العملية العسكرية في القطاع.

ووفقاً لـعدد من قادة الأحزاب  فإن هناك ثمة فشل عسكري وسياسي كبير حدث خلال عملية عامود السحاب ، كما ظهر فشل أيضاً على صعيد الجبهة الداخلية ومنها فشل مسألة اتخاذ القرارات داخل الحكومة الإسرائيلية والتخبط داخل اروقة المجالس السياسية والأمنية المصغرة.

وثمة انتقاد لقرارات استدعاء لجنود الاحتياط رغم علمهم الكامل بعدم الدخول في حرب برية وقد كان لذلك اثاره النفسية السيئة على معنويات جيش الاحتلال الذي يرفض ان يغرق في وحل غزة.

كما تطرح تساؤلات عديدة  حول سبب جلب الكثير من المعدات العسكرية والعتاد للجنود مقارنة بالكميات المتدنية نسبياً في عملية الرصاص المصبوب التي لم تتجاوز تلك الاستعداد على الرغم من أنها كانت أكبر من "عامود السحاب".

وهناك حالة من القلق تنتاب قادة الكيان من مسالة الحفاظ على استمرار التهدئة فقد دعا ما يسمى قائد تشكيلة غزة السابق لممارسة الضغوط على حركة حماس حتى يصبح أمر المحافظة على التهدئة من أهم أولوياتها.

ولعل التحول الأبرز في المشهد الإسرائيلي يتمثل في أن اتفاق وقف إطلاق النار الأخير أصبح مادة خصبة  للأحزاب الإسرائيلية  لتوجيه الانتقادات لنتنياهو واتهامه بالتراجع عن تعهداته بتقويض حكم حماس في القطاع.

شاؤول موفاز الذي عمل وزيراً للحرب ورئيس قائمة حزب كاديما وجه انتقاداً حاداً لنتنياهو، بقوله "أن أهداف الحملة لم تتحقق، وأن اندلاع جولة قادمة من المواجهات هي مجرد مسألة وقت مضيفا بأن حماس عززت حماس قوتها، ولم يتم تحقيق أية قوة ردع".

أما رئيس حزب "هناك مستقبل" يائير لبيد، فأعرب عن تحفظه من وقف إطلاق النار معتبرا أن الحكومة لم تحقق وعدها بالقضاء على حركة حماس وعدم التفاوض معها، فقد قامت بالتفاوض معها ولم تقم بالقضاء عليها على حد قوله.

وهكذا ومن خلال قراءة معمقة للمشهد الإسرائيلي فان دولة الاحتلال بزعامة نتنياهو تعيش أسوأ أوضاعها ،بعد ان خيبت المقاومة توقعاتها بتحويل اغتيالها للقائد العام لكتائب القسام الشهيد أحمد الجعبري إلى انجاز كبير وأن يكون رد الفعل بمجموعة صواريخ تجاه المدن الإسرائيلية الجنوبية لأيام قلائل وتنتهي المعركة.

لكن المقاومة وعلى رأسها كتائب القسام التي خاضت عملية حجارة السجيل المستوحاة من القران الكريم فاجأت الجميع بمن فيهم قادة الكيان وأجهزته الأمنية  بخطواتها الهجومية والاستباقية ووصول صواريخ المقاومة إلى "تل أبيب" ومدينة القدس، وفي العرف العسكري يعتبر ضرب العاصمة كسراً لهيبة الدولة وتمريغاً لأنفها في التراب.

ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل أفقدتهم المقاومة صوابهم عندما كسرت هيبة سلاح الجو الإسرائيلي بإسقاط طائرات الاستطلاع والطيران الحربي الذي ضرب في أكثر من دولة عربية دون أن يجد من يردعه الأمر الذي جعل إسرائيل تستجدي التهدئة وتبحث عن سبل الخروج من المأزق .

إن القدرات العالية لاستخبارات المقاومة في تحديد الأهداف بدقة في العمق وعلى الحدود بل وتوثيقها إعلاميا ساهمت أيضا في إضعاف الجبهة الداخلية وتدمير معنوياتها، ساعدها في ذلك الاختراق اليومي لأبرز قنوات الإعلام الإسرائيلي وتوجيه حرب نفسية للمجتمع الإسرائيلي وبلغته.

وهكذا وأمام النصر الذي حققته المقاومة الفلسطينية التي أمطرت تل أبيب ومعظم مدن الكيان بصواريخ فجر 5 وجراد والصفر الكبير الذي عاد به نتنياهو يبقى السؤال هل سيخضع نتنياهو ومجرمو الحرب للجنة تحقيق عنوانها "غزة غراد" قد تطيح بهم وبقائمتهم الائتلافية في الانتخابات ؟؟ هذا ما ستكشف عنه الأيام المقبلة.